تكهنات للحل السياسي في ليبيا - عين ليبيا

من إعداد: أ.د. فتحي أبوزخار

 

 

تكهنات للحل السياسي في ليبيا

توجد مراكز بحثية متخصصة في علم التنبؤات المستقبلية والتي تعتمد أساسا على القراءة الصحيحة والمتأنية للواقع وللتجارب الانسانية لتنطلق بتكهناتها للمستقبل. وفي مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية أتيحت للكاتب، كباحث، فرصة نقاش مستقبل ليبيا السياسي.

الواقع السياسي الليبي:

قبل أن نباشر بقراءة الواقع السياسي في ليبيا قد نحتاج للرجوع إلى الخلف وتحديدا  مع بدايات انتفاضة 2011 التي بدأت سلمية وانتهت بتدخلات حربية بعد أن طلب الليبيون التدخل الدولي لحظر الطيران في ليبيا.  ولا ينكر أحد أنه وبعد قرار مجلس الأمن في 17 مارس بدأت العمليات العسكرية في 19 مارس من جانب بريطانيا وأمريكا بإطلاق 110 صواريخ توماهوك. ثم وبعد اجتماع لدول من الأمم المتحدة بباريس تقدمت فرنسا ومعها بريطانيا بتوجيه ضربات للسلاح الليبي الذي تحت سلطة معمر القذافي.

من حق الليبيين اليوم التساؤل لماذا عندما خرج المصريون وطالبوا برحيل السيد رئيس الجمهورية حسني مبارك، وهو أبن المؤسسة العسكرية المصرية القوية ولم يستمر في أوامره بالنزول إلى الساحات وقمع المدنيين بعد ثمانية عشر يوما من المظاهرات ، بل بدأ ينسحب بهدوء في 11 فبراير 2011 ؟ في المقابل تعنت معمر القذافي، الذي لم يملك جيشاً منظماً وقوياً مثل مصر أو تونس، وأمر الكتائب الأمنية والمتطوعين من اللجان الثورية بأن تعيث في ليبيا فسادا بالقتل والتدمير وانتهاك الأعراض!!! لماذا؟

المشروع الفرنسي:

إذن هذا التساؤل يقودنا إلى أن تصدر فرنسا للمشهد الحربي في بدايات انتفاضة 2011 لم يكن بدافع مساعدة الليبين/ات على التغيير بقدر ما هو محاولة الركض والتسابق مع المجتمع الدولي على بسط السيطرة في ليبيا مراعاةً لمصالحها. لذلك حاولت الجلوس على مقود مصير ليبيا وشكلت مع الأمارات والسعودية، التحقت بعد ذلك مصر بعد أن خرجت من عباءة قطر، واستأثرت بالشرق لتزاحم بريطانيا ووطدت مكانتها بالجنوب مع الحلفاء القدامى ولمراقبة الهجرة غير الشرعية وتهريب السلاح لأوروبا واستقرار مناطق نفوذها ولو تطلب الأمر مد الموالين لها بالسلاح!

جميع الدول المتدخلة حاولت أن يكون لها أذرع مسلحة فكانت حصة تركيا وقطر أغلب الثوار تتضمن بعض الإسلاميين تسرب بينهم المتشددين. وكتيبة الصاعقة وبعض وحدات من الكتائب الأمنية والمرتزقة إضافة إلى المداخلة، الموالية للسعودية،شكلت ما يسمى بالجيش العربي! الليبي!!! والذي لم يتجاوز حدود الشرق بالرغم من جميع التهديدات بدخول طرابلس بعد محاولات لعقد صفقة مع بقايا فلول النظام السابق والذي تشكل بما يعرف بجيش القبائل!!! والذي عقدت معه صفقة للخروج من المنطقة الغربية، وربما ليلتحق بعضهم بجيش حفتر ، وتحديدا ورشفانه ليفتح الطريق الساحلي ويكون تحت إمرة أسامه الجويلي!.

الأمم المتحدة وايطاليا:

بالتأكيد للأمم المتحدة دورا لا يستهان به فيما يحصل في ليبيا وربما تبادلت دول مجلس الأمن الأدوار حول السيطرة على ليبيا لتنتهي بانتصار ايطاليا لتؤمن مصادر الغاز الرخيصة وتأمين 25% من صادرات النفط الليبية وتجديد علاقتها مع حلفاء الماضي. فكان اتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة والذي اعطى لإيطاليا شرف تمكين السيد فائز السراج الدخول لطرابلس معتمدةً على ذاكراتها التاريخية وعلى الترتيبات الأمنية الصارمة التي استبعدت من خالفها في الرأي!!! بل سمحت لاستخدام اعنف ضده. الواضح أنه لم يتمكن السيد السراج، بالرغم من الجهود التي بذلت لإقناع المجموعات المسلحة بالتوافق على تأمين بطرابلس ودخوله إليها والتعاون بشأن تأمينها، في تخفيف أزمة المواطنين/ات.

ماذا حصل وما هو الحل؟

مشروع عودة العسكر الذي تبنته فرنسا بأذرع مصرية وسعودية وإماراتية لم ينجح ولم يتجاوز حدود الشرق، ومحاولتها في السيطرة على الجنوب لم تنجح واستمرت أرض رخوة لم تمنع تهريب السلاح والبشر فلا يمكن الوقوف عليها. مشروع حفتر دموي لا يمكن أن يكون حلا وهو مختزلا في شخص لن يعمر طويلاً وربما إشارة مرضه واختفاءه لحوالي أسبوعين علامة دالة وواضحة لمن يريد أن يتعظ! فالمشروع العسكري منتهي لا محالة، وتظل تجربة فرنسا الحديثة للديمقراطية بنكهة عسكرية.

مشروع اتفاق الصخيرات الذي دعمته الأمم المتحدة وتصدرته ايطاليا لم يكن موفقا بعد اختيار السيد السراج لتشكيل حكومة ترفع الأزمة عن كاهل المواطن/نة   الليبي/ة ولو لم يكن مصادق عليها من البرلمان! النتائج أثبتت بأنه كعادتها تستعجل إيطاليا بالنتائج فتلهفها لحصد نتائج الصفقات التجارية وغياب سياسة النفس الطويل في بناء استقرار ليبيا سيخرجها من حلبة الصراع الدولي للجولة الثانية بعد أن فقدت سيطرتها على ليبيا في الجولة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية.

نستطيع أن نقرأ مما تقدم بأن العالم اللاتيني، فرنسا أيطاليا، الكاثوليكي لم ينجح في فرض سيطرته على ليبيا وإيجاد حل سواءٌ بالعودة للنظام العسكري أو باتفاق الصخيرات السياسي .. إذن الواضح أنه آن الأوان ليطرح من داخل ليبيا مشروع مدني يدعمه  المجتمع الأنجلوسكسوني، بريطانيا أمريكا، البروتستانتي الذي عاش تجربة ديمقراطية عريقة جعلت من المجتمع المدني شريك للدولة، المنزعج من التواجد الصيني بأفريقيا، وبما يتوافق مع رؤية الأمم المتحدة التي باتت مقتنعة بضرورة تعديل الاتفاق وبأهمية طرح بدائل بعد أن صرح السيد غسان سلامة بالمؤتمر الجامع والدعوة لانتخابات.

فرص الحل!

قد يلقى المشروع المدني الحظ الأوفر عندما يطرح حلول عملية تقتضي تشكيل حكومة، بمشروع، خارج المجلس الرئاسي وبما لا يتجاوز عشرة حقائب وزارية. وهذا يتطلب تقليص صلاحيات رئيس المجلس الرئاسي بحيث تصبح شرفية أكثر منها تنفيذية، وكذلك أعضاء مجلسه بحيث لا يتجاوز عددهم 3 أعضاء.

على المجتمع الدولي الانصات لنبض الشارع الليبي بمنح المجتمع المدني، بمختلف روابطه ونقاباته واتحاداته ، الفرصة في المبادرة بتبني مشروع، والتحولق حوله، عنده خطة واضحة المعالم تطرح حل الأزمة بموارد مالية محسوبة ولمدة محددة تخلق منه فرص عمل للشباب وتخفف من الأزمات اليومية وتسهم في الاستقرار والحلول الأمنية. كل ذلك لتهيئة الأرضية المناسبة لتأسيس برنامج العدالة الانتقالية والمصالحة.

تدر ليبيا تادرفت.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا