الكلمة التي أفسدت كل شيء في مشروع قانون الأحزاب - عين ليبيا

من إعداد: د. يونس فنوش

لقد كان لنا، في تجمع ليبيا الديمقراطية، شرف المبادرة بتقديم مقترح بإصدار قانون لتنظيم عمل الأحزاب السياسية، لما رأينا كيف يتأخر المجلس الوطني الانتقالي، من يملك سلطة التشريع، في إصدار القوانين والتشريعات الضرورية اللازمة لتنظيم الحياة السياسية في البلاد، وكان في مقدمتها الإعلان الدستوري، وقانون تنظيم عمل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.

وقد كلفنا الدائرة السياسية والقانونية في التجمع بوضع مقترح القانون، وبعد الاطلاع على عدد كبير من القوانين والتشريعات المتعلقة بالأحزاب السياسية في دول مختلفة، عربية وغير عربية، أنجزت اللجنة صياغة أولى للمشروع، عرضت على النظر والتمحيص والمراجعة، سواء داخل أطر التجمع أو في إطار الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني النشطة في مدينة بنغازي. وباستثناء بعض الملاحظات اليسيرة، أجمع كل من اطلع على مشروع القانون على أنه مصاغ صياغة جيدة، وأنه يستجيب لما يتفق عليه أغلبية معتبرة منهم.

وبعد مماطلة وتأخر لا معنى له ولا مبرر، رأينا المجلس الوطني يطرح مشروع القانون على الجمهور في صفحته على موقع فيسبوك، لاستطلاع الآراء حوله، وتقبل ما قد يرد من ملاحظات وتعديلات.ثم سمعنا أن المجلس قد أصدر القانون، وبعد أقل من يوم واحد سمعنا أنه أجل إصداره إلى أجل آخر، ثم تبين أن السبب في ذلك الارتباك الذي حدث هو كلمة واحدة، لا نعلم على وجه التحديد من كان وراء إضافتها، هي كلمة (ديني) التي أضيفت على الفقرة رقم (4) من المادة (8) من القانون والتي كان نصها كما يلي: “عدم قيامه على أساس قبلي أو جهوي أو عرقي أو لغوي”.

ولقد كانت هذه الكلمة بالذات أكثر المواضع التي ثار حولها الجدل والحوار والنقاش، وكنا ندفع برفضنا إيرادها في نص القانون لأنها كلمة يصعب إن لم يكن من المستحيل الاتفاق على مضمونها على وجه لا يحتمل أي خطأ في الفهم أو التأويل، ولا سيما في مجتمع مثل المجتمع الليبي أفراده جميعهم مسلمون، ولا أحد منهم يدعي أنه لا يتخذ من الإسلام وشريعته وثقافته مرجعية له على نحو أو آخر، يختلف قليلاً أو كثيراً بين طرفي المعادلة يمينا ويساراً. وكنا نجادل من يقول بإضافة هذه الكلمة لنص القانون بأن نطلب منه أن يحدد لنا ما هو الأساس الديني الذي سوف يتخذ لمنع حزب ما من ممارسة العمل السياسي، أهو إيراد صفة (الإسلام) في اسمه، أم هو النص على مرجعية الشريعة الإسلامية في التشريع.. وما العمل إذا وجدنا أن معظم الأحزاب السياسية، إن لم تكن كلها، تشير، بشكل أو بآخر، إلى مرجعية الإسلام في التشريع، وإن اختلفت فيما بينها، بين من يريد النص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع، وبين من يرى النص على أنها المصدر الرئيس أو مصدر رئيس للتشريع، مروراً بمن يذهب إلى القول بحصر المقصود بالشريعة في الأحكام قطعية الثبوت والدلالة.

وهكذا تجنبنا النص على إيراد كلمة (ديني) ضمن الأسس التي يمنع تكوين الأحزاب على أساسها. وذلك بعد أن تبين لنا من جلسات الحوار والنقاش أنه ليس ثمة إشكالية كبيرة في الاتفاق على المقصود بتعبيرات (قبلي، جهوي، عرقي، لغوي)، أي عدم السماح بأن يتكون حزب من أفراد ينتمون إلى قبيلة واحدة، أو جهة واحدة، أو عرق واحد، أو لغة واحدة، من جهة أن السماح بتكوين الأحزاب على أحد هذه الأسس من شأنه أن يرسخ التفرقة بين العناصر المكونة للشعب الليبي، أو يمثل مساساً بمعاني الوحدة الوطنية بشكل أو بآخر.

وإني أؤكد أننا بقدر ما نحن بحاجة إلى قانون ينظم عمل الأحزاب السياسية، ويمنحها الصفة القانونية الاعتبارية كي تتمكن من ممارسة حركتها ونشاطها بحرية وفي العلن، دون إقصاء أو حظر على الرأي أو التوجه الفكري، فإننا لا نهدف مطلقاً إلى البحث عن المحددات والقيود والشروط، التي توضع من أجل التضييق على ممارسة حق الأفراد الطبيعي والدستوري في التجمع حول الرأي الذي يؤمنون به، وحقهم في الدعوة لهذا الرأي والسعي لإقناع الناس به، ما التزموا بآليات الحراك الديمقراطي، التي يأتي في مقدمتها الممارسة السلمية للتعبير عن الرأي، وعدم اللجوء إلى أساليب الإرهاب والعنف، وما لم يخرجوا عن المبادئ الأساسية التي ينص عليها دستور البلاد.

فهل يستمع المجلس الوطني ويعيد القانون إلى ما جاءت به صياغته الأولى؟

د. يونس فنوش
yfannush@yahoo.com



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا