بين الدين والسياسة - عين ليبيا

من إعداد: ماجد السويحلى

يتدخل السيد الدكتور مفتى الديار الليبية فى ما لا يعنيه, ويدس أنفه فى شئ لا علاقة له به، يحتل شاشات التليفزيون على نحو يومى مع شخص ( سنيد فى لغة السنيما ) يقدمه بتبجيل وإحترام ويمهد له سبيل الكلام ويطرح أمامه الاسئلة وكأنه وزير يطرح المسائل اليومية أمام حاكم عظيم فيتخذ فيها الاجراء الحاسم البات السريع. و يحتكر لنفسه تفسير الاوامر الالهية بما يوافق هواه أو غاياته. وكأنما لا يوجد فى ليبيا شخص أخر يفهم فى أمور الدين غيره ولا يكتفى بذلك بل يهدد المنتقدين له بمكاليب (يلجام ) حين يلقى الله بهم فى الدرك الاسفل من النار لمجرد أنهم عارضوا شيخ الاسلام فى بعض ما يقول وكأن من أخطأوا فى حقه أخطأوا فى حق ألله. فحق عليهم عذابه.

والمؤسف أن مولانا الامام يخرج عن مقتضيات وظيفته ويخالف القوانين التى تنظم مهنته. وأهم مادة فيها هى عدم التدخل فى الشئون السياسية. كما يفعل الان حين يصدر ندائات لتشجيع الليبيين على التسجيل فى الانتخابات والادلاء بأصواتهم لاختيار فئة معينة من سماهم الصالحين ويعلن عن رؤيته الخاصة للانتخابات ويعتبرها شهادة يراها واجبا شرعيا يأثم تاركها. ثم يمضى ليحدد لهم كيف سيكتبون الدستور.

فنحن أولا لا نريد أن نختار الصالحين بمقياس الدين بل السياسيين الاكفاء المتحررين البراجماتيين الذين يشغلهم حال الانسان وينظرون إلى النتائج وليس إلى المبادئ حتى وإن لم يكونوا صالحين بمقياسه بل حتى لو كانوا فاسقين. فالرجل الصالح سيعود صلاحه لنفسه أما إن فشل فسيعود فشله علينا. لكن الاخر إن كان كفئا منتجا فسيعود عمله علينا وسيعود فسقه عليه.

أما إعلانه أن الانتخابات بمفهومها الحالى هى شكل عصرى له أصله الاسلامى الذى يقابل أجتماع السقيفة وبيعة أبى بكر ويتسائل فى عجب عن الفرق بين المبايعة باليد والانتخاب بالبطاقة. الفرق بين الاثنين كثير، أكثر مما يتسع له فهم الشيخ. العلامة، فالبيعة هى إعلان الخضوع لشخص الحاكم وتعهد بعدم الخروج عليه وتبقى أمانة فى عنقه ملزمة له طيلة حياته لايمكن أن يخلعها مهما حدث ومهما فسق الحاكم بل يرث أبنائه العهد من بعده. وإستشهاده ببيعة أبى بكر ليس صحيحا. وقد يفاجئ الامام حين نكشف عما نعرف وحين ينقلب دليله عليه.

يقول إبن عبد البر( تخلف عن بيعة أبي بكر. علي والعباس والزبير وسعد بن عبادة، فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حيث بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليُخرجهم ، وقال له: إن أبوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت: يا ابن الخطاب أجئت لتحرق علينا دارنا قال نعم…….) ثم إقتادهم عمر مهانين مرغمين ليقدموا بيعتهم مكرهينن، ويمكن لمن يريد أن يتستكمل بقية الرواية فى المرجع التالى. (إبن عبد ربه – العقد الفريد 2/ 205 ط المطبعة الأزهرية ، سنة 1321هجرية) وإن لم يقبل الشيخ بهذا المرجع نستطيع أن نمده بعشرات المراجع الاخرى كالبلازرى والذهبى وإبن قتيبة. وأخرين لا يتصور تواطئهم على الكذب.

أما سعد بن عبادة زعيم الخزرج فلم يبايع وخرج من السقيفة مهانا وبقى منبوذا طيلة خلافة أبى بكر ثم هاجر إلى الشام فى أول خلافة عمر, فلم يتركوه لحاله بل أرسلوا إليه من أرداه بسهم ثم زعموا أن الجن هى من قتلته وأذاعوا على لسانها شعرا ( إبن سعد. الطبقات الكبرى, سعد بن عبادة )

وإليك عن البيعة مثلا أخرا.

قرر الخليفة الاموى عبد الملك بن مروان, أخذ البيعة لابنية, سليمان ثم الوليد لتولى الخلافة من بعده.

أمرواليه على المدينة, هشام بن إسماعيل, أن يبدأ بسعيد بن المسيب أعظم علماء المدينة شأنا فى ذلك الحين, سلت هشام السيف على رقبته وقال له تبايع على إنك قن (عبد) لأمير المؤمنين, إن شاء أمسك, وان شاء أعتق، قال سعيد لا أبايع لا حرا ولا عبداـ فربطه تحت الشمس كل ساعات النهار ثم ألبسه المسوح وطوف به أرجاء المدينة والصبية تهتف من حوله هذا يوم العار ( كتاب شيخ الازهر الدكتور عبد الحليم محمود عن سعيد بن المسيب )

اما الانتخابات فليست شهادة إنها شيئ أخر, وهى نتاج لنظام ديمقراطى ليبرالى – يقوم على إختيار حر بين مجموعة مختلفة من البشر ومن الاراء وهى ثمرة الفكر والفلسفة الغربية ولا أثر يشابهها فى التاريخ الاسلامى أو فى الاديان الاخرى، ولا مساهمة من علماء المسلمين فيها.

وبرغم أن الامام يعمل فى دولة ديمقراطية فإنه يكشف دون حرج عن رفضه للديمقراطية وحق المواطن فى إختيار من يحكمه, وسبب الرفض كما قاله فى إحدى الصحف (لان الشعوب تنخدع بمعسول القول) أى انها ساذجة ومغفلة، لكنه لا يرى عيبا ولا تناقضا فى أن يدعو الناس إليها الان، ولمرة واحدة. لان السبيل الوحيد للقضاء على الديمقراطية، هو المشاركة فيها بالشكل الذى يمكنه من السيطرة على مقاليد الحكم بأكبر عدد ممكن من الصالحين الذين سيفوزون بعضوية المجلس الانتقالى الجديد. وسيكتبون الدستور الجديد للدولة الجديدة وأول مواده ليبيا دولة دينها الاسلام والشريعة الاسلامية هى المصدر الوحيد للتشريع وكل قانون يخالف الشريعة الاسلامية هو قانون باطل. فإذا ما تحقق له ما يريد. فعلينا أن نضع بعدها الفكر الديمقراطى والاختيار الحر فى سلة الماضى ثم ندعو ألله ألا يعيد المعاصى.

وفى زمن الحرية والتحرر تطرح الافكار كلها بدرجة متساوية ومن حق شيخ الاسلام أن يطرح ما يعن له من رأى, ومن حقه أن ينتقد أراء الاخرين. لكن بصفته مواطنا عادىا يتساوى مع الجميع فى الحقوق والواجبات. وليس له أن يستغل وظيفته لانه يخالف القانون الذى ينظم سلطاته. والتى يمنعه من التدخل فى السياسة, والانتخابات عمل من أعمال السياسة, وإن شاء العمل بالسياسة فعليه الاستقالة من وظيفته ثم تكوين حزب خاص به أو الانضمام إلى الحزب الذى يوافق مبادئه.

والاحراح الذى يواجهه الامام لو كان صادقا مع نفسه هوأن جميع الاحزاب وجميع المرشحين يؤمنون بالاسلام وبالشريعة, برغم أنهم ينظرون إليها من نواحى مختلفة لكنها لا تخرج بهم عن إطار الاسلام فلا يستطيع مولانا الامام أن يحكم بكفرهم ولذلك فهو ملزم بألا ينحاز لمسلم دون الاخر, وإلا فليحكم بكفر الجميع ويحدد لنا الفئة الناجية ويريحنا من هم الاختيار. كما يمكنه أن يفتى بتكفير أمير الكويت الذى يرفض أن يحكم بما أنزل الله حين رفض طلب مجلس الامة الكويتى بتعديل المادة 79 من الدستور الكويتى لتكون الشريعة الاسلامية هى المصدر الوحيد للتشريع والقوانين, عملا بقوله تعالى ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. المائدة 44 ) وبودى لو إستطاع أن يقرأ وثيقة الازهر.

ويدلى برأيه فيها ثم له أن يقرر لنا فى شأنها ما يشاء فنصحنا واجب عليه وربما إتسعت دائرة الكافرين وإستلزم الامر كثيرا من فرمان الحرمان وصكوك الغفران. وقررنا بنائا علي نصيحته. مغادرة زماننا الحالى والعودة إلى القرن الخامس عشر لنعيش مع السلف فى ظلام القرون الوسطى حين كانت الكنيسة وبطاركتها يفعلون بالناس ما يحاول أئمة هذا الزمان أن يفعلوه الان بنا.

وسنناقش هنا وضع قنوات الاتصال الجماهيرى من ناحية مهنية بحتة. فحين تمكنه القناة الوطنية من إحتلال الشاشة بالمساحة الزمنية الى يريدها دون أن يتناوب على البرنامج شيوخ وعلماء أخرون و دون أن يكون هناك فكر مقابل للرد عليه وحين تقدم شيخا أخرا يقدم برنامجا دينيا فى إذاعة محلية FM 90. 30

يخصص بكامله للهجوم على الديمقراطية وتسفيه فكرها. ويستقبل إتصالات معدة مسبقا من مستمعين معينن للحديث عن مسالب الديمقراطية وبذور فسادها. فإن مؤسسة الدولة الاعلامية تكون قد فقد حياديتها وخالفت النظام العام للدولة وعملت على تسفيهه. وخالفت لائحة الدعاية الانتخابية للمرشحين والكيانات السياسية وسأقتبس جزئا من المادة الخامسة منها (يجب أن تتم التغطية الاعلامية فى وسائل الاعلام الرسمى على أساس الحيادية والنزاهة وعدم الانحياز ……)

أود أن أقول لمن يملك ملف الاعلام فى هذا البلد أن مؤسسات الدولة ملك لليبين جميعا لا ينبغى أن يستأثر بها شخص واحد أو رأى واحد يملك ناصية الكلام والظهور فيها على نحو مستمر. ولا ينبغى لشيخ مهما كان علو مركزه أن يقوم على محطات الدولة بتسفيه النظام الديمقراطى الذى أقرته والذى تمكن بفضله من الوقوف أمام الميكروفون.

أما مولانا المبجل شيخ الاسلام فأود أن أقول له إن الليبراليين والعلمانين مسلمون مثل غيرهم, وما كان له أن يتسرع بإتهامهم بالكفر دون أن يقرأ عن الليبرالية أو العلمانية حرفا واحدا. و النظام الديمقراطى وبرغم كل ما فيه من أخطاء فأنه النظام الوحيد للحكم، ولا علاقة له بالدين. لذلك دع السياسة لاهل السياسة, فقد قالوا قديما السياسة خساسة. وأنا أجلك عن هذا الامر. ولنعمل بقول المسيح إعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله. أسلك طريق الله ياسيدى فسيقودك إلى حيت يحب ويرضى ودع غيرك يسلك طريق قيصر الملئ بالمدنس والموصوم بالخطيئة.

للتواصل مع الكاتب:

magedswehli@gmail.com



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا