باكستان.. انقلاب أبيض ودخان أسود! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

باكستان ذلك البلد الآسيوي المسلم ذو الكثافة السكانية فوق 200 مليون نسمة، كانت دائما محط تركيز من القوى العالمية التي تحاول السيطرة والتحكم في العالم، وخاصة بعد دخولها النادي النووي، حيث تحاول أمريكا باستمرار أن تكون خاضعة لسياستها أو على الأقل أن لا تتركها عرضة لتأثيرات قوى أخرى في محيطها او اقرب لها جغرافيا، وفي سبيل ذلك  تحرص أمريكا على أن تبقى حالة اللاتقارب واللاتوافق مستمرة بينها وبين جارتها الهند، وتلعب المخابرات الأمريكية والبريطانية دورا بارزا في حالة عدم الاستقرار التي تميّزت بها باكستان منذ استقلالها ويتضح ذلك من خلال التغيرات المتكررة لأنظمة الحكم فيها والتي شهدت العديد من الانقلابات العسكرية بين حين وآخر.

لقد دخلت باكستان خلال الاسابيع القليلة الماضية في دوامة صراع جديدة بين الأحزاب السياسية المتصارعة على الحكم، حيث سعت المعارضة لكسب أكبر عدد من الأصوات البرلمانية لحجب الثقة عن حكومة عمران خان، بعد أن ظهرت خلافات في ائتلافه الحاكم ، كما ظهرت أيضا خلافات وانشقاقات في حزب خان نفسه، هذا الوضع يعيد إلى الأذهان عقودا من الأزمات السياسية التي مرت بها باكستان، منذ عودة الحياة الديمقراطية عام 1988 بعد مقتل الجنرال ضياء الحق، حيث لم تتمكن أي حكومة مدنية من البقاء في الحكم المدة القانونية لها، وهي 5 سنوات،  فنواز شريف زعيم حزب الرابطة الإسلامية، لم يكمل أي فترة قانونية له في المرات الثلاث التي تولى خلالها رئاسة الوزراء، وكذلك بنازير بوتو، التي لم تكمل أي فترة من الفترتين اللتين كانت فيهما رئيسة للوزراء.

وفي يوم الأحد الموافق 9 أبريل 2022م، تم حجب الثقة عن حكومة عمران خان من قبل الجمعية الوطنية في باكستان “البرلمان”، بعدد 174 صوتا من مجموع 342 صوتا عدد أعضاء الجمعية الوطنية الباكستانية، وفي اليوم التالي تم تكليف  “شهباز شريف” وهو الأخ الأصغر لرئيس وزراء باكستان السابق نواز شريف، لرئاسة الحكومة الباكستانية الجديدة، ليصبح الرئيس رقم 23 لرئاسة الوزراء، وهو الذي سبق وأن كان رئيسا لوزراء إقليم البنجاب، وفي مقابلة الأسبوع الماضي قبل توليه الحكومة، أكد “شهباز” إن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة ضرورية لباكستان في السراء والضراء، وهذا ما يتناقض مع سياسة خان في الآونة الأخيرة مع أمريكا التي شابها الكثير من التوتر.

بالرغم أنه من أبرز أسباب حجب الثقة عن حكومة خان الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الباكستاني، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، وهبوط قيمة العملة المحلية، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي بسرعة والتي ساهمت في حدتها أزمة كورونا العالمية، إلا أنه ثمة أسباب أخرى عجّلت بسقوط حكومة خان، أبرزها الضغط الأمريكي الكبير الذي مارسته أمريكا سواء من خلال سفارتها في باكستان اومن خلال وكالة المخابرات CIA على المعارضة الباكستانية لتحريك طلب تقديم حجب الثقة في الجمعية الوطنية لحكومة خان وهو ما تم بالفعل.

ويمكن القول أن الأزمة الأوكرانية كان لها أثرا في ذلك ، خاصة إذا علمنا أن خان قد قام بزيارة للرئيس بوتين عشية غزوه لأوكرانيا وهو ما اعتبرته أمريكا مساندة ودعم باكستاني للغزو ونعلم كذلك أن العلاقات بين حكومة خان وأمريكا يشوبها بعض الخلاف مصدره تصريحات خان ضد أمريكا حول تدخلها في أفغانستان ثم تركه لقمة سائغة للفوضى بعد 20 عاما من الهيمنة عليه بالإضافة إلى خلافات أخرى في بعض القضايا السياسية العالمية، وهذا ما يدل على أن أزمة أوكرانيا بدأت تلقي بتداعياتها على باكستان مؤخرا.

بالطبيعة ستواجه حكومة شهباز تحديات جمّة، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية الصعبة وسيكون مطلوبا منه التعامل معها بشكل يضمن له الحد الأدنى من عدم انتفاض الشارع ، لكن التحدي الكبير الذي سيواجهه هو ما ستشكله المعارضة بقيادة عمران خان من ضغط قوي، خاصة وأن خان يعتبر أن إقصائه عن الحكم جاء نتيجة مؤامرة أمريكية، نفذتها وكالة المخابرات الأمريكية من خلال دعمها لقيادات برلمانية موالية للمعارضة، فهل ستنجح حكومة الانقلاب الأبيض أم أن للشارع الباكستاني رأي آخر؟ ستفصح عنه مستجدات الأيام القادمة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا