اللعبة التي نسفت مقترح لجنة فبراير - عين ليبيا

من إعداد: د. يونس فنوش

منذ وقت مبكر أخذت المؤشرات تتزايد وتتوالى على أن هناك فئة متحكمة في مقاليد الأمور داخل المؤتمر الوطني وفي البلاد عامة، مصرة على فرض رؤيتها التي تتفق ومصالحها الخاصة، التي تأتي في مقدمتها مصلحتهم في التمديد للمؤتمر الوطني حتى يتمكنوا من تحقيق مآربهم ومصالحهم، من خلال بسط نفوذهم على مفاصل الدولة ومؤسساتها، وذلك لإدراكهم أن المضي في اتجاه أي انتخاب يعيد القرار والخيار إلى يد الشعب لن يكون في صالحهم، بعد التجربة المريرة التي خاضها الشعب وإياهم، وبعد ما تكشف للناس من أساليبهم الملتوية، وألاعيبهم المختلفة التي تتجه أساساً إلى أمرين: الأول هو عرقلة بناء الدولة، التي تمتلك بالفعل أدوات السلطان القاهر، لفرض القانون على الجميع، ومنع خرقه والتعدي عليه. أما الثاني فهو مواصلة التغلغل في مفاصل الدولة، وامتلاك أدوات النفوذ والقوة المسلحة، التي تمكنهم من فرض مواقفهم وآرائهم واختياراتهم بقوة السلاح والإرهاب، عندما يفشلون في تمريرها وفرضها بدون قوة وبدون سلاح.

ولقد تبين ذلك بوضوح من خلال ممارسة أساليب التلاعب والمراوغة والمماطلة والتسويف التي عامل بها المؤتمر الوطني مختلف المبادرات التي ظلت تتوالى وترد إلى لجنة خارطة الطريق التي شكلها، من أجل الوصول إلى رؤية لحل يكون كفيلاً بمعالجة الاحتقان الآخذ في الازدياد والتصاعد، وإيجاد صيغة لاختيار بديل منتخب يتولى مقاليد الأمور من المؤتمر الوطني، ويسير البلاد في المرحلة التالية.

وقد تابعنا بمرارة وأسف كيف أخذت تلك المناورات تتوالى وتتعدد، فوجدنا المؤتمر يتحايل على الموضوع بإصدار قرار يتحدث عن تبني الخارطة (ب) من حيث المبدأ، ولكن تأجيل تنفيذها إلى حين وصول تقرير من لجنة الستين بخصوص القدرة أو عدم القدرة على إنجاز مشروع الدستور في الموعد المحدد (4 أشهر). ثم تابعنا كيف اضطر المؤتمر الوطني، تحت ضغط المطالبات التي عبر عنها المجتمع المدني، إلى إصدار قرار يزعم الاتجاه نحو تنفيذ الخارطة (ب)، ثم تشكيل لجنة لوضع مقترح بتعديل الإعلان الدستوري، وهي اللجنة التي عرفت باسم (لجنة فبراير).

ولقد راودتني منذ البدء هواجس حول حقيقة المستهدف من وراء تشكيل هذه اللجنة، وخشية من أن يكون ذلك مجرد لعبة، يراد استثمار (لجنة فبراير) كستار لتمريرها. وكان تخوفي يستند إلى فكرة أن المؤتمر يريد أن ينتظر حتى يرى ما تسفر عنه أعمال اللجنة، فإذا ما جاءت وفق ما يريد ويشتهي، تبنى مقترحها، مدعيا أنه مقترح مقدم من لجنة محايدة لا علاقة لها بالمؤتمر ولا بالكتل الفاعلة فيه. أما إذا جاء المقترح بخلاف ما يريد ويشتهي، فسوف يتنصل من قراره بتشكيلها، وسوف يدعي أن اللجنة هي عبارة عن لجنة استشارية، وأن قراراتها غير ملزمة له.

وكان هذا الهاجس بالتحديد وراء قراري بتعليق عملي في اللجنة، منذ إعلان اسمي ضمن أعضائها، وأصدرت بيانا بالخصوص علقت عملي في اللجنة بتأكدي من أن عملها يتم بوضوح وتحديد في إطار الخارطة (ب).. بيد أن أصدقاء كثيرين من داخل المؤتمر وخارجه اتصلوا بي، وألحوا علي أن أقبل العمل وأن أشارك، تقديراً منهم أن وجودي في اللجنة سيكون مفيداً وإيجابياً، وجعلوني أتخوف من أن يعد موقفي ذاك تهربا من المسؤولية الوطنية، فقبلت الانضمام إلى اللجنة والمشاركة في أعمالها.

ولقد أخذ يتبين لي منذ اليوم الأول لمشاركتي في أعمال اللجنة أن ثمة لغماً زرع فيها، من خلال اختيار عدد من أعضائها، ينطلقون من رؤى وقناعات معينة مسبقة. وبالفعل انفجر ذلك اللغم عندما وصلنا إلى الحديث عن رئاسة الدولة، فزعم أولئك الأعضاء أن الحديث عن انتخابات رئاسية لا يعني بالضرورة انتخابات مباشرة من الشعب. وأن انتخاب الرئيس يمكن أن يتم من خلال البرلمان.

لقد فوجئ أغلب أعضاء اللجنة، وأنا منهم، من إثارة هذه القضية أصلاً، لأننا كنا نحسب أنها مفروغ منها وليست موضع جدال. ولذا فقد كانت هذه النقطة الوحيدة التي اضطررنا إلى اللجوء لحسم القرار بشأنها إلى التصويت بأغلبية الثلثين، وفق نص لائحة عمل اللجنة.

وعلى الرغم من أن نتيجة التصويت كانت لصالح الانتخاب المباشر لرئيس الدولة، وفق المقترح الذي وضعته اللجنة، إلا أننا فوجئنا بالمؤتمر الوطني، يلجأ إلى أساليب المراوغة والتلاعب، فيصوت على قبول نصف المقترح، المتعلق بالسلطة التشريعية (مجلس النواب)، وتأجيل النصف الآخر المتعلق بالسلطة التنفيذية (رئيس الدولة).. وبالطبع كان ذلك نسفاً للمقترح من أساسه، وذلك لأن المقترح بني على ركنين أساسيين لا قيام له بأحدهما دون الآخر هما: سلطة تشريعية/سلطة تنفيذية.

وبهذا تحققت هواجسي التي كانت تراودني، واتضح أن المؤتمر، ولعل الصحيح القول تلك الفئة المتحكمة في المؤتمر، كان يريد اتخاذ لجنة فبراير ستاراً يخفي وراءه مآربه وأهدافه، ولكنه، لما خالف مقترح اللجنة هذه المآرب والأهداف، ضرب بها عرض الحائط، وقرر ما كان أصلا يريده ويعمل عليه.

وها هي ذي اللعبة تتكشف بكل أبعادها؛ إذ مارس المؤتمر على من بقي من أعضاء لجنة فبراير (بعد انسحابي والأستاذة عزة المقهور منها) ما يكفي من الضغوط حتى وافقوا تبني التصور الذي ما انفكت تلك الفئة تردده وتدعو إليه، وهو فكرة انتخاب مؤتمر وطني جديد، بنفس العدد (200 عضو) وبنفس قانون الانتخابات السابقة.. بحجج واهية ومزيفة: أن الوقت لا يكفي لوضع قانون انتخاب جديد، وأن هناك صعوبة في إعادة النظر في توزيع الدوائر الانتخابية…إلخ .. وأقول إن هذه حجج مزيفة لأني أعرف أن مقترحا بقانون انتخابات برلمانية ورئاسية، مقروناً بتوزيع للدوائر الانتخابية على مستوى البلاد كلها (استناداً إلى بيانات التعداد العام للسكان لسنة 2006) موجود لدى لجنة فبراير منذ بداية عملها..

ولقد وضعت بالأمس على صفحتي في الفيسبوك كلمة بعنوان (إعلان عن هزيمة مؤقتة)، أعترف فيها بأن تلك الفئة المسيطرة على المؤتمر الوطني قد تكون انتصرت علينا، وفرضت ما تريد، ولكني أقول إن المعركة السياسية الكبرى، معركة بناء دولة ليبيا المدنية الديمقراطية، لم تنته، وأن هذه ليست إلا واحدة من جولاتها.. وما علينا –نحن أنصار الدولة المدنية الديمقراطية- إلا أن نجمع قوانا ونوحد صفوفنا، ونبدأ استعدادنا لخوض الجولة الأخرى من المعركة، وسيكون علينا أن نثبت أننا قادرون على كسبها والانتصار فيها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا