تنظيـم الدولـة ألإسلاميــة و ولاية ليبيــا - عين ليبيا
من إعداد: خالد الهوني
منذ الوهلة ألأولى ، قد يبدو عنوان المقال صادم و مفاجئ ، ولكن لذلك أسبابه وفق منظوري الشخصي ، ففي ظل المهاترات السياسية و الانقسام الحاد بين مكونات المجتمع الليبي وأقطابه المتعددة ، من الواضح أن أكبر مُستفيد من هذا الوضع ، هو تنظيم الدولة الإسلامية الذي يمشي بخطى بطيئة ، لكنها ثابتة نحو تحقيق هدفه ، ألا هو الإستيلاء على الدولة الليبية وشطرها لقسمين ،( عند مدينة سرت بالذات ) يتبعان ولايتي المغرب و الكنانة ، وضمها إلى حُلم خليفته البغدادي، بتكوين الدولة الاسلامية مترامية الاطراف.
ما يُميز تنظيم الدولة الاسلامية ، عن غيره من التنظيمات المتشددة ، مثل القاعدة و أنصار الشريعة ، هو وجود هدف إنشاء الدولة الاسلامية ( وفق منظوره) ذات الحاكم الواحد ، والنظام المالي المستقل ، أما حدودها الجغرفية ، فهي على أقل تقدير ، العالم ألإسلامي برُمته ، بينما نجد أن تنظيم القاعدة ، جعل هدفه ألأساسي هو محاربة الغرب ، خاصة الولايات المتحدة ألأمريكية ، أما تنظيم أنصار الشريعة ، فهدفه بالدرجة الاولى ، هو العمل على تنفيذ قوانين الشريعة الاسلامية داخل الدولة الليبية ، دون المساس بالضرورة ، بالحدود السياسية للدولة ، أو بتركيبتها البشرية ، مما يؤهل تنظيم الدولة الاسلامية وفق منظوره العالمي ، لإحتواء التنظيمات الجهادية ألأخرى في ليبيا ، مثلما حدث في العراق وسوريا.
للتنظيم إستراتيجية بسيطة و واضحة المعالم ، في تجنيد عناصره ، ألا وهي إستغلال الغضب والحنق من الطبقة المهمشة من المجتمع أو ذات الخلفية الدينية البسيطة أو المتضررة من وضع أقتصادي أو إجتماعي معين ، أو الحانقة على الوضع العالمي المتردي للمسلمين بصفة عامة ، وتقديم نفسة لهذا العنصر المراد تجنيده ، بأنه (أي التنظيم) هو البديل لكل هذا، وأنه عن طريقه يتم الخلاص من كل المشاكل التي يواجهها العنصر من جهة ( إجتماعية، مادية، نفسية ) و أنه يستطيع من خلال نشاط التنظيم أن ينتقم ممن سببوا له أو لأمته ألأذى الجسدي أو النفسي ، ورفع الظلم ، و بطريقة ينال عليها الجزاء والثواب في الدنيا والآخرة.
ينطبق ما شرحت سالفاً علي الوضع في ليبيا ، بل ويتميز عليه بمعطيات إضافية سيأتي توضيحها لاحقا.
يتقدم التنظيم في إحتوائه لليبيا ببطء، لكن بخطى ثابته ، و من أكبر الاشياء التي يعول عليها التنظيم هوإدعائه نشره الامن والامان في المناطق التي يحكُمها، والذي أصبح اليوم هاجس معظم الليبيين ، كقضائِه على ظواهر الخطف والسرقة و إلإعتداء على الممتلكات ، ذلك في المناطق الخاضعة لسيطرته ، كذلك إنضباطية عناصره في تعاملهم مع عامة الناس ، إلا في من يناصبونهم العداء أو من يخالفون أوامرهم ، و الذين ينالون بذلك أشد أنواع العقاب و بطريقة بشعة ، كذلك أمرهم بالاشياء التي يراها الكثيرين من عامة الناس مُهمة، مثل الممارسات غير ذات الشرعية الدينية (وفق منظور التنظيم ) أو بالمفهوم العام ، كمنع التدخين و الملابس غير المحتشمة و صالونات التجميل وصالات الافراح وخلافه.
يتبع التنظيم في عملياته القتالية ، أسلوب الكر والفر وعنصر المفاجئة ، و يترك خلفه بعد كل هجوم حصيلة كبيرة من القتلى، فهو يهدف في عملياته للقتل في حد ذاته ، من أجل بث الرعب والفزع وسط خصومه ، مثل ماحدث في بوابات خشوم الخيل وسوكنه و الدافنية ، و أبو قرين و مؤخراً في إجدابيا ، مما حدى بسكان العديد من المناطق للتسليم بسلطته بدون أي مقاومة.
يبدو أن التنظيم بعد خسارته لمدينة درنة ، لصالح تنظيم آخر متشدد ، أصبح يركز أكثرعلى المنطقة الوسطى في ليبيا و لهذا أسبابه ، فمدينة سرت تتوسط ليبيا و يوجد بها ميناء للتصدير ، و لإستقبال الواردات ، كما يوجد بها قاعدة عسكرية إستراتيجية ، أستولى عليها التنظيم ، كذلك قربها من حقول النفط والتي بالتأكيد سيستخدمها لتمويل نشاطاته ، مثلما يحدث اليوم في سوريا والعراق ، بينما مدينة درنه ، محاصرة بين الجبل والبحر ، وتحيط بها مناطق معادية للتنظيم ، كما أن بُعد موقع مدينة درنة عن قاعدة عملياته الجديدة في سرت ، سواء بحراً أو براً يجعل من الصعب عليه توسيع نشاطه خارج حدود المدينة ، كذلك إمداد عناصره بما يلزمهم ، لكنه سيستمر في عملياته حول درنة و مهاجمته لها لإلهاء خصمه فيها عن متابعة نشاطاته في المناطق الاخرى التي ينشط فيها التنظيم.
من الملفت للنظر ، تركيز التنظيم في عملياته القتالية و الانتحارية ، المنطلقة من قاعدة عملياته بسرت ، بصفة عامة بإتجاه الغرب ، إي على المناطق التي تسيطر عليها قوات الدروع التابعة في معظمها لحكومة طرابلس و حليفتها الاستراتيجية في مصراته ، بينما يترك وراء ظهره المنطقة من بن جواد و إلى إجدابيا ، بدون إي نشاطات قتالية تذكر، وهي الاكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية ، ذلك لوجود النفط و موانئ تصديره بها ، و لقلة عدد سكانها وبالتالي سهولة السيطرة عليها ، مما يثير العديد من علامات الاستفهام.
كما أن تجهيزات التنظيم والملابس التي يستخدمها أفراده هي من تصميم خاص ، لا يمكن الحصول عليها من مصادر تقليدية ، بل هي مصنعة خصيصاً له ، مما يوضح أن هناك أوامر بتصنيع هذه الملابس ، و إنتظار لفترة تجهيزها ، و شحنها عبر موانيء الدولة ، مما يؤكد وجود عنصر داعم قوي للتنظيم ، داخل ليبيا ، لديه الامكانية المالية و اللوجستية للقيام بكل ذلك.
ببدأ ظهور عناصر مُنظَمين للتنظيم في ليبيا ، قادمين من دول الخليج العربي ، قد نستشف سعي التنظيم لنقل عملياته الرئيسية من العراق والشام إلى ليبيا ، ولذك عدة أسباب سأذكر المهم منها:
1 الضغط الشديد الذي تمارسه قوى التحالف المضادة للتنظيم و التي تقاتله في العراق وسوريا.
2 غياب قوة مُنظمة و موحدة ، تحارب التنظيم في ليبيا ، حيث و إلى اليوم لم نشاهد أية خطط أو عمليات عسكرية مضادة للتنظيم من الحكومتين في طرابلس أو في طبرق.
3- قُرب ليبيا من أوروبا وهي منطقة مهمة ، لتجنيد الراغبين للإنظمام إلى التنظيم ، ومن السهل وصولهم إلى ليبيا عبر دول الجوار ، كذلك هي مكان محتمل لتنفيذ عمليات إنتقامية قد يقوم بها التنظيم في المرحلة القادمة ، والتي هدد بها أكثر من مرة ، كما أن موقع سرت البحري سيمكنه من الدخول في عمليات الهجرة غير الشرعية والتي تدر أرباح طائلة ، ستساهم في تمويل نشاطه.
4- إمكانية توفر مصادر تمويل لنشاطات التنظيم من حقول النفط الواقعة تحت نفوذه ، وسهولة تصديره من ميناء سرت عبر شحنات صغيرة، ستجد من يشتريها و يدفع مقابلها نقداً.
5 طول الحدود الجغرافية لليبيا وصعوبة مراقبتها من جهة، ومحاذاتها لدول هي فضاء إستراتيجي للتنظيم و مصدر لتجنيد عناصره ، و سهولة دخولهم منها إلى ليبيا مثل تونس و مصر ومالي و الجزائر والسودان.
لا تتأتى محاربة التنظيم بالسلاح فقط ، و إلا ستكون معركة خاسرة ، بل يجب أن تتوحد مكونات المجتمع كافة من أجل محاربته، ففي غياب مفهوم الولاء للدولة ، يجب التركيز على المكون القبلي ، في محاربة التنظيم ، و ذلك لقوة الترابط الاجتماعي بين أفراد القبيلة ، و التي يسعى التنظيم لتفتيتها ، و أن يتم السعي لقطع مصادر تمويل التنظيم البشرية و المادية ، بتعزيز مراقبة الحدود ومحاربة الهجرة غير الشرعية بكافة الوسائل ، و متابعة و تفتيش الحاويات التي تصل لموانيء البلاد و متابعة و التدقيق في الحولات المالية الخارجة من مصارف الدولة ، ونشر الوعي و الفكر المتمدن ، و العمل علي خلق جو من تكافؤ الفرص و تعزيز مبدأ العدالة الاجتماعية ، و مفهوم حقوق الانسان ، و محاربة التزمت الديني والتطرف ، خاصة عبر فضاء الانترنت ، ومنابر المساجد ، الذان يستخدمهما التنظيم اليوم لصالحه بكفائة ، لذا يجب محاربته في فضائهما ويجب أن يدخل الجميع هذه المعركة لأنها هي العامل الأساسي للفوز أو الخسارة.
لا يمكن حدوث ذلك كله، وسط الانقسام والتخبط الحاصل اليوم في ليبيا ، لذا فالخيار واضح لدى جميع الليبين ، وهو إما أيجاد طريقة للتصالح و رأب الصدع ، بين كافة مكونات الدولة و المجتمع الليبي ، وعلى جميع المستويات ، و بأسرع وقت ممكن ، ذلك بالضغط الشعبي وحركة مؤسسات المجتمع المدني ، و إلا فإن ليبيا ، ستصبح قريباً أحدى ولايات دولة البغدادي ، إن لم يكُن دُرتها ألأثمن.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا