القواسم المشتركة.. البعد المتآكل في هويتنا (على أي شيء يجتمع الليبيون) - عين ليبيا
من إعداد: ا.د. محمد بالروين
علمونا أساتذتنا، في المرحلة الابتدائية، مفهوم “القواسم المشتركة” وأهميتها في علوم الرياضيات، لكي نفهم قيمة الأرقام وكيف يمكن استخدامها والاستفادة منها، لقد علمونا ـنها قواسم الأعداد التي تقبل القسمة على العدد الصحيحة، وعلمونا أن كل عدد من الأعداد الصحيحة يمتلك مجموعة من القواسم, فمثلاً القواسم المشتركة للأعداد: 18، 24، 36؟ يمكن معرفتها بــ:(أ) إيجاد القواسم المشتركة لكل عدد من هذه الأعداد:
18: 1، 2، 3، 6، 9، 18.
24: 1، 2، 3، 4، 6، 8، 12، 24.صض
36: 1، 2، 3، 4، 6، 9، 12، 18، 36.
و(ب) عليه أن القواسم المشتركة بين الأعداد الثلاث هي: 1، 2، 3، 6
والرسم التوضيحي الاتي يوضح هذه المشتركات:
أما في العلوم الاجتماعية، فلم تهتم الدولة في مناهجها التعليمية، بتدريس القواسم المشتركة بأساليب منهجية وعملية هادفة، والمقصود بالقواسم المشتركة هنا هي الخصائص التي تجمع وتوحد مكونات الدولة والأفراد مع بعضهم البعض، بمعنى آخر، هي مجموعة القيم والمصالح والمزايا والسلوكيات والاهتمامات المشتركة التي تجمع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم ومكوناتهم ومناطقهم، والحقيقة أن القواسم الاجتماعية المشتركة كانت بالنسبة للدولة مجرد مسلمات أكثر منها مبادئ وقيم، وأصبحت أخيرا في حالة من التآكل، بل ويمكن القول أن بعضها أصبح يتلاشى كقاسم مشترك بين أبناء الوطن الواحد.
لماذا القواسم المشتركة؟
يجب على كل شعب الاتفاق علي قواسمه المشتركة لأسباب عديدة لعل من أهمها:
أهم القواسم المشتركة
لعل من أهم القواسم المشتركة التي ينبغي أن يجتمع عليها الليبيون هي:
1. الدين
يمكن اعتبار الدين الإسلامي اهم القواسم المشتركة التي يجتمع عليها الليبيون، إذ لا وجود لاختلافات جوهرية بينهم حول أصوله، فهو الذي يوفر إرشادات للحياة المرغوبة والقيم التي يجب الاحتفاظ بها.
2.اللغة
تعتبر اللغة من أهم القواسم المشتركة في كل المجتمعات، فمن خلالها يستطيع الشعب المحافظة على عاداته وتقاليده وذاكرته التاريخية وأنماط تفكيره، وهي الأداة التي تساعد المواطنين على الشعور بأنهم جزء لا يتجزأ من أبناء الوطن الواحد، وبالرغم من أن هناك أكثر من لغة مُحترمة في المجتمع الليبي، إلا أن اللغة العربية هي التي يتحدث بها الجميع، وبالتالي ينبغي اعتبارها القاسم المشترك الذي يجمع أبناء الوطن ويوحدهم.
3.التاريخ
يساعد المواطنين على رسم صور لما عاشه أباءهم وأجدادهم، ومن أهم وظائفه تحديد التسلسل الزمني للأحداث، وفهم التجارب الإنسانية، والاستفادة منه للتنبؤ بالمستقبل، من هذا الفهم يجب اعتبار تاريخنا، في سرده وتحليله للأحداث والأفكار والتغيرات السياسية والاجتماعية من أهم القواسم المشتركة لكي نستطيع الاستفادة من إيجابياته وسلبياته والسعي الجاد لإعادة بناء دولتنا الحديثة.
4.التراث
المقصود بالتراث هو الأحداث والعمليات التاريخية (الإيجابية والسلبية) التي لها معنى خاص ومهم في ذاكرة مجتمعنا، وهو ما ورثناه من أسلافنا وماضينا المتعدد والمتنوع، فكل مجموعة عرقية أو جهوية أو ثقافية في الوطن لها حكاية أصلها وتقاليدها وثقافاتها الفريدة والخاصة بها، وكل هذه المجموعات ساهمت في صنع تاريخنا وثقافتنا الجامعة في الوطن، ومن هذا الفهم يمكن القول إن التراث مهم لأنه يوفر لنا أدلة على ماضينا، وكيف تطور مجتمعنا، ويساعدنا على فحص ونقد تاريخنا وتقاليدنا، ويمكننا من تطوير الوعي بأنفسنا، ويساعدنا على فهم أسباب الوضع الذي نحن فيه.
5.الشعب
مفهوم “الشعب” هنا هو مصطلح سياسي، يشمل جميع المواطنين في الدولة، بغض النظر عن شعوبهم وقبائلهم ومناطقهم وثقافاتهم ومكوناتهم، وهذا المصطلح يعني أن كل مواطني الدولة متساوون أمام القانون في حقوقهم وواجباتهم السياسية، وأن حكومتهم في خدمتهم جميعا، وعليه فمفهوم “الشعب الليبي” يشمل كل المكونات والقبائل والشعوب والأقاليم والثقافات الموجودة في داخل الدولة الليبية.
6.الجغرافيا
تعني الأرض المشتركة التي يعيش عليها أبناء الوطن الواحد، والعامل الأساسي للتأثير على سياسة واقتصاد وثقافة الدولة، وهي الطرق والأساليب التي تؤثر بها المساحة والتضاريس والمناخ على أعمال وأحوال وسلوكيات المقيمين عليها.
7.الحلم هو مجموع الأمال والطموحات التي يتطلع إليها أبناء الوطن الواحد، وهو التصورات المستقبلية التي من خلالها يصبح الوطن مكان لكل الأحرار، وأرض للفرص المتكافئة، وأداة للتحقيق السعادة للجميعـ (للمزيد راجع: بالروين, 2020).
صناعة القواسم المشتركة
بمعنى كيف يمكن صناعة القواسم المشتركة والاتفاق عليها وتعزيزها بين أبناء الوطن الواحد؟ والحقيقية أن هناك العديد من الأدوات والأساليب لتحقيق ذلك لعل من أهمها:
الخلاصة
مما تقدم يمكن القول إنه على أي شعب يريد النهوض، أن يتفق على قواسمه المشتركة، واعتبارها “الحد الأدنى” أو “الصفر الافتراضي” أو”نقطة الانطلاق” للنهوض والسير نحو المستقبل، ولابد أن ترتكز هذا القواسم على الأدوات الممكنة والمناسبة، والتي لعل من أهمها: التربية الصحيحة، والتعليم المناسب، والمنهجية العلمية، والحوار البناء القائم على المصارحة والمعرفة والاعتراف والقبول بالنتائج مهما كانت، وبالتالي على جميع الليبيين أن يدركوا أنهم في حاجة للاتفاق على قواسمهم المشتركة – أي الدين واللغة والتاريخ والتراث والشعب والجغرافيا والحلم في الحياة والحرية والعدالة – إذا أرادوا النهوض من جديد، وإعادة بناء دولتهم المدنية الديمقراطية التي يحلمون بها.
أخيرا يا أحباب، لا تنسوا أن هذا مجرد رأي،
من أتى برأي أحسن منه قبلناه،
ومن أتى برأي يختلف عنه احترمناه.
=====
مراجع
د. محمد بالروين, 26 يوليو 2020, الحلم الليبي (2-2) , موقع بوابة الوسط ,
http://alwasat.ly/news/opinions/291105?author=1
د. محمد بالروين, 01 مايو 2007, من تربيتنا السياسية, موقع ليبيا المستقبل.
https://archive.libya-al-mostakbal.org/MinbarAlkottab/May2007/dr_m_berroween010507.html
جوديث إم هاراكيفيتش وكريس هولمان ، “أهمية الاهتمام: دور أهداف الإنجاز وقيم المهام في تعزيز تنمية الاهتمام ،” ديسمبر 2009 ، بوصلة علم النفس الاجتماعي والشخصي 4 (1): 42-52 https: // www .researchgate.net / منشور / 229978920_The_Importance_of_Interest_The_Role_of_Achievement_Goals_and_Task_Values_in_Promoting_the_Development_of_Interest
جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا