بدأ شغل عصابات المافيا - عين ليبيا

من إعداد: عبد الرحمن الشاطر

في 25- 5-2018 كتبت للمساعد الخاص للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بعد الاجتماع به رفقة المسؤولة عن الشؤون السياسية في البعثة بناء على رغبة منهما حوصلة للقائي بهما حيث ناقشنا ولمدة تجاوزت ساعة الأوضاع في ليبيا:

” ولعلكما تشاركانني الرأي أن كافة المحاولات والمساعي ظلت ولا زالت تدور حول اسماء محددة ومعدودة إما أن تتولى الحكم أو تبقي الأمور متأزمة وهذا يذكرني بأسلوب عصابات المافيا التي تستولي على كل شيئ و تقتل منافسيها. لا يمكن أن تبنى دولة بهذا الأسلوب والنهج من التفكير.”

هذه وجهة نظري و رؤيتي وقناعتي التي نقلتها لهما ولا زلت متمسكا بها . فما لم ينته أو ننهي الصراع على المناصب في شخصيات محدودة فاننا نؤسس لدولة المغالبة والغنيمة على طريقة عصابات المافيا التي تنتزع ما تريد بالتآمر والقوة الغاشمة.
المشهد الليبي يتطور بسرعة مذهلة في هذا المنحى وما استجد عليه هو اضافة الابتزاز ولي الذراع.

مجلس النواب متمسك بوجوده كشرعية وحيدة دون أن يحقق اجتماعا قانونيا صحيحا واحدا خلال اكثر من سنتين.

المؤتمر الوطني العام قاوم انتهاك العمل الديمقراطي وافشال التجربة الديمقراطية من خلال أكثر من مائتي اعتداء عليه . واقتنع بالتحول الى مجلس أعلى للدولة للمساهمة في اعادة المشهد السياسي الى طريق يفضي الى حل بالتوافق وفق نصوص الاتفاق السياسي.

المجلس الرئاسي اعتبر نفسه قيما ووصيا على الاتفاق ولم ير الأمور من حيث أن المشهد السياسي الليبي متأزم ومنفلت أمنيا وأن الوضع الهش سيؤدي الى عرقلة تطبيق الاتفاق السياسي ومن ثم سيتعرض الأقتصاد الليبي الى الاختراق السلبي ومن ثم تعطيل انسياب مجريات الحياة في الاتجاه الصحيح. و أن عليه أن يعمل على التنسيق والتشاور فيما بين الأجسام الثلاثة والا فانه يساهم في تقاقم الأوضاع السيئة. وهذا ما حصل.

هذا الثالوث الذي جمعه الاتفاق السياسي فرقته المصالح وليست الرؤى.. مصالح من سيكون له الكلمة الأخيرة واليد الطولى في تسيير الأمور. وحيث لم يتعاونوا على ايجاد رؤية أو مقاربة لمعالجة الأزمات التي تظهر كل يوم وتكبر .. فانهم فضلوا الانصراف الى اختراع أسباب ومبررات وجود كل منهم يرى أن بيده الحل وليس بأيديهم جميعا.

مجلس النواب لم يفصح عن موقفه من الاتفاق السياسي، فمرة يتعامل معه ومرات كثيرة يرفضه. وهذا الموقف المائع لا ينبغي أن يصدر عن مؤسسة تشريعية مهمتها الحفاظ على وحدة وأمن الوطن والمواطن وراحته. والاصرار عليه يعني أن هذا المجلس لم يعد له معنى لأنه غير كفؤ بمعالجة الأوضاع المتأزمة وانما يزيدها تأزما ناهيك عن انه يفتقد للشرعية التي يمنحها له الاتفاق السياسي بحكم انه لا يعترف به كمرجعية.

هذا المجلس يتصرف ليس وفق رغبة الأغلبية الساحقة من الليبيين وكذلك أغلبية أعضائه وانما وفق رغبات وتوجهات أقلية بسيطة وبسيطة جدا لا ترى الوطن بطوله وعرضه ولكنها ترى القبيلة والاقليم والمصالح الذاتية. وبالتالي فهو لم يعد مجلسا للنواب وانما مجلسا لبعض النواب!!
هذا المجلس يتنكر لنصوص الاتفاق السياسي ويتخذ قرارات بدون نصاب قانوني للتعيين في منصب سيادي باعتبار استحقاق التعيين وفق رؤيته من اختصاصه دون منازع. وعندما يفشل في التنفيذ يلتجئ الى شريكه في الاتفاق السياسي المجلس الأعلى للدولة ويطالبه بأن يكون محللآ لقراراته الأحادية.

هذا المجلس أو لنكون أكثر دقة وموضوعية هؤلاء القلة الذين يسيطرون على مجلس النواب في غياب الأغلبية (غير الفاعلة للاسف) من بقية أعضائه ينادون صراحة وبالفم المليان أن تكون الغلبة لهم والقرار قرارهم وحدهم ولا شركاء لهم لا في الوطن ولا في الاتفاق السياسي ولا في مجلس النواب.

أحداث الهلال النفطي الأخيرة وقرار قيادة عملية الكرامة بتسليم الموانئ النفطية الى حكومة اموازية غير شرعية في البيضاء . قرار جانبته الحكمة والنظرة الحصيفة لواقع البلاد. وجرّت الى اغلاق مصدر الدخل الوحيد للدولة انتاجا وتصديرا. كيف يمكن أن يتخذ قرار دون اعتبار تداعياته السلبية على الوطن والمواطن؟ كيف يدعي البعض المحافظة على قوت الشعب فاذا به يصيبه في مقتل.

المجلس الرئاسي ظهر علينا كمجموعة موظفين متناقضين لا يجمعهم الا قرار على ورق تم بموجبه تعيينهم دون أن تكون لهم رؤية أو سابق تجربة سياسية أو موقف واضح مما يحدث للوطن. فتصرفوا كموظفين وليس كسياسيين مؤتمنين على دولة تعصف بها رياح الخلافات والانفلات الأمني الذي ولد أطماعا وشجع على التصرف بأسلوب الاستحواذ على الغنيمة.

لم يفكر هذا المجلس من خلال الاعتداءات الكثيرة على المنشآت النفطية أن يؤمن سلامتها تحت سيطرته كحكومة شرعية معترفا بها دوليا وكانت تحظى في أيامها الأولى بتأييد محلي واسع سرعان ما تبدد. ظل هذا المجلس يستعين بالحكماء وشيوخ القبائل والوجهاء لفك الاعتداء على المنشأءات النفطية. موقف لا أجد كلمة لوصفه فأستعين بكلمات ضعيف..متخاذل..غير كفؤ.

نسي هذا المجلس الترتيبات الأمنية التي نص عليها الاتفاق السياسي وغرق في ترتيبات اللقاءات الدولية لحشد التأييد له!!

الآن بدأنا نسمع دعوات لحل الخلافات في شكل أوامر: نسلم الموانئ النفطية مقابل منحنا حق تعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي. يعني .. سلموا لنا دخل النفط واشتغلوا عمال عندنا. أنظروا الى أين وصلت عبقرية بعض السياسيين الذين يتحكمون في المشهد. ابتزاز أقل ما يوصف به أنه وقح.

الآن بدأنا نلاحظ تحركات مشبوهة وممنهجة بدقة لخلق قلاقل في البلد ولعل آخرها الاعتداء على منظومة الحساونة للنهر الصناعي واختطاف أربعة مهندسين أسيويين.
الآن بدأنا نسمع ببيانات املاء الشروط من مجموعة تصف نفسها بنواب (اقليم برقة) ولم يقولوا تأدبا نواب ( المنطقة الشرقية) … هذه الاستراتيجية التي تكررت عدة مرات خلال السنوات السبع الماضية و التي كنا نستقبلها بصوت العقل المتمسك بوحدة ليبيا متناسين ما حدث في مرحلة الاستقلال قد تجعلنا اليوم نفكر بل و نعمل على ضمان مستقبل اكثر استقرارا لابنائنا في مناطق الغرب و الجنوب.

الأمثلة كثيرة وهي أمثلة محزنة وبائسة ومُقرفة لأنها مستوحاة من فكر عصابات المافيا.. هم لا يريدون وطنا مستقرا يستظل بظله الجميع في حياة هانئة تشجعهم على النهوض ببلدهم بعد محنة دامت أربعة عقود همشت فيها ليبيا بالكامل ولم نرث بعد انتهاء عهدها الا سلوكيات التمرد والتعصب للرأي وحب الذات..و…أنا ومن بعدي الطوفان.. ممارسة للحرية التي منحتهم اياها ثورة فبراير التي يسعون للانقلاب عليها اليوم.

ثمن الحرية اذا اعطيت لمن لا يستحقها يكون باهظا. هذه التصرفات المافيوزية ستؤدي لا محالة الى تفكيك الدولة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا