المعركة من المباغتة إلى حرب الاستنزاف - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

لا يساور أحداً حتمية الحسم العسكري والقضاء على القوات الغازية المرابطة على حدود طرابلس الجنوبية، ولكن لماذا تأخر ذلك الحسم؟ طرابلس في حاجة ماسة إلى إسترداد الأمن، بعد تهجير أكثر من نصف مليون ساكن أغلبهم غير مسجلين في لجان الإيواء، وتعطيل المدارس وقطع الطرق بين المدن إضافة إلى ترويع الأمنين وتعطيل العمل في الكثير من المدن الليبية وطالت الغارات حتى مخازن الكتب المدرسية ومراكز إيواء المهاجرين.

خطة الكرامة أن يتم الهجوم على العاصمة مباغتة وقلب النظام بها وإعتقال أعضاء الحكومة والرئاسي ثم وصول القيادة العسكرية لتولي شئون البلاد في ظرف إثنان وسبعون ساعة بما يشابه الإنقلاب العسكري في السودان أيام البشير أو مصر بقيادة السيسي، لم يحدث ذلك وتحولت الحرب من معركة خاطفة إلى حرب تقليدية بجبهة طويلة مملؤة بالحواجز الترابية يقف ورائها الجيش الوطني وعلى الضفة الأخرى مجموعات بالغة التسليح تابعة لكتائب حفتر.

الحرب بطبيعتها أوزان وحجوم وليس فرقعات إعلامية أو تهويل لا أساس له، من ناحية الكم جيش الوفاق يقدر بأربعة أضعاف كتائب حفتر، وأن سلاح قوات الوفاق رغم أنه أقل جودة (قبل الدعم الأخير بطائرات بدون طيار والمدرعات الحديثة والصواريخ الحرارية) إلا أنه أكثر عدداً، كما أن خطوط الإمداد القريبة جداً مقارنة بألف كيلومتر والأهم من ذلك أن معنويات من يدافع عن أهله وأرضه وعن الحرية والشرف ومبادئ ثورة السابع عشر من فبرايرعالية وسامقة والتي لا تقاس بمن جاء يقاتل من أجل المال أو الإشتراك في مسيرة، وبذلك وقع خذلان وإنحطاط نفسي كتائب حفتر بعد تلقي ضربات قاسمة، يقول أحد الاسرى: أن كتيبة الصاعقة تتكون من 250 عسكري لم يبقى منهم سوى عشرون، منهم من قتل وآخرون جرحوا والبعض فر من المعركة، ومعنوياتنا في الحضيض وأكثرنا يريد إيقاف النار باي ثمن.

تأخر الحسم له أسباب كثيرة (بعد تأجيل نصر الله) منها أن قوات الوفاق إلى الآن كانت تكتيكاتها دفاعية مع وجود إلتفاف بين الحين والآخر من أجل المحافظة على أرواح المقاتلين بجيش الوفاق، والمحافظة على الفصل بين القوات التي تساهم في تصفية الخطوط الخلفية لكتائب حفتر بالطيران، في نفس الوقت تصفية القوات المهاجمة البرية بسهولة عند إندفاعها، وهذا يعتبر إستنزاف كبير للأفراد ومعدات كتائب حفتر إلا أنه لا يربح الارض التي تقاس بها هزيمة الخصم. سبب آخر يبين لماذا جبهة قصر بن غشير وخلة الفرجان وعين زارة أكثر إشتعالا من غيرها، هو وجود الحاضنة الشعبية لقوات كانيات ترهونة، والتي تمدهم بالوقود والمؤن ويقوم شبابهم بمساعدة كتائب حفتر بتوفير دروب الهجوم والإنسحاب، في حين لا يوجد ذلك في السواني والعزيزية ولا في غريان.

إنتهاء المعركة مسالة وقت فقط، وهو أول هجوم عسكري من شرق البلاد على غربه على مدى التاريخ، وهو خطاء إستراتيجي فاضح عبر عنه أحد نواب طبرق بانهم قادمون لفك حقوقهم بالقوة، بالمثل لم يحدث أن تحركت قوة رسمية من غرب البلاد لإحتلال شرقها، وحتى قرار المؤتمر الوطني لإرجاع الحقول النفطية من جضران لم ينفذ لحساسية الموضوع رغم شرعيته.

اللاف للنظر أن الكثير من الداعمين لحفتر عسكريا وإعلاميا قد تنحوا جانباً، فالمسئول الإماراتي قرقاش يقول أن حفتر لم يشاورهم في الحرب على طرابلس، والإذاعات الفضائية الداعمة له غضت البصر عن الهزائم والأسر ووجدت في أحداث السودان مخرجاً لعدم نشر سقطات المشير، وقد نرى تقليص الدعم لتلك المحطات بعد أن أصبحت لاخير فيها لوطنها ولا لمموليها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا