المرتبات الحكومية إهدار بنص القانون - عين ليبيا

من إعداد: د. سليمان سالم الشحومي

طلب مني سعادة السفير غيث سيف النصر أعزه الله، ان اتعرض لمسألة الرواتب في ليبيا وانعدام العدالة وتضخم قيمتها بشكل كبير وخصوصا بالمؤسسات السيادية والبعثات الدبلوماسية الخارجية وتأثيرها على الميزانية العامة للدولة، شاكرا له اهتمامه وحرصه.

لا شك ان بند المرتبات الحكومية أصبحت تشكل الجزء الأكبر من الموازنة العامة بما يجاوز 50% منها والسبب يعود الي عدة أسباب لعل أهمها هو الازدياد المضطرد في اعداد الموظفين العموميين سواء بالداخل او بالبعثات الدبلوماسية بالخارج فيوجد أكثر من مليون ونصف موظف بدولة تعدادها ستة ملايين، ومع ذلك لازال الطلب على الوظيفة العامة مرتفعا جدا، ربما لكونها الوسيلة الاسهل للحصول على الدخل وربما بسبب استشراء الفساد بالمؤسسات الليبية وانعدام ضوابط الرقابة على العاملين في القطاع العام.

بالتأكيد ان الوظيفة العامة في ليبيا أصبحت  تعاني كونها الملاذ الوحيد لفرص العمل في ظل محدودية قدرة القطاع الخاص وضعف الاستثمار المباشر ومحدودية قدرة المؤسسات المالية على تمويل مشروعات جديدة تفتح آفاق جديدة، كما ان عدم توافر المقومات اللازمة لإقامة أنشطة اقتصادية صغيرة ودخول البلاد في نفق الصراع السياسي والذي عطل برامج التنمية الاقتصادية لذلك كان الباب الاسهل والأسرع للحصول علي دخل او التحايل للحصول علي أكثر من مرتب في ظل الفوضى الحادثة، ولعل ما كشفه ديوان المحاسبة ووزارة المالية عن الازدواجية في الحصول علي الرواتب أكبر دليل علي وجود مشكلة، برغم عدم التعرض لمشاكل اكثر أهمية في تقديري وهي علي سبيل المثال، المبالغة الشديدة  في مرتبات أعضاء بعض المؤسسات السيادية والعاملين بالخارج وبعض المؤسسات شبه الحكومية او المؤسسات التي لا تمول من الميزانية العامة، الامر الذي خلق شعور عام بعدم المساواة وعدم الرضي لذي الشعب وخصوصا مع قيام هذه الجهات والهيئات بمنح مزايا عينية ومالية لمنسبيها، كل ذلك أحدث فروقا كبيرة بين فئات الشعب وانعكس في  تباين المقدرة المالية بين المواطنين و لعل أكبر تأثير لزيادة حجم المرتبات العمومية بالموازنة العامة يتجلى في ازدياد مقدار العجز  العام من سنة الي اخري خصوصاً في ظل ضعف الإيرادات العامة للدولة.

المرتب أصبح هو المعول الاساسي للأسرة الليبية في سد رمقها والذي أصبحت تعاني من صعوبة الحصول عليه بسبب أزمة السيولة وايضاً تضاؤل قدرته بسبب ارتفاع مستويات الأسعار، وفِي نفس الوقت تجد ان موظفين اخرين يعملون وفقا لنفس القوانين والظروف يتحصلون علي دخل أعلي بكثير من غالبية الليبيين.

في تقديري اننا في حاجة ماسة الي اعادة رسم سياسات العمل والاجر في ليبيا، لا شك ان هناك فروقات في المهارات والقدرات الشخصية ولكن لابد ان يكون هناك إطار عام يحكم وينظم العمل العام والمرتب المتحصل منه. فمن غير المقبول ان يتحصل موظف على 500 دينار شهري في حين ان موظف اخر ربما بنفس المهارات او اقل يتحصل على أكثر من 15000 دينار شهريا بسبب انه أصبح عضو في برلمان مجلس الدولة او تحصل على فرص للعمل في إحدى السفارات بالخارج.

إذا استمر هذا الإهدار عبر زيادة التوظيف في كل سنة واستمرت هذا الفوارق الكبيرة بالدخول، فلا شك اننا نسير نحو تعميق المشكلات الاجتماعية ونزيد من قناعة المواطنين ان الوظيفة العامة ومرتبها هو حق مكتسب حتى بدون عمل او بذل اي جهد مقابل.  لا شك اننا بحاجة الي جهد كبير لتعديل هذه المسارات الغير سليمة واعادة النظر في دور الوظيفة العامة وان لا تكون مغنم من المغانم.

ستبقي محاولات الحد من ازدواج المرتبات محدودة الأثر مالم تكن مصاحبة بتوحيد مؤسسات الدولة وضبط التعيينات والتعقيدات خارج الملاك سواء بالحكومة الموقتة او حكومة الوفاق وما لم تقلص السفارات والعاملين بها وفقا لروية واحدة ومالم يتم تحويل الإنفاق العام ليركز على التنمية بدل التسيير وتوفير البني التحتية والمخططات والتي تمهد لتبني مشروعات تنموية عامة وخاصة على حد السواء.

اعتقد جازما ان أحد أصعب المشاكل هو تفاقم الإنفاق العام على المرتبات والمهايا والمكافآت والتي في تقديري تتطلب المراجعة والمعالجة الجادة ربما قبل الحديث عن تعديل سعر الصرف فما يهدر على المرتبات أكثر مما يهدر في دعم الوقود، وما ينفق على الرواتب بدون انتاج هو أكثر قسوة من حيث اضاعة الفرصة على الاقتصاد الوطني في تسخير الموارد للبناء والتنمية.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا