تقرير: واشنطن تُعطي أولوية في ليبيا لمواجهة «فاغنر» - عين ليبيا

نشر المجلس الأطلسي للأبحاث والدراسات تقريرا للباحث عماد الدين بادي، تناول من خلاله السيناريوهات المحتملة لمواجهة وجود مرتزقة “فاغنر” الروسية في إفريقيا.

ووفقاً للكاتب، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستحتاج إلى إعطاء الأولوية لتحقيق الاستقرار في ليبيا، من أجل مواجهة وجود مرتزقة “فاغنر” في القارة السمراء.

ويُشير التقرير إلى أن الحرب في أوكرانيا جعلت رجل الأعمال الروسي “يفغيني بريغوزين” المعروف بـ”طباخ بوتين” ومجموعة “فاغنر” التابعة له في المقدمة، حيث تركز الولايات المتحدة الآن على مواجهة وجودهم خارج أوكرانيا، لا سيما في إفريقيا.

واشنطن تُعطي أولوية للساحة الليبية

ووفقاً للتقرير، فإن إحدى الساحات التي تعطيها واشنطن الآن الأولوية كجزء من هذا الجهد الحثيث هي ليبيا، حيث يتم إسقاط نفوذ روسيا بشكل أساسي من خلال مرتزقة “فاغنر” التي تعمل كأداة السياسة الخارجية الخفية للكرملين لأكثر من 3 سنوات، مما أدى إلى توسيع نطاق وجودها بشكل كبير في البلاد بعد دعم خليفة حفتر في هجومه الفاشل للاستيلاء على طرابلس والإطاحة بحكومة ليبيا المعترف بها من الأمم المتحدة في عام 2019.

ويلفت الكاتب إلى أن قمع نفوذ “فاغنر” في ليبيا سيكون تحديًا، حيث يجب على الولايات المتحدة معالجة الحقائق الليبية وتوحيد أوروبا والقوى الإقليمية لدعم مسعى سياستها الخارجية.

وكانت أنشطة مجموعة “فاغنر” في ليبيا متعددة الأوجه، بما في ذلك العمليات العسكرية، وصيانة المعدات العسكرية، والخدمات الاستشارية السياسية، وعمليات التضليل والتأثير على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد هجوم حفتر الفاشل في عام 2019، نمت صورة “فاغنر” بشكل كبير، مع تحول المجموعة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الروسية.

ومنذ وقف إطلاق النار في أكتوبر 2020، تُحصَّن مرتزقة فاغنر في جنوب وشرق ليبيا، واستولت على القواعد الجوية العسكرية وعسكرت بالقرب من حقول النفط والبنية التحتية للموارد الطبيعية، وترافق هذا التطور مع الحصار الذي فرضه حفتر وجيشه على صادرات النفط، ولقد خدم الحصار الأخير الذي فرضه حفتر من جانب واحد خلال النصف الأول من عام 2022 المصالح الجيوسياسية الروسية وأضر بمصالح الولايات المتحدة من خلال خنق إمدادات النفط إلى أوروبا وتفاقم التضخم العالمي.

وأشار الكاتب إلى أن التحدي المباشر للنفوذ الروسي في ليبيا صعب على الولايات المتحدة، ويُعزز موقع “فاغنر” أهداف روسيا مع الحفاظ على وجود المجموعة، وأن الهجوم العسكري لإزالة “فاغنر”، وهو احتمال غير مرجح بالفعل، هو أقل جاذبية، حيث يمكن أن تُصبح البنية التحتية النفطية الحيوية أضرارًا جانبية للهجوم العسكري، وعلاوة على ذلك، فإن قرب روسيا من المنشآت النفطية يسمح لها بإبراز الرواية القائلة بأن المجموعة يمكن أن تُهدد بشكل مستقل إمدادات النفط الأوروبية، في حين أن هذا السيناريو غير مرجح، فقد ساهم التهديد المتصور في التسامح الأوروبي السلبي مع وجود “فاغنر” في شرق وجنوب ليبيا، على المستوى الخاص، عقلنة دول الاتحاد الأوروبي هذا التقاعس باعتباره براغماتية، حيث يُنظر إلى الوجود الروسي، إلى جانب البصمة التركية في غرب ليبيا، على أنهما يحافظان على السلام في ليبيا.

وأُهِملت في عملية التفكير حقيقة أن “فاغنر” في ليبيا ليست مجرد قوة ممسكة ثابتة وغير ممولة، بل هي عقدة نفوذ مركزية مكنت من الناحية اللوجستية من تضخيم النفوذ الروسي في بوركينا فاسو وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومالي، والسودان – كل ذلك أثناء دعم السيطرة للقوات التابعة لحفتر على جنوب وشرق ليبيا.

ومع ذلك، فإن استعداد “فاغنر” القتالي وفائدته بالنسبة لقوات حفتر، والتهديد الذي يمثله لليبيا والمنطقة سوف ينخفض إذا تضاءل التمويل والقدرة على تعبئة الموارد، وقد يصبح الحفاظ على وجود “فاغنر” كقوة قابضة يمثل تحديًا متزايدًا للكرملين الذي يعاني من ضائقة مالية معاقبة بمرور الوقت، ومع ذلك، حتى الآن، لا يمثل هذا العائق المالي مشكلة لروسيا، ويرجع ذلك إلى الرقابة المحدودة على عملية تخصيص رواتب قوات حفتر، ويُعتقد على نطاق واسع أن وجود مرتزقة “فاغنر” في ليبيا قد تم تمويله من خلال التحويلات الشهرية لمبالغ مقطوعة من عائدات النفط إلى حفتر من قِبل مصرف ليبيا المركزي، ويحتاج هذا إلى التغيير إذا كان لا بد من تحدي سيطرة “فاغنر” في ليبيا.

يجب على الولاياات المتحدة مواجهة المشاكل في خزائن الدولة الليبية

ولمعالجة هذا الأمر، يرى الكاتب أنه يجب على الولايات المتحدة أيضًا مواجهة المشاكل في خزائن الدولة الليبية، حيث أنه منذ عام 2016 ، عزز حفتر سيطرته على فرع شرق انفصالي من مصرف ليبيا المركزي لاستيراد ما يزيد عن 10 مليارات دينار مزور مطبوعة في روسيا، وتراكم فرع البنك المركزي الليبي ذاته أكثر من 23 مليار دولار من الديون من خلال مخطط هرمي لمبيعات السندات، وذهبت العملة الروسية الموازية والديون المتراكمة جزئيًا لتمويل جيش حفتر، لكنها خدمت أيضًا كرافعة على حفتر من قبل رعاته الأجانب، وصدرت خطابات اعتماد لتغطية الواردات العسكرية لحفتر واستبدلت العملة المزيفة بالدولار في السوق السوداء لتغطية نفقات حفتر الخارجية.

وفي هذا السياق، فإن اعتماد حفتر على الأوراق النقدية الروسية وفاتورته الروسية التي لم يتم تحديد حجمها بعد هو نفوذ تمتلكه موسكو عليه وعلى مستقبل ليبيا، ولا تزال احتمالية استخدام آليات التمويل المستقلة لحفتر مرة أخرى قائمة، لا سيما إذا تم فحص مدفوعات مصرف ليبيا المركزي الشهرية لقوات حفتر، وهذا يجعل التفاوض بشأن فصل قوات حفتر عن روسيا ليس مجرد مسألة عسكرية، بل مسألة سياسية واقتصادية لواشنطن.

ومع ذلك، فإن تركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة على مواجهة “فاغنر” قد استجاب له أصحاب المصلحة الليبيون، الذين يسعون إلى إبعاد أنفسهم علنًا عن روسيا للحصول على دعم دولي أكبر، وكان الدبيبة وحكومته المتمركزة في طرابلس أول من وضع بشكل لا لُبس فيه حكومة الوحدة الوطنية على أنها مناهضة لروسيا بشدة، على الرغم من محاولات موسكو تنويع اتصالاتها في غرب ليبيا.

كما سعى رئيس الحكومة الليبية المُكلف من مجلس النوّاب فتحي باشاغا، إلى النأي بنفسه عن موسكو، كما أشارت مصادر إلى الكاتب أنه حتى حفتر يفكر الآن في اتخاذ خطوات للنأي بنفسه عن المجموعة، لا سيما بعد تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية لمجموعة “فاغنر” كمنظمة عابرة للحدود للجريمة المنظمة في يناير 2023.

يجب على واشنطن إصلاح سياستها تجاه ليبيا

للاستفادة من هذا الزخم المتنامي، يُشير التقرير إلى أنه يجب على الولايات المتحدة إصلاح سياستها تجاه ليبيا، فإن المشاركة المتزايدة لواشنطن هي رد فعل وتنبع من الضرورة الجيوسياسية، وتريد الولايات المتحدة إعادة تأكيد موقفها على طول الجناح الجنوبي لحلف الناتو حيث أصبح الوجود الروسي في ليبيا والساحل يُشكل تهديدًا، وتتفاقم الحاجة الملحة من خلال تصورات التهديد التي تفسر الوجود الروسي في ليبيا على أنه موجه نحو تعزيز الانتشار العملياتي في العمق الإفريقي، فضلاً عن تأمين ميناء للمياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، وعند النظر إليها بالاقتران مع التهديد بتعطيل أسواق النفط بفعل روسيا، هناك اتفاق أمريكي كبير من الحزبين على أهمية تخفيف التهديد الروسي في ليبيا، وكانت زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى ليبيا في يناير، والتي تضمنت اجتماعات مع الدبيبة وحفتر، تهدف إلى توسيع نطاق رغبة أصحاب المصلحة هؤلاء في إبعاد أنفسهم عن “فاغنر”.

ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تُدرك أن الجهود المبذولة لمواجهة “فاغنر” لا يمكن فصلها عن حل المأزق السياسي في ليبيا، وتحاول الولايات المتحدة حاليًا استئناف المحادثات الاقتصادية حول ليبيا، وكل ذلك مع تعزيز الجهود المتعددة الأطراف بين أصحاب المصلحة الأوروبيين، وكذلك أنقرة وأبوظبي والقاهرة والدوحة، وتم عقد اجتماع بشأن ليبيا، والذي أسس تنسيق الحوار هذا بين تلك العواصم، في واشنطن في 22 فبراير، ومع ذلك، فإن صياغة إجماع دولي بين أصحاب المصلحة هؤلاء سيتطلب متابعة أمريكية أكثر قوة وإجماعًا عبر الأطلسي على التغيير في ليبيا، ويمكن أن يُؤدي تدخل الولايات المتحدة في المسار الاقتصادي، إلى جانب التدقيق في الأموال التي صرفها مصرف ليبيا المركزي، إلى حرمان “فاغنر” في ليبيا من تمويلها، ولن يقتصر ذلك على تحدي البصمة العسكرية لمجموعة “فاغنر” في إفريقيا بل يمكن أن يدعم أيضًا انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة قبل الانتخابات الليبية المخطط لها.

وبناءً على ذلك، تحتاج واشنطن إلى بذل جهد إضافي من خلال التركيز على عزل ليبيا عن التدخل الأجنبي لدعم التطبيق المتعدد الأطراف لخارطة طريق للأمم المتحدة تعمل على استقرار البلاد.

ويختتم الكاتب تقريره بالقول إن الجهود الأمريكية لحل المأزق السياسي في ليبيا ستواجه العديد من التحديات، حيث من المرجح أن تُعرقل روسيا جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة باستخدام حق النقض داخل مجلس الأمن، وحتى إذا تم تمرير قرار مصحح من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ينبغي النظر في آليات بديلة من أجل ترسيخ جهود الأمم المتحدة الوليدة لصنع السلام بشكل أفضل تحت إشراف الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي، وهذا ممكن فقط إذا طورت الولايات المتحدة سياستها تجاه ليبيا بشكل أكثر جوهرية ووضع نفسها كحكم يستفيد من الإكراه والحوافز للتأثير على الحلفاء والشركاء في المنطقة لاتباع قيادتها (تحت رعاية الأمم المتحدة)، وفي غياب مثل هذا الجهد، ستنجو روسيا ببساطة من العاصفة الحالية، وستترك ليبيا مفتوحة لنفس التعددية القطبية وانتهازية المعاملات التي حدث من انتقالها، والتي ازدهرت فيها موسكو، من بين كثيرين.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا