ترتيبات الحكم المؤقت في البيئات الهشة وما بعد النزاع.. لمن لا يعلم - عين ليبيا
من إعداد: أ. محمد البكوش
تقديم:
تُعد ترتيبات الحكم المؤقت إحدى الآليات الرئيسية التي يلجأ إليها المجتمع الدولي لمعالجة الأزمات السياسية الحادة التي تضرب الدول الخارجة من نزاع أو تعاني من هشاشة مزمنة في مؤسساتها، وهي تُصمم كجسرٍ مرحلي يتيح الانتقال نحو نظام ديمقراطي أكثر استقراراً، من خلال تشكيل حكومة انتقالية تتولى إدارة شؤون الدولة إلى حين الوصول إلى تسوية شاملة تُفضي إلى بناء دولة القانون والمؤسسات.
أولاً: تعريف وتركيبة ترتيبات الحكم المؤقت
الحكومة الانتقالية هي الكيان التنفيذي – وأحياناً التشريعي – المؤقت الذي يتولى السلطة خلال المرحلة الانتقالية، غالباً عقب تعليق العمل بالدستور أو في غيابه التام، بهدف تنفيذ الإصلاحات الضرورية، إعادة تأسيس النظام الدستوري، والتحضير لمرحلة ما بعد النزاع. وتُعتبر هذه الترتيبات شديدة الحساسية ومهددة بالانهيار إذا لم تُراعَ فيها التوازنات الدقيقة والواقعية.
ثانياً: الغاية من ترتيبات الحكم المؤقت
إن الهدف من هذه الترتيبات ليس إنشاء نظام دائم، بل إعداد البيئة اللازمة لنشوء نظام سياسي أكثر تمثيلية واستقراراً. لذا، يتوجب على مصمميها أن يتفادوا تضخيم التوقعات الشعبية أو تحميل الترتيبات أكثر مما تحتمل، وهو ما قد يؤدي إلى فشلها.
ثالثاً: العناصر الأساسية للترتيبات:
رابعاً: المسارات الأربعة لأي انتقال سياسي:
خامساً: التحديات البنيوية:
سادساً: العقبات العملية:
سابعاً: مقترحات لمعالجة العقبات:
ثامناً: من أجل انتقال ديمقراطي ناجح في ليبيا
لا يمكن تحقيق الانتقال في ليبيا إلا عبر عقد مؤتمر وطني شامل يضم كافة النخب السياسية والمجتمعية دون إقصاء. يتولى هذا المؤتمر:
ومن رحم هذا المؤتمر تُولد مسودة الدستور، وتُحال إلى الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا لضمان عدم تعارضها مع مخرجات الحوار الوطني، ثم تُعرض على الشعب للاستفتاء. وتُنفّذ خريطة الطريق للانتقال السلمي للسلطة وفق ما ينص عليه الدستور الجديد.
تاسعاً: ليبيا كنموذج تطبيقي لترتيبات الحكم المؤقت
تُعد الحالة الليبية واحدة من أبرز النماذج المعقدة لترتيبات الحكم المؤقت التي فُرضت في بيئة هشة عقب انهيار النظام السابق في 2011. فقد شهدت ليبيا، منذ إسقاط نظام القذافي، سلسلة من التجارب الانتقالية التي لم تنجح في إرساء قواعد واضحة لبناء دولة مستقرة، فقد تولى المجلس الوطني الانتقالي السلطة عقب الثورة، ثم جرى انتخاب المؤتمر الوطني العام، تلاه مجلس النواب، وفي خضم الانقسامات السياسية والصراعات المسلحة، تم التوصل إلى اتفاق الصخيرات في 2015 برعاية الأمم المتحدة.
غير أن هذا الاتفاق، الذي أسس لحكومة الوفاق الوطني، لم يحظَ بقبول جميع الأطراف، ما أدى إلى ظهور حكومات موازية ودويلات محلية، وانهيار متواصل لمسار بناء الدولة. وفي 2021، ظهرت حكومة الوحدة الوطنية ضمن ترتيبات جديدة لم تلبث أن انهارت بدورها بسبب فشل إجراء الانتخابات وتعنت الأطراف المتصارعة. تُظهر التجربة الليبية كيف أن غياب آلية شاملة للحوار الوطني، وضعف الترتيبات الأمنية والدستورية، وغياب التوزيع العادل للموارد، وعدم وجود جدول زمني واقعي، كلها عوامل قادت إلى تعثر دائم في مسار الانتقال السياسي.
تؤكد ليبيا أن مجرد التوصل إلى ترتيبات مؤقتة برعاية المجتمع الدولي لا يكفي، ما لم تكن تلك الترتيبات متجذرة في الواقع المحلي وتستند إلى عملية حوار وطني شاملة ومُلزمة.
عاشراً: تجارب مقارنة – نماذج للنجاح والإخفاق
لمعرفة مدى تنوع نتائج ترتيبات الحكم المؤقت، يمكن الرجوع إلى تجارب عدد من الدول:
تُبرز هذه النماذج أن نجاح المرحلة الانتقالية مرهون بوجود نخب سياسية مسؤولة، ودعم دولي متوازن، ومؤسسات قادرة على الصمود، وإطار قانوني واضح يضمن عدم العودة إلى العنف.
الخاتمة:
إن هذه الورقة تهدف إلى تبيان أن ترتيبات الحكم المؤقت ليست هدفاً في ذاتها، بل وسيلة لتحقيق التحول الديمقراطي المنشود. وعلى أي حكومة انتقالية في بلادنا أن تستوعب هذه الدروس، وتعمل تحت إشراف ودعم بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على بناء مؤسسات ديمقراطية تمثل الشعب الليبي بكل مكوناته. ولا سبيل إلى ذلك دون حوار وطني شامل، يضع أسس النظام السياسي والانتخابي، وشروط تقلد المناصب، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وصولاً إلى دستور دائم يحظى بتوافق وطني واسع ويستفتى عليه، ليُؤسس من خلاله عهد الاستقرار والمواطنة والديمقراطية.
وفق الله الجميع لما فيه خير البلاد والعباد.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا