برلين.. وما أدراك ما برلين! - عين ليبيا

من إعداد: عبد الرحمن الشاطر

عندما شُن العدوان على طرابلس في الرابع من أبريل الماضي نبهنا إلى أن سيناريو الحرب على بنغازي سيتكرر بكل مآسيه وآلامه وتأثيراته السلبية على النسيج الاجتماعي ومساعي بناء الدولة المستقرة والدخول في مراحل تهدئة لإعادة تأسيس الشرعية الحاكمة بحيث تولد من رحم الوطن وبإرادة شعبية وليست بإملاءات خارجية.

كان الاتفاق السياسي الذي وُقّع في الصخيرات عام 2015 القشّة التي تمسكنا بها ودافعنا عنها مع إدراكنا أنه لم يكن الإتفاق المتميز وإنما كان الإتفاق المتوفر والممكن حينها وأن عيوبه التي رُصدت يمكن معالجتها من خلال تطبيقه وفقا للنصوص الواردة فيه.

استلم المجلس الرئاسي وحكومته السلطة و إصدار القرارات . بالرغم من عرقلة مجلس النواب المتمثلة في عدم اعترافه بالحكومة ومن ثم تفكك المجلس الرئاسي بمقاطعة نائبين له واستقالة ثالث وانتهى الى سلطة الفرد وقرار الفرد بمعنى عدنا لحكم الفرد.

مجلس النواب ارتكب خطأ كبيرا في حق الوطن وخطأه كلّف الدولة الليبية الكثير بإصراره على التمسك بحكومة موازية وانبثاق ثنائيات في المؤسسات المالية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، بل إنه تعطّل عن العمل باستحواذ قلة من شلة رئيسه عليه وأصبح مجلسا بالإدّعاء أنه يمثل الشعب وفي الواقع معرقلا لإرادة الشعب في الاستقرار وبناء الدولة المنشودة.

المجلس الرئاسي لم يبذل الجهد على الاطلاق لاحتواء هذا التنازع وانما عمقه بتجاهل الجسمين الآخرين ومجافاة المجلس الأعلى للدولة على وجه التحديد وقد تأسسا كشرعية تشريعية بموجب الاتفاق السياسي ووافقا على تعيينه كسلطة تنفيذية يتوجب عليه الرجوع لهما بالاستشارة وأخذ الموافقة وهو ما لم يحصل أي أن المجلس الرئاسي مارس الانقلاب على السلطتين التشريعيتين بالمشاركة وهما من بصما على التعيينات ولم يتحريا أو يدققا في كفاءة وقدرة البعض منهم على تولي هذه المسؤولية الكبيرة في وقت صعب من تاريخ ليبيا.

فبمجرد أن أخرج المبعوث الأممي برناندينو ليون ورقته ليعلن الأسماء حتى أصاب الخرس الجميع ولم يحتج واحدا منهم عن أنهم لم يستشاروا في هذه التعيينات.

كان الهمُّ الذي يحدق بالوطن كبيرا وكان التفاؤل أكبر وكانت الثقة في أن من تم اختيارهم في النهاية منا وعلينا وسيقودون السفينة إلى بر الأمان، لكن السفينة وصلت إلى بر أبوستة  ومن يومها بدأت الأمور تسوء.

كان من أولويات مهام المجلس الرئاسي الترتيبات الأمنية وحصر امتلاك السلاح في الدولة وهو ما لم يحصل.

حدثت الحرب على بنغازي لأربع سنوات ومحاصرة درنة لسنتين ثم اقتحامها وتم غزو الجنوب فضلا عن التهديد شبه اليومي باقتحام العاصمة للإطاحة بالاتفاق السياسي والمؤسسات الدستورية التي نشأت بموجبه.

ولم يتصرف المجلس الرئاسي لصد هذه الاعتداءات، وكانت النتائج تدمير بنغازي ودرنة وتهجير مئات الآلاف من المواطنين فضلا عن آلاف من القتلى والجرحى ومبتوري الأطراف ونال الجنوب حصته من القتلى والمهجرين، وها هي طرابلس تواجه نفس النتائج المأساوية.

خلال السنوات الأربع الماضية تأمل المجلس الرئاسي أن يصل الى حل سياسي سلمي ينهي طوفان الدم والدمار بمعرفة وتنظيم البعثة الأممية التي أدخلتنا في متاهات ملتقيات باريس 1 و 2 وباليرمو وأبوظبي بعد أن أغلقت عنوة باب الحوار بين مجلسي الدولة والنواب ومنعتهما من التوصل الى اتفاق ينقذ البلاد ويؤسس دولة مدنية ديمقراطية  وسلمت المسألة الليبية الى عواصم أجنبية تبحث لنا عن حلول وهي التي تعرقل أي حل لا يعطيها النفوذ والتحكم والسيطرة على الدولة الليبية عن طريق عملائها من الليبيين بما تغدقه عليهم من أموال وعتاد عسكري ومساندة سياسية في المحافل الدولية وتهريج اعلامي مقزز.

كنا نتوقع أن ينفُض المجلس الرئاسي الغبار الذي غشاه ويستمع إلى الضمير الوطني الذي انطلق بالنصائح والآراء السديدة لمواجهة الحرب على العاصمة وعلى الشرعية وعلى المواطنين الذين يحكمهم.

لكنه استمع و لم يبال، التقط الاعلان عن مؤتمر برلين القادم وظل يراوح مكانه بانتظار معجزة برلين القادمة!!!.

قريبا سيدخل العدوان على طرابلس شهره التاسع ولا نعرف كُنه المولود الذي سيطل علينا سليما معافى غير مشوه أو معاق وبذلك صدقت تكهناتنا بأنها ستكون حربا طويلة عقيمة بخسائر فادحة قد تقسم الدولة، حرب تدوم لأكثر من الأربع سنوات التي دمرت فيها بنغازي.

المجلس الرئاسي لم يدرك أنه عندما تحل الأزمات على الأوطان لابد من إعادة هيكلة الحكومة وتطعيمها بعناصر جديدة هكذا تفعل كل حكومات العالم،، ولابد من تشكيل حكومة أزمة مصغرة تتفرغ للتعاطي معها،، ولابد من تكريس مقدرات الدولة لإنهائها،، ولابد للحكومة أن تنتصر على الخارجين على القانون وعلى المعتدين على الشرعية بأي ثمن.

هذا كله لم يحدث وفضّل أن يدير حربا بدون وزير للدفاع ومستشارين في الحروب والأزمات وهيئة استخبارات عالية الجودة برئيس محنك لها وتسمح للمعتدي أن يموّل حربه بطباعة عملة مزورة وتشويه شرف الجيش الوطني الذي يفترض أن يحمي الوطن فيحوّله إلى جيش مرتزقة وإرهابيين لقتل أبناء شعبه، وفضّلت أن تخرج علينا كل مرة ببيان يحمّل المجتمع الدولي كامل المسؤولية وهو صاحب المسؤولية والمسؤول والمؤتمن حصريا عن أرواح وأملاك وأمن المواطنين.

الوضع لا يبشر بخير ولا بالتفاؤل طالما أن سلطة القرار أصبحت في يد شخص واحد عودة بنا إلى الأربعة عقود ونيف من الحكم الشمولي والانفراد بالقرار، وكأنك يا بوزيد ما غزيت.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا