المجلس الوطني: بين أن يبقى هو المشكلة… أو يصبح جزءاً من الحل - عين ليبيا

من إعداد: د. يونس فنوش

ثمة قناعة باتت تنتشر وتترسخ لدى غالبية معتبرة من الليبيين، في كل أنحاء الوطن، ومن مختلف الشرائح والفئات، بأن الأزمة التي نعيشها، ونشاهد كيف تتفاقم وتزداد تشعباً وتعقداً، هي (أزمة الشرعية)، وذلك أن جميع الأطر والهياكل التي تتولى السلطات، سواء على الصعد المحلية أو على الصعيد الوطني العام هي سلطات لا تتمتع بالشرعية الحقيقية، ونعني بها تلك الشرعية المستمدة من إرادة أغلبية الشعب، المعبر عنها من خلال اقتراع سري، مكفولة له كل ضمانات النزاهة والشفافية والدقة والتنظيم.

من هذا المنظور، ووفق هذا الفهم للشرعية، لا نحسب أن أحداً يمكن أن يجادل في أن هذه الهياكل الموجودة حتى هذه اللحظة، ونعني بها المجالس المحلية في المدن، والمجلس الوطني الانتقالي هي جميعها هياكل لا تتمتع بالشرعية الحقيقية، لأنها تشكلت بناء على توافق شعبي عام، فرضته ظروف الثورة والحرب، التي جعلتنا منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة نواجه فراغاً في السلطة، كان لابد أن نتداركه بإيجاد أطر أو هياكل نحملها مسؤولية تولي تسيير أمور المدن والمواطنين، فوجدت المجالس المحلية في المدن، ثم وجدنا أنفسنا بحاجة ملحة وعاجلة لإيجاد جسم أو إطار يتحمل مسؤولية تمثيل الدولة على الصعيد الوطني الشامل، والتحدث باسم الثورة مع العالم الخارجي، واتخاذ القرارات التي أخذت تفرضها الظروف والتطورات، فكان المجلس الوطني الانتقالي. وبالطبع لم تكن الظروف تسمح على الإطلاق حتى بالتفكير في إجراء انتخابات نظامية، فكان الحل هو التوافق على تشكيل تلك المجالس والهياكل. وكانت الروح الوطنية العارمة تحفز الجميع على عدم الجدل أو التشديد في الانتقاد واللوم عندما أخذت بعض الأمور لا تسير على ما يرام، وأمور أخرى تسير سيراً خاطئاً تماماً، وعندما أخذنا نلاحظ بألم العديد من مظاهر التخبط والعجز والبطء القاتل في الحركة والإنجاز.

بيد أن الأمور كان ينبغي أن تتغير حال انتهاء الحرب، وانحسار غبار المعارك، ولا سيما بعد القضاء على الطاغية في معركة سرت. ولكننا أخذنا نشاهد كيف أن مختلف المؤشرات تشير إلى عدم وجود أي نوايا للتغيير أو التعجيل بإصلاح الأداء. وأخذنا نشاهد حالة التخبط والارتباك والفشل التي يعيشها المجلس الوطني، ونتألم لما يحدث من المجلس ككل، أو من أعضائه كلهم أو بعضهم، أو من رئيسه، حتى بلغ بنا الأمر في هذه اللحظة إلى فقدان أي ثقة في صلاحية المجلس وقدرته على أن يساهم في إيجاد الحلول، وتأمين الانتقال المنشود إلى الدولة القائمة على حكم المؤسسات الشرعية المنتخبة.

وهكذا بتنا نزداد قناعة بأن المجلس الوطني الفاقد للشرعية بات هو المشكلة كلها، ولا نقول إنه جزء منها فقط. وعلى الرغم من أننا نسمع من هنا وهناك تأكيدات، تقابلها في الوقت نفسه تشكيكات، بأننا سائرون نحو حل هذه المشكلة من خلال انتخابات المؤتمر الوطني، إلا أن ما نشاهده ونعيشه على صعيد المعطيات السياسية والاجتماعية والأمنية القائمة في البلاد الآن، بات يدفع بقوة نحو الظن بأن هذه الانتخابات لا يمكن أن تتم في الآجال المحددة لها، وفق آخر تعديل للإعلان الدستور، وهو 19 من شهر يونيو القادم. وأنه إذا ما أصر المجلس الوطني على إجرائها في هذا التاريخ، دون توفر الشروط والظروف اللازمة لسلامتها ونظاميتها، فإن ذلك سوف يكون كارثة بكل معنى الكلمة، لأنه سيفتح علينا أبواب الخلاف والاختلاف، بسبب عدم قبول بعض الأطراف بنتائج الانتخابات والتشكيك في نزاهتها وسلامتها.

ولقد أخذت أصوات ترتفع منادية بفكرة مختلفة لإيجاد حل لهذه المشكلة: مشكلة الشرعية، بالقول إننا يمكن أن نصل إلى ذلك بطريقة متدرجة وسلسلة، من خلال إجراء انتخابات مجالس المدن، ثم اختيار ممثلي هذه المدن في المجلس الوطني من بين الأعضاء المنتخبين. هذه الطريقة يمكن، إذا تبنيناها وسارت كما ينبغي، أن توصلنا إلى ما يسميه البعض “شرعنة المجلس“، أي إكسابه الشرعية من خلال أعضائه المنتخبين في مدنهم. وإذا ما تحقق ذلك فسوف يكو ن لدينا مجلس وطني منتخب، لن يكون من الصعب علينا أن نعتمده كسلطة شرعية نخولها إدارة ما يتبقى من المرحلة الانتقالية، بدءاً من تشكيل لجنة لصياغة الدستور الدائم، مروراً بالاستفتاء عليه وإقراره، وانتهاء بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ثم تسليم السلطة إلى المؤسسات الشرعية المنتخبة.

وهنا آتي إلى مضمون العنوان الذي عنونت به هذه المقالة، وهي فكرة أن المجلس الوطني يمكنه أن يبقى هو المشكلة، ولكن يمكنه أيضاً أن يصبح جزءاً من الحل، وذلك بأن يتبنى هو نفسه فكرة التمهيد لحل أزمة الشرعية من خلال انتخابات مجالس المدن، فيدعو إلى إجرائها في كل أنحاء الوطن، ثم يتبنى آلية استبدال أعضائه التوافقيين الحاليين بأعضاء منتخبين في مدنهم. وإني أزعم أن المجلس سوف يجنب نفسه ويجنب البلاد كلها مخاطر التمادي في الصراع والتجاذب، وسوف ينقذنا جميعاً من الهواجس المتعلقة بالقدرة على تنظيم انتخابات المؤتمر الوطني على النحو الذي يرضى عنه الجميع، إذا ما قبل بهذه الفكرة، وأعلن أنه سائر فيها، وفق خطة مرسومة محددة، تجرى فيها انتخابات مجالس المدن، في مراحل متتابعة، وتتضافر جميع الجهود من السلطات المختصة وقوى المجتمع المدني في سائر المدن للمساعدة في تنظيم الانتخابات المحلية والإشراف عليها، حتى إعلان نتائجها النهائية.

للتواصل مع الكاتب:

البريد الإلكتروني: yfannush@yahoo.com

هاتف: 0925121949



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا