بعض ما يجب أن يقال عن عيسى عبد القيوم - عين ليبيا

من إعداد: السنوسي ابسيكري

متطرف مرة متطرف على الدوام، هذه نتيجة صحيحة في حالات كثيرة، وهناك استثناءات لكن عيسى عبدالقيوم ليس من بينها. راجع ماذا يقول علماء النفس في تحليل التطرف، الذي هو نزوع شخصي، قبل أن يكون لوثة فكرية، وعيسى عبدالقيوم، شديد التطرف في بداية نشاطه مطلع التسعينيات إلى درجة انحصار الحكم على الآخر عنده بين الابيض والأسود، صحيح العقيدة وفاسدها، هو اليوم متشدد في ثوب “مدني”.

عيسى اليوم مختلف في ظاهره، لكنه في الاعماق هو نفسه نسخة مطلع التسعينيات، فما يزال يتلبس بخاصية التطرف، إلا أنها تحولت من دائرة الكفر والإيمان، إلى الولاء والعداء السياسي، فعيسى لم يعد صاحب القبعة والثوب الافغاني الملوح بعصا التكفير الديني، فهو اليوم بسترة “افرنجية” وقبعة “كمالية” الذي يشهر سيف السحل السياسي، والمتمعن والمدقق في عيسى يجد الجوهر العدواني المتطرف هو ذاته، وما تغير هو الغلاف.

يتسم أصحاب النزوع المتطرف بأنهم حادون في المواقف، سريعون في التحول، ولكن يتحولون دوما إلى الطرف، وانظر إلى أراء عيسى وأحكامه، هي في الغالب في الطرف من الأحكام، لكنها تبدو غير متشددة لأنها منزوعة الغطاء الديني، بعد توبته من التكفير وما يتبعه من أحكام القتل كان حاضرا فيها.

ويعرف من رافقوا عيسى في مرحلة التشدد الديني أنه متورط في فتاوى استباحة رقاب خصومه، وتلاحق عيسى فتاواه تلك إلى يوم البعث أصحاب النزوع المتطرف براغماتيون ومزدوجو المعايير بجدارة، وعيسى عّلّم في البراغماتية لدرجة تذهل الجميع، وبمراجعة مواقفه الحادة تجاه من خالفهم، تجده انقلب مية وثمانون درجة عن كل من وصفهم بالكفر في مرحلة أولى في حياته، والتخاذل في ثانية، وتغليب المصلحة الخاصة في ثالثة.

وأنا هنا أشير إلى مسيرة ثلاث عقود تبلورت مرحلتها الأولى في مدينة بيشاور الباكستانية على الحدود الافغانية، وتحولت بدرجة واضحة في مانشستر البريطانية، لتنتهي إلى نموذج متطرف مدني في بنغازي ما بعد عملية الكرامة.

عيسى شديد الوطأة في حكمه وألفاظه ضد جبهة طرابلس وما تلبست به من أخطاء وتجاوزات، رقيق العبارة لطيف الكلام مع مكونات جبهة طبرق بمختلف أطيافها ومع جلاء انحرافاتها، وما عليك إلا أن تتابع تصريحاته وتعليقاته لتفهم ما ذهبنا إليه.

دار الافتاء في طرابلس كارثة عند عيسى، لكن إفتاء البيضاء خارج بوصلة نظره وتفكيره وأحكامه ، برغم ما صدر عنها من مواقف لا يقبلها متدين صحيح التدين ولا يمكن أن يسكت عنها “مدني” صادق في تمدنه.

هل سمعتم لعيسى تصريح ناري أو تعليق “جمري” حيال فتاوى القتل ومصادرة الاملاك والارزاق الصادرة عن قيادات دينية في الشرق خلال السنوات الأربع الماضية، هل انتفخت أوداج عيسى وتمعر وجهه من الغضب وهو يرى القتل خارج القانون ورمي الجثث على أرصفة الطرقات وفي مكبات القمامة، لالالا، الغضب مخزون للأخر في الغرب، والكلام الذي يقطر دما وسما يدَّخره لجبهة طرابلس.

ملحمة الحزن كانت طويلة تعبيرا عن أسى عيسى وسخطه على جرافات الموت القادمة من مصراتة، لكن قلب عيسى لا يخفق ولسانه لا ينطق وهو يرى جنود حفتر يقذون طرابلس بالحمم ويردفون صواريخهم بألفاظ قمة في الخسة ويتوعدون بتحويل أحياء طرابلس إلى رماد.

عيسى ولول وأطال النواح على ما وقع في سجن الرويمي في طرابلس، لكن الدمع يجف في أحداقه وفظائع سجن قرنادة يشيب لها الولدان، ولا ترتجف أوصاله وهو يرقب محمود الورفلي يسحل الأسرى بدون محاكمة وهو يتلو آيات من الذكر الحكيم، ولو أنكم تعرفتم على عيسى الحقوقي الذي لا يقبل الظلم ويدافع عن دولة القانون في بريطانيا لأدركتم مقصدي من وصفي له بالبراغماتي مزدوج المعايير. يذهلك تعقب عيسى لما يجري في المنطقة الغربية، والمتطرف يُعرف بتعلقه بالتفاصيل وعشقه للسقطات، ولأن عيسى تقمص، ضمن تقمصاته العديدة، دور المصدر المعلوماتي والقيادي الموجه، لهذا تجده بالمرصاد لكل ما يقع من كبير أو صغير في طرابلس وما حولها، لكنك لن تجد عشر ما يبذله من جهد تنقيبي رصدا للظلم والفساد والانتهاكات الخطيرة التي هي بين يديه ومن خلفه ومن فوقه وتحته في بنغازي ما جاورها.

تكشيرة عيسى مخيفة وهو يواجه “الآخر”، وابتسامته برد وسلام حيال الحليف السياسي، عبارته مسمومة مثقلة بنزعة التطرف ضد مخالفيه، لتهبط من مرتفعات العداء والكره إلى سهول الألفة والمحبة وهو يواجه الموقف نفسه والسلوك ذاته والحكم عينه في الجبهة التي ينشط فيها وينافح عنها. أخيرا وليس آخرا، لابد من القول بأن التطرف “المدني” لدى عيسى هو في بعض دوافعه ردة فعل لمحو “عيسى بيشاور”، عيسى التكفير، عيسى فتاوى استحلال الدم، فكلما نزعت بحدة إلى “المدنية” وفجرت في الخصومة بمنطلق سياسي بحت، كلما تراجعت لديك عقدة الماضي، وتنفست الصعداء في رحاب عالم التطرف السياسي المدني.

وأخيرا وآخرا، عيسى لم يرد على كلامي في مقابلة ليبيا الأحرار ولم يثبت عدم حجية مقالي بالدليل القطعي والبرهان الحاسم، بل جنح إلى ما يجنح إليه مثقف البضاعة المزجاة، وما ينزع إليه الموتور الحاقد وليس البصير الناقد المتسلح بالمعرفة والنهج العلمي، وطريقته هي محاولة الحرق، بالإصرار على أني قيادي في جماعة الإخوان، وبالتالي فإن كلامي لا قيمة له حتى لو كان حقا وصدقا، فهل تفطنتم إلى ما أشرت إليه في المقابلة وهنا من جنوح كثير من أنصار الكرامة إلى تزييف الوعي وتضليل الرأي العام حتى لا يقف على الحقائق.

ولكم الإخوة القراء وليس لعيسى أقول أقسم بالذي رفع السماوات بلا عمد وأحيى قلوبا بمخافته وأسقمى أخرى بزرع النفاق فيها أني لستُ قياديا في جماعة الإخوان، بل ولست عضوا تنظيميا فيها منذ ما يزيد عن عشر سنوات، وهذا ليس إدانة للإخوان، ولا انتقاصا منهم ولكن لي أسبابي الخاصة، وأذكر هذا اليوم لأعري هذا العابث المتفنن في الاصطياد في الماء العكر وأكشف محاولة تضليله للرأي العام.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا