الفيدروقبليون بين خبرة التصعيد والطفولة السياسية - عين ليبيا

من إعداد: سعد النعاس

نود أن نكرر أن هذا المقال لا ينطبق على من يؤمن بفكرة ما ويدعوا لها في إطار القانون والحرية المسؤولة . فلا يمكن ألا أن نحترم كل صاحب يفكر يسعى لتحقيقه بأسلوب سلمي حضاري قائم على الإقناع والحجة والشرعية والمسؤولية ، ولو كنا نختلف مع فكرته ، أنى كانت تلك الفكرة.

كل يوم يثبت الفيدروقبليون مراهقة أقرب للطفولة السياسية . نعم فلقد أستغل خبراء التصعيد الشعبي الأحداث التي كانت تحدث في غرب البلاد من مصراتة وطرابلس وغيرها لبث إشاعات وفتن ورح جهوية كادت تؤدي بليبيا إلى حافة الهاوية.

صحيح أننا انتقدنا الكثير من تلك الممارسات ، ولكن شتان بين المآرب والنوايا من وراء ذلك ، فنحن لم ننتقد ذلك إلا لسببين اثنين : الأول : عام وهو قناعتنا بأنا ذلك تجاوز وخروج بالثورة عن مسارها وسبيل سيؤخر بناء ليبيا ، والثاني : خاص وهو قناعتنا من أرض الحدث بأن هناك من كان يبحث عن هكذا أخطاء للاستفادة منها في مشاريع وأحقاد مريضة وأوهام قاتلة.

الله سبحانه وتعالى على ما نقول شهيد ، نتذكر في بدايات الثورة كيف ذهبنا مع مجموعة من الشباب المخلص إلى رأس لانوف للوقوف ضد من أراد استغلال أحداث بن جواد لبث روج جهوية قبلية عنصرية منذ بدء الثورة.

الفيدروقبليون أرادوا استغلال ما كان يحدث في غرب البلاد من تجاوزات خطيرة وانفلات أمني . ونجحوا في استغلال ذلك إلى حد ما ، واستعملوا أسلوب دعاية وشائعات اكتسبوه من سنين خبرتهم في فن التصعيد الشعبي. وفي الناس شرائح لا بأس بها بسيطة قد تجذبها تلك الآلة الدعائية والضرب على روح الجهوية والقبلية والمخاوف القادمة من الغرب.

ولكن حتى هذا السبب يبين مدى الطفولة السياسية لدى هذه الدعوات ، فلنفرض أن الشارع الخلفي لمنزلك به عصابات مخدرات أو ما شابه ، هل من السياسة والحكمة أن تنطوي وتتقوقع في شارعك؟ ألن تنتقل لشارعك ومنزلك تلك النار عاجلاً أم آجلاً ؟! من باب المصلحة المجرد ة ، هل دفن الرؤوس في التراب وترك غرب البلاد يموج في عدم استقراره الأمني يقول به شخص لديه ولو أدنى درجة من وعي سياسي وحكمة ؟!! لماذا تتداعى دول الإتحاد الأوروبي لإنقاذ اليونان وأسبانيا وايرلندا من أزمته المالية ؟ الجواب بسيط ، فبغض النظر عن الروابط الجغرافية أو الدينية ، لأن الآثار المدمرة لانهيار تلك الدولة اقتصادياً ومالياً وما يترتب على ذلك من فوضى سياسية خطيرة ستمتد لكل تلك الدول والعالم أجمع.

هذه الطفولة السياسية لم تقف عند هذا الحدث ، فعوضاً عن زيادة مناصريهم كأي سياسي يسعى لتحقيق هدف سياسي ارتكبوا حماقات سياسية ألبت عليهم حتى من ظن بهم خيراً وبدعوتهم.

البداية كانت من البيان الأول ببنغازي ، والذي رأى فيه الكثير من أهل الشرق ومن ضمنهم مناصريهم خطوة خطيرة ليس في مضمونها ، بل في شكلها ، عن طريق تغييب الناس والتحدث باسمهم .. ذلك أوحى لهم ولعقلهم الجمعي بصورة ذلك الدكتاتور المريع .. ثم ألحقوا ذلك بكوارث سياسية من قطع للطريق والتأثير على أرزاق الناس ، بل وإثارة مشاكل داخل مدن الشرق ذاتها ، والتهديد بالسلاح لدرجة خطيرة . وهذا في بديهيات السياسة انتحار سياسي ، فالناس بعد ثورة دامية لن تقبل بهذه الدعوات ولو كانت ضد قناعاتها . فأسلوب التهديد والوعيد والحرق والوعيد وقطع أرزاق الناس سيؤلب عليك حتى جيرانك في ذات الشارع.

وهذا أنقلب عليهم بشكل منطقي وطبيعي فأصبحوا أقل من أقلية ، وفي أحيان كثيرة لا يمثلون حتى عائلات فما بالك بمنطقة بأكملها . بل أصبح ينظر لهم بعين العداء من شرائح واسعة رأت في قطعهم للطريق ومعها قطع أرزاق التجار وزيادة الأسعار واعتدائهم على صور المرشحين من أبناء مدنهم والحرق والتهديدات التي يطلقونها ، رأت فيها تجسيداً لثقافة القذافي وكتائبه ولجانه الثورية ، والذي كان الكثير من متصدري الفيدرالية دائمي التردد عليه من وثائق العهد والمبايعة والهتافات الحماسية للقائد المفكر إلى الأشعار والمديح.

قد يتساءل سائل : كيف لم ينتبهوا لذلك ؟ هذا السائل البريء ربما لا يعرف استراتجيات خبراء التصعيد الشعبي !! فهؤلاء في معظمهم لديهم خبرات واسعة في مجال علم التصعيد الشعبي ، ومنهم من لديه درجة دكتوراه مع مرتبة الشرف في هذا الفن.

في فن التصعيد ما عليك إلا تحشيد المناصرين واستنطاق وإذكاء الروح القبلية والتذكير ببطولات (جرائم) أجدادك القدامى ضد بني وطنهم . وبعد ذلك تتجه إلى حلبة التصعيد ، فإذا بدا لك أن أعداد من اشتريتهم بالمال غير كافية لتأمين الكرسي الذي يؤهلك للسرقة والنهب والعقود والعطاءات (من رزق برقة وأهلها على فكرة) . عندئذ تتبع إستراتيجية الهجوم خير وسيلة للدفاع بإتباع ما يعرف في فن التصعيد الشعبي بتكتيك ((خرب الميعاد يوم يخرب سنة)) . فيقوم أنصاره بإثارة المشاكل من رمي للحجارة (المناصب) فتبدأ معركة حامية الوطيس قد يسقط فيها قتلى وجرحى ، كل ذلك لا يهم عند خبراء التصعيد الشعبي ، المهم أن يوم التصعيد ( خرب ) وفرصة النهب والسرقة ما زالت قائمة.

وكم قامت فتن بين قبائل وعشائر في الشرق سقط فيها القتلى والجرحى بسبب خبراء التصعيد الشعبي ، من يتباكون الآن على برقة وأهلها ، وذهب في تلك الفتن شباب ضحايا لهؤلاء وما يهيجون به الناس ، لا لشيء ألا للاستيلاء على الكرسي ومن ثم تبدأ سيمفونية النهب والسرقة والرشى بعزف ألحانهم المؤذية للوطن وأهله ، وأولهم أهل الشرق.

لقد قال لنا العديد في بداية الثورة ، وفي خضم المعارك العسكرية أن مشكلة ليبيا في من قتل الناس أما من سرق من ليبيا ، ومن ضمنهم من سرق أهل الشرق ، فهؤلاء يمكن التصالح معه . وقلنا لهم أننا نخشى أن يكون من سرق ونهب هو رأس الحربة في السعي لدمار ليبيا ، فهؤلاء لا عدو لهم إلا الدولة الليبية والدولة الآن ضعيفة ، أما من قتل فله أهل القتيل بالمرصاد وتتبع حقهم.

ولكن خبراء التصعيد الشعبي ولضحالة وفقر مخيلتهم السياسية لم يلحظوا فارقاً أساسياً وجوهرياً في ذلك ، وهو أن الشعب زمن التصعيد الشعبي كان في معظمه سلبياً ولذلك كانت المعركة التصعيدية تدور في أغلب الأحيان بين مئات من الطرفين . أما الآن فالشعب في معظمه ايجابي وسوف يشارك بمئات الألوف بما سيجعل خبراء التصعيد الشعبي يبدون كإبرة في بحر.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا