العام 2020 هل يغادرنا فيك «وجع الأوطان»؟ - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

وتسير عجلة الزمن غير عابئة بما يفعل البشر، مستمرة في دورانها الذي لا يتوقف وفق آلية منضبطة، فها هو العام 2019 يلملم أطرافه ويهم بالرحيل، حاملا معه كل ما احتواه من خير وشر، ليحل محله العام 2020 الذي يدنو حثيثا نحونا، بخيره وشره الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، نودع عاما من عمرنا ونستقبل جديدا قادما، ونحن كما نحن، نجهل القادم ولا نواجهه إلا بشذرات من الأمل تارة، ومن الخوف تارة أخرى وتلك هي عادة البشر.

في اللحظة الفاصلة بين الوداع والاستقبال، لا نملك إلا أن نستذكر أحداثا بين خير وشر، رافقت مسيرة العام المنصرم، منها ما انتهى ومنها ما يزال حاضرا لن يغادر، فمواعيد الأحداث ابتداء وانتهاء تملك ذاتها، وليس لنا فيها من تدخل وتلك هي سنة الكون، نحن البشر نحس بتأثير الأحداث وهي تقع، فنعيشها واقعا بين فرح وحزن، وبين تذمر واستبشار، لكننا لا نملكها فهي تتملّكنا وتوجّه مشاعرنا ونحن لها من الممتثلين! أحيانا يغرد احدنا خارج السرب فيتوه وتتوه أحلامه معه ولا يصحو إلا بعد أن يصاب بفقدان الذاكرة فينسى عزف ما كان من التغريد!.

ما أصعب أن يأتيك عام جديد وانت تعيش في فوضى تمتد إلى عامها التاسع!، ما أصعب أن يأتيك العام وأنت تصارع أملا كأنه الألم صار يرافقنا لتسع سنوات!، ما أصعب أن يستمر معنا مرض “اضطراب الوطن” حتى صار مزمنا، وأضحى التفاؤل مهما تقوّى عاجزا عن مصارعة المجهول صاحب ذلك الظل الطويل! يا الهي ونحن نعيش لحظات من التوهان، ليس أسوأ من فاقد وطن يبحث عنه بين أشلاء مبعثرة من ذكريات كالسراب، وركام يتراكم، يا الهي ليس أسوأ من ضياع في غربة قاتلة فوق تراب الوطن المنتفض غضبا منا وعلينا ، يا إلهي ليس أشد وقعا على قلوبنا من نزيف تتكحل به عيوننا كل يوم، دما يهرق من أجساد أبنائنا الجرحى وأجساد طرية يلتهمها ذلك التراب المنتفض بشراهة!.

إيه يا وطني، كم اشتقنا للحظة نرى فيها وجهك صبوحا جميلا كما عهدناك لا عبوسا شاحبا، وكم افتقدنا ابتسامة على ثغر محياك كانت لنا بلسما شافيا! إيه يا وطني كم شوهوا فيك نضارة لا تختزل بالنظر، وكم لطخوا بخبثهم وحقدهم إشراقة كانت لنا نورا ساطعا يخترق حجب الظلمات إلى ذلك الأمل، يا وطني لا تكفي أني أتحسر أو أتألم فلم يعد للحسرة معنى ولا للألم طعم، يا وطني كل وجعك منا وبأيدينا فما عسانا نفعل فيك غير هذا النكران القبيح، يا وطني سامحنا فقد عجزنا حتى على أن نكون صفرا يعدم من يضربه مهما عظم! يا وطني ليس اشد وجعا من وجعك ولا أسوأ من أن نكون في صف السلبيين القابعين في منطقة الظل لا إلى هذا ولا إلى ذاك! يا وطني سامحنا فنحن عاجزين صامتين بلغنا من الضعف ما هو أوهن من الوهن.

لم يعد لدعاء العاجزين معنى ولم يستجب الله للضعفاء الخانعين فالمؤمن القوي أحب إلى الله من الضعيف، والساكت على الظلم أو الحق شيطان أخرسته الدنيا وهو متلبس بالهزيمة والخنوع، وهو من ارغم نفسه على التسليم في حريته وكرامته بدون أي مقابل، مسك الختام ليس بوسعنا إلا أن نقول وفي خجل وداعا عام 2019 ومرحبا عام 2020 الذي نرجو الله أن يغادرنا فيه “وجع الأوطان”



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا