برقة الانطلاقة وليبيا الهدف…سجَل إني فيدرالي!! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

بعد انهيار نظام القذافي لم أكن أتصور أن يحدث انحراف على ثوابت كنت ولازلت أومن بها, متمثلة في حرية الوطن وسيادته ووحدة ترابه, وكنت أتصور كذلك أن الليبيين لم ولن يفرطوا في أي من تلك الثوابت الوطنية, لذلك كانت فكرة تقسيم ليبيا إلى أقاليمها الثلاثة التي كانت عليها قبل الاستقلال مستهجنة وغير مقبولة لدي بالمطلق, وبعد مرور شهور على التغيير فاجأتنا الأخبار بدعوات بعض أهلنا في الشرق للفيدرالية وتلويحهم بأنهم سيعلنون برقة إقليما منفصلا إذا لم تستجب الحكومة لمطالبهم والتي كان على رأسها الالتفات إلى منطقتهم وعدم استمرار التهميش وسرعة تفعيل الجيش والشرطة …الخ وفعلا لما لم تلتفت الحكومة إلى مطالبهم كما يرون, أعلنوا عن إقامة إقليم برقة, حينها عارضت كغيري ذلك وكتبت مقالا بالخصوص تحت عنوان “الفيدرالية ليست حلا.. أنها انتكاسة ونكوص” انتقدت فيه أصحاب الدعوة”الفيدراليون” واتهمتهم بالسعي لتقسيم القطر, لكني أجد نفسي اليوم أتراجع عن ذلك وربما اعتذر منهم وقد أفكر في الانضمام إليهم يوما ما !!

قد يتساءل البعض لماذا هذا التغير وكيف؟! فأجيبهم بأن ما تعيشه ليبيا اليوم من فوضى وعبث وانفلات امني وسياسي وحتى أخلاقي لا يمكن السكوت عليه, ويدفع المرء إلى إعادة التفكير لأنه بدون شك يقودنا إلى الدولة الفاشلة ويدفعنا إلى هاوية المجهول. أليس صحيحا بأنه قد منحنا الوقت الكافي لتصحيح المواقف والأوضاع وخاصة فيما يتعلق ببناء الدولة المستهدفة؟! ولكن وبكل أسف لم نفلح حتى اللحظة بل أن الأمور تزداد سوء مطلع كل يوم جديد, فالأمن وسيادة القانون لم يتقدم خطوة بل يتعثر خطوات للخلف ومؤسسات الدولة الفاعلة كالجيش والشرطة لم يتم تفعيلها ولم تقدر على النهوض في وجود هذا العدد من الجماعات المسلحة التي تتكئ على مسميات مختلفة, إن هذه المجموعات التي تتشكل في ميليشيات عسكرية تحت رؤى وأهداف مختلفة ومتباينة لا يمكن الوثوق فيها وستدفع ليبيا إلى ما هو أسوأ.

أليس انهماك حكومة زيدان وقبلها حكومة الكيب في ممارسات وانحرافات إدارية ومالية كبيرة بُعثرت فيها ثروات الليبيين فاستفحل فيها الفساد واستشرى مدعاة لإعادة التفكير؟! وهل قدمت هذه الحكومة او تلك انجازا واحدا يتناسب مع حجم الإنفاق الهائل مما يضع علامات استفهام كبيرة وخطيرة؟! ضف الى ذلك أعضاء المؤتمر الوطني الذين خرجوا عن مسارهم الذي حدده الإعلان الدستوري والذي ألزمهم فقط بتشكيل الحكومة واختيار لجنة الستين ثم إعداد الدستور والاستفتاء عليه فأقحموا أنفسهم في أمور بعيدة كل البعد عن وظيفتهم المعلنة والمحددة, وثبت فشلهم في عدم قدرتهم الانحياز للوطن في أول اختبار عملي عندما ألزموا بقوة السلاح على تمرير قانون العزل السياسي!

واليوم حين يراجع المرء نفسه ويقف أمام خارطة الوطن المتشظي!! لا يجد سوى وطنا ممزقا تنهشه حكومات جهوية هنا وهناك مكونة لدويلات قزمية داخل ليبيا التي لم تعد الا إطارا وهميا!, فمن شبه إمارة في درنة إلى دويلة في مصراتة وشبه دويلة أخرى في الزنتان! الى مشاريع دويلات في الجنوب والشرق والغرب!…الخ. ان ما اتخذه بعض أهلنا في الشرق من إعلانهم برقة اقليما وخاصة اتخاذهم شعار “برقة الانطلاقة وليبيا الهدف” جدير بالاهتمام وقد يكون من الإنصاف ان يشار الى ما يفعلون بل تبنيَه لان برقة اليوم وكما كانت سابقا هي نقطة الانطلاق والارتكاز في منظومة العمل الوطني وهي بفعل أبنائها وفرت مناخا مناسبا لها لتكون مؤهلة لقيادة ليبيا والخروج بها من عتق الزجاجة. برقة التي ثارت كلها متعاضدة متعاونة ضد القذافي ولذلك لم يمر أربعة أيام من عمر الانتفاضة الا وكانت كلها خارجة على سلطته, ثم بدأت تعد للمساهمة في المعركة الكبرى من اجل ليبيا وفعلا كان ذلك فشاركت بقوة ودعمت الأهل في الغرب بالرجال والعتاد إلى ان تحقق الهدف الكبير نراها اليوم اكثر قدرة على الانطلاق نحو قيام الدولة الليبية التي ضحى من اجلها الليبيون فلا مندوحة اذا من معاضدتها ودعمها.

إني أتمثل برقة اليوم وهي جديرة بقيادة هذه المرحلة أن تعلن عن نفسها وآن الأوان لليبيين أن يساندوها ليفوتوا الفرصة عن عبث وفوضى العصابات المسلحة المؤدلج منها والغير مؤدلج في الغرب او في الشرق, حتى يكتمل بناء قوة برقة من الجيش والشرطة لتساهم من بعد في بناء البيت الليبي الكبير وهي على ذلك قادرة. أنها فرصة سانحة لليبيين أن يؤازروا أهلنا في الشرق وينطلقون معهم في رحلة مضنية تؤسس لدولة ليبيا كما يريدها الليبيون جميعا دون قيود.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا