المرأة الليبية بين 17 فبراير و 1 سبتمبر - عين ليبيا

من إعداد: خالد الهوني

23b22def0f303e5ddf2e2b114ec16b35شاهدت يوم أمس برنامج مصور بأسم صالون الليبيين، موضوعه عن الدستور الليبي المُرتقب، كانت ضيفاته ثلاث نساء ليبيات، بدأت  إحدى الضيفات الحديث فيه، عن حال المرأة الليبية، قبل السابع عشر من فبراير، وقالت بأنها  كانت مغيبة تماماً وليس لها حضور سياسي، أما اليوم فهي تنعم بما هو أفضل من ذلك.

سرعان ما  دفعني كلامها، لتذكر يوم من أيام ربيع سنة 2014 الحارة، وقد كنت أجلس فيه في فناء بيت أختي الكُبرى، في أحدى ضواحي مدينة  طرابلس، كنت  أتبادل معها أطراف الحديث، وهي سيدة مثقفة، ومُدرِّسة متمكنة في مجال اللغة العربية، حين أطلت علينا  إبنتها الصغرى عائدة من مدرستها الاعدادية، وقد بدى على وجهها  علامات التعب والارهاق من حر ذاك اليوم، ومن الجلباب الثقيل الواسع الذي كانت تتخبخب فيه، وهو يغطيها إلى  أخمص قدميها، حتى حذائها الصغير، كان لا يظهر منه شيء، فسألتها مستغرباً: لماذا لا تلبسين الزي المدرسي الازرق المتعارف عليه؟، فهو أجمل، وأكثر ملائمة للجو ولحركة الطالبات داخل المدرسة، ولممارسة نشاطاتهن، كما أنه يميزهن عن غيرهن من البنات إذا كن في الشارع، في غدوتهن و روحتهن.

فأجابتني أختي بأن ذاك زمن قد ولّى، وإن ذاك الزي الجميل والمحتشم، الذي عرفناه لعشرات السنين، قد أصبح ممنوعاً، ويصنف كزي فاجِر، وقد أضحكتني أبنتها الصغيرة وآلمتني  معاً، حين أخبرتني عن أحد مدرسيهم، وهو يُدرِسهم، لابساً جلبابه القصير، وكيف يعامل البنات بإحتقار ولا يناديهن بأسمائهن، فينادي الطالبة صارخاً بأسم أبيها لا بإسمها، فإن لم ترد عليه، يصيح عليها: هيه، إنتِ يا فاء أو يا عين، وهو الحرف الاول لإسمها إذا كان أسمها فاطمة مثلا أو عائشة.

سرحت بذاكرتي بعيداً، في زمن ذاك الطاغية، في منتصف سبعينات القرن الماضي، يوم كناً  أولاد وبنات، نلعب بالدراجات، في شوارع مدينة سبها، مرتدين ملابس ربما  تُعد اليوم، من أكبر المُحرمات، وليس هناك  من يزعجنا ولا من يلتفت إلينا أصلاً، كما تذكرت طائرة صغيرة، كانت تقودها فتاة ليبية أسمها، عائشة الاصفر، وهي تحلق بها فوقنا، وتمرح بها في سماء  مدينة سبها، بعد أن نالت شهادة تؤهلها لقيادتها  من نادي طيران سبها، لتكون ربما أول فتاة عربية في هذا المجال.

ثم مر من أمامي شريط لوجوه آلاف النساء الليبيات، في زمن ذاك الطاغية، اللاتي وجدن من دفع بهن ودافع عنهن وحماهن، وأعطى لهن  الحق كاملاً في الدراسة والعمل والسفر، سواء في الداخل أو في الخارج، بدون تبعية  لمرافق أو مُحرم، أو ذكر يتسلط عليهن بحجة ذكورته أو ولايته عليهن، فكُن منهن المدرسات الفاضلات، والقاضيات والمهندسات والمحاميات، والإعلاميات، والطبيبات والسفيرات، وحتى جنديات وضابطات الجيش والشرطة، وقائدات الطائرات المقاتلات، في سابقة تعد الاولى  في ذاك الزمان، على مستوى الوطن العربي إن لم يكُن العالم الاسلامي برُمته.

كل ذلك كان في زمن الطاغية، والذي مع ذلك، لم ترى كثير من النساء أن هذا كافياً لهن، فخرجن في يوم 17 فبراير، مطالبات بغِد أفضل لأبنائهن وبناتهن، فهن العارِفات، بأن المستقبل يحتاج للمزيد من الحق والعدالة، وحقوق الانسان، وحرية التعبير عن الرأي ، وهذا ما آمن به كل من خرج ثائراً في ذاك اليوم.

imagesكما إن  منهن من حَمَلن  السلاح، في سبيل ذلك، ذاك السلاح الذي دربه عليهن الطاغية، لكي يستطعن الدفاع به عن شرفِهن و مكتسباتِهن، ليقاتلن به نظامه، بجانب  أخوتهن من الرجال، لا فرق بينهُنَّ و بينهم.

وليتم مكافئتهن، بعد كل ما قدمن، وفي ما سُمى بيوم التحرير، في موقف مضحك و مخزي،  وأمام العالم أجمع، تكَّلم مستشار السابع عشر من  فبراير الجليل، مصرحاً بأنه ومن اليوم،   يحق لكل ليبي بأن يتزوج أربعة نساء!!، لكإن جميع الليبيين، فُحول هواصر، يتوقون للإكثار من الزوجات، ولا يمنعهم عنه فعلها، إلا ذاك القانون المُجحف، أو أن بنات ليبيا ونسائها، عوانس لا يجدن رجالاً، إلا بإن يتشاركن فيهُم مع غيرهن من النساء، والقانون الظالم يمنع ذلك، ليصبح ذاك اليوم بالنسبة لي، يوم تحرير نزوات الرجل وبدأ لطغيانه ضد المرأة في ليبيا.

إذ أن الثورة التي أردنها لغد أفضل، وقاتلن فيها ومن أجل إنتصارها، غدرت بهن، وهمشتهن، فأصبحن، بعد إنتهائها، أخوات للرجال، لا نداً لهم، ثم  مجرد حرائر لا أكثر، ولربما بعد قليل، سنرى بأنهن قد أصبحن إماء وجواري.

ثم توالت المصائب على المرأة الليبية، فأصبحن مطاردات، يَقتُلُهن من دافعن هن عنهُم،   ومن قدَّمن لهم الماء والغذاء في جبهات القتال، وباعن مجوهراتهن من أجل أن يُشترى بثمنها السلاح والدواء لهم، فأُغتيلت  الناشطات  منهن، مثل المحامية سلوى أبوقعيقيص، تلتها القاضية فريحة البركاوي، كما توالت على غيرهن التهديدات والاهانات، كما طالت الكثير من نساء ليبيا، جرائم القتل  وأعمال السلب  والعنف المفرط وغيرها من الجرائم، دون أن يتم التحقيق فيها أو معاقبة فاعليها، وهم في معظمهم من الرجال.

لا أظن بأن الشهيدة صبرية ساسي، وقد قُتلت في تاجوراء، يوم  25  فبراير 2011، بتهمة خياطتها لعلم الاستقلال، ستُسر لو علمت بما آلت عليه حال المرأة الليبية اليوم، بعد نجاح الثورة التي قدمت روحها من أجلها.

كما  أني لست واثقاً، أي الزمنين هو أكثر طغياناً أو تسامحاً مع المرأة الليبية، هل هو زمن الأول من سبتمبر أم زمن السابع عشر من  فبراير؟

لربما المرأة الليبية اليوم،  أقدر مني على الإجابة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا