تونس بين الإسلام الديمقراطي وترسيخ العلمانية - عين ليبيا
من إعداد: د. مجدي الشبعاني
إن المطلع على الدستور التونسي الحالي سيتفاجأ أنه لا يحتوي على أي نص يتعلق بالشريعة الإسلامية ومنزلة أحكامها، فالشريعة ليست مصدرا أساسيا أو ثانويا للتشريع، إلا ما تعلق بأن الإسلام دين الدولة، وقد أثيرت هذه النقطة قبل ثلاثة أعوام إبان صياغة الدستور التونسي فكانت الإجابة أن المجتمع التونسي متشبع بأحكام الإسلام ولا حاجة لمثل هذا النص في الدستور وتونس اختارت المدنية.
والواقع يوقفنا على حقائق دامغة، وثبت أن النص في أي دستور على علو الشريعة الإسلامية وأن أي تشريع أو عمل أو تصرف يخالف أحكامها يعد باطلا ذا أهمية قصوى، فإذا خلا الدستور من هذا النص أصبح البلد مرهون ومكفول بالقوى السياسية فيه، ومدى التزامها وتمسكها بأحكام الشريعة السمحاء، وفي هذا يقول الرئيس الأمريكي الثالث توماس جيفرسون ” لا تزيد الديمقراطية عن كونها حكم الغوغاء حيث يمكن لواحد وخمسين في المائة من الشعب استلاب حقوق التسعة وأربعون في المائة الآخرين”.
فلهذا سمعنا دعوات من رئيس دولة تونس قضى بتشكيل لجنة تدرس إمكانية التسوية بين ميراث المرأة والرجل وإمكانية زواج المرأة التونسية من غير المسلم، والأغرب من هذا التصريح المتلفز لنائب حركة النهضة في تونس من أن زواج المرأة التونسية برجل غير مسلم هو «اختيار شخصي» يندرج ضمن حرية الضمير التي نص عليها الدستور التونسي.
وفي تفسيري أن ما يحدث هو ترسيخ للعلمانية بكل ما تعنية الكلمة، فعند العلمانيين لا يوجد ثوابت شرعية أو احكام قطعية يوقف عندها ، فكل شي لديهم قابل للنقاش حتى ما أمر الله به أو حرمه في كتابه يبقى رهين بأمر الأغلبية ، وبعيد عن قوله تعالى ” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ”
” وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ” وبعيد عن ما أمرنا الله به في أكثر من موضع في كتابه من طاعة الله والرسول .
وكل هذا يدرج ضمن المساواة بين المرأة والرجل وحقوق المرأة وحرية الرأي والحرية المطلقة وغيرها ، ونحن مع كل ما ذكر إن كان حقيقة أن هناك ظلم واقع عليها أو عدم مساواة .. وتغيب عنا المآرب السياسية الحقيقة الخفية. فهل الإسلام ظلم المرأة حقيقة أم أنها مجرد دعوى واتهام باطل!
ولو تأملنا في هذين الأمرين (مسألة ميراث المرأة في الإسلام، ومسألة زواج المسلمة بغير المسلم) لوجدنا أنها مسألة ثابتة بنصوص قطعية الدلالة والثبوت، فهي ليست محلا للنقاش فالمساس بها هو مساس بشرع الله وتغيير في شريعة الله.
ولو تأملنا قليلا في حقوق المرأة وفق أحكام الشريعة الإسلامية في هذين الأمرين؛ لوجدنا أن الإسلام كان منصفا معها، فهي الابنة والزوجة والأخت والأم والخالة والعمة والجدة فكيف سيكون ظالما لها مبخسا لحقها!
فأحكام الميراث، ليس كلها قوله تعالى ” للذكر مثل حظ الأنثيين” فهذه تأتي في أربعة حالات فقط من معظم حالات الميراث بأن يكون نصيب المرأة أقل من الرجل.
فالمرأة ترث مثل الرجل في أكثر من 30 حالة، ومثال ذلك قوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) النساء/12، فالأخ والأخت لأم، يرثان بالتساوي، وكذلك الأم مع الأب في حال وجود الابن، فللأم السدس، وللأب السدس، والباقي للابن.
وترث المرأة أكثر من الرجل في حوالي 10 حالات بينما يرث الرجل أكثر منها في 4 حالات فقط، ومثال ذلك لو توفيت أمراة عن زوج مع ابنتين، فله الربع، ولهما الثلثان، أي لكل واحدة منهما الثلث. أو زوج مع ابنته الوحيدة، فله الربع، ولها النصف، ويرد الربع الباقي لها أيضا.
وقد ترث المرأة ولا يرث الرجل مطلقا، ومثال ذلك لو ماتت امرأة وتركت زوجاً وأباً وأماً وبنتاً وبنت ابن، فإن بنت الإبن ترث السدس، في حين لو أن المرأة تركت ابن ابن بدلاً من بنت الابن لكان نصيبه صفراً؛ لأنه كان سيأخذ الباقي تعصيباً، ولا باقي.
ولا يمكن أن يتصور بأي حال من الأحوال أن المرأة لا ترث في شريعة الإسلام. فأين الظلم للمرأة في الميراث وأي تسوية يتحدث عنها هؤلاء؟
أما ما أثير عن زواج التونسية بغير المسلم، فهي محسومة بقوله تعالى: وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {البقرة: 221} ولقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {الممتحنة: 10}
قال الإمام القرطبي: ” أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام “. [الجامع لأحكام القرآن: ج: 3 ص: 72، وانظر: فتح القدير: ج1ص224]، إذا هناك إجماع على هذا الأمر.
ولو أردنا أن نتأمل في بعض الحكم لو وجدنا أن المسلم يؤمن بكل الرسل بما فيهم موسى وعيسى عليهم السلام. وبكل الكتب بما فيها التوراة والإنجيل. فهو إن تزوج منهم أكرمها في دينها لأنه أساسا يؤمن به، ويجيز ديننا لزوجة المسلم الكتابية أن تزور أماكن عبادتها كالكنيسة والمعبد.
وبالمقابل لا يؤمن أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، ولا بالقرآن كتابا منزلا من عند الله، ولا يجيزون لمن تزوج من غير أهل ديانتهم زيارة المسجد أو أن تصلي الصلوات الخمس عندهم أو ان تقيم شعائر الله، فهو إذا لن يكرمها لأنه لا يؤمن بنبيها ولا بدينها. فلا يؤمن أهل الكتاب إلا برسلهم وكتبهم.
ثم إن الإسلام دين يعلو ولا يعلى عليه، وللزوج في الاسلام حقوق ومنها حق الولاية والقوامة، فيمكن أن يكون المسلم وليا وقواما على زوجته الكتابية، بينما لا يمكن أن يكون غير المسلم وليا أو قواما على المسلمة، فالله تعالى يقول: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}. [سورة النساء: 141]. والزوجة عليها طاعة زوجها، فلو تزوجت المسلمة غير المسلم لتعارضت طاعتها له مع طاعتها لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم أن معرفتنا أو عدمها للحكمة فيما حرم الله لا يغير من كونها حرام أم حلال فهي حرام إن حرمها الله وحلال إن أباحها الله، فالحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولن يجعل الله لنا أبدا خيرا فيما حرم علينا، فهو العليم بما يصلح العباد {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}. [سورة الملك: 14]، وما علينا كمؤمنين بالله تعالى وبحكمته وعلمه إلا أن نقول: {سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}. [سورة البقرة: 285].
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا