ثورات “السبعطاش” إلى أين؟ - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

تتصادف بعض المناسبات فتأتي في تواريخ واحدة لربما لحكمة يعلمها الله وحده، الكثير منا لا يعلم بتواريخ انطلاق ثورات ما سمي بالربيع العربي وما تلاه من موجات أخرى في كثير الأقطار العربية بالتحديد، ولعل التذكير بذلك يكون مفيدا في سياق هذا الموضوع، فقد كانت انطلاقة ثورة تونس الياسمين يوم 17 من ديسمبر 2010 م وكانت انطلاقة ثورة ليبيا العنفية يوم 17 فبراير 2011م ثم أخيرا انطلقت ثورة لبنان يوم 17 أكتوبر 2019م، إذا هذه الثورات الثلاث كانت متفقة في يوم الـ17 وإن اختلفت الشهور والسنوات وهو ما يدفعني لتسميتها بــ”ثورات السبعطاش”!.

بالنظر إلى تونس اليوم نجدها من أكثر دول ما يسمى بالربيع العربي استقرارا على المستوى الأمني، وأكثرها أيضا ممارسة للديمقراطية في نظام الحكم، إذ تداول على رئاستها حتى الآن 3 رؤساء ابتداء بالمرزوقي مرورا بالسبسي وانتهاء بقيس، الذي استلم حديثا، غير أن تونس بعد مسيرة 8 سنوات من الديمقراطية على المستوى السياسي، نجدها تعاني كثيرا على المستوى الاقتصادي، بفعل السياسات الغير منضبطة التي يمارسها مسئولو العهد الجديد، فنسبة البطالة ارتفعت كثيرا وهي بازدياد مستمر وقيمة الدين العام تتضاعف كذلك، وغلاء الأسعار في ازدياد مما جعل أغلب التونسيين من الطبقة المتوسطة والفقيرة يعانون اكثر مما كان، وكل المؤشرات المالية والاقتصادية تشير إلى حالة من الخوف على المستقبل الاقتصادي والمالي لتونس، فهل تفلح الحكومة الجديدة بقيادة حزب النهضة في إصلاح ما فسد وتحقيق التوازن الضروري؟!، أم أنها ستخفق وبالتالي سيسوء الأمر اكثر وستتعرض تونس لهزات عميقة قد تنذر بفوضى انتفاضة شعبية جديدة!.

“لبنان”  ها هي تلتحق بركب الثورات فقد دخلت الحلبة حديثا بعد أن بلغت الأمور الاقتصادية والمالية مبلغا من التدني على مستوى الخدمات والمركز المالي للدولة، فقد وصلت ظروف عيش اللبنانيين حدا بائسا وسدت الأبواب أمام كل محاولة للمعالجة والإصلاح، نتيجة لتراكمات كثيرة سياسية واقتصادية ومالية ألأمر الذي صعب من عملية التغيير للأفضل على مر عقود من الزمن، فها هي لبنان حاليا تعيش حالة من الحراك الشعبي في شكل تظاهر واعتصام مستمر مما ينبئ بمستقبل غير مستقر وربما خطير فحتى تاريخه لم يتمكن اللبنانيون من تشكيل حكومتهم الجديدة بعد أن قدمت الحكومة السابقة استقالتها منذ شهور، لبنان الآن تعيش منعرجا خطيرا قد يوصلها إلى حافة الانهيار الاقتصادي والإفلاس المالي في ظل فوضى سياسية يصعب التكهن بمآلاتها.

أما “ليبيا” فها هي ما زالت تعاني الأمرين وتتعقد شئونها مطلع كل يوم جديد فالحرب تأكل الأخضر واليابس وتأتي على البشر وعلى الثروات الليبية بشكل استنزافي خطير، الوضع الأمني لا يزال هشا ومضطربا والوضع الاقتصادي يسوء كل يوم في ظل فوضى اقتصادية عارمة ينخرها السوس من جراء الفساد المستشري والذي تغوّل بدرجة يصعب السيطرة عليه بالسهولة، ليبيا اليوم تتقاذفها أمواج هائجة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية خطيرة ومؤثرة، ليبيا اليوم أضحت بؤرة صراع داخلي شديد تذكيه تدخلات خارجية فضة من عديد الدول، ولعل تطور الوضع إلى تدخل تركي عسكري مباشر بحكم مذكرة تفاهم وقعها السراج مع الحكومة التركية مؤخرا من ابرز المؤشرات التي تطفو الآن على الساحة الليبية، وما ترتب عن ذلك من إعادة تركيز نظر العالم إلى ليبيا وتسارع وتيرة الاهتمام بها ألأمر الذي عجل بانعقاد مؤتمر برلين والذي سترسم فيه خارطة طريق جديدة تحت رعاية أممية قد يكون فيها للإلزام حدا غير مسبوق.

إذا سيكون العام 2020 حافلا بالأحداث الساخنة في المنطقة العربية، وخاصة في منطقة ما سمي بثورات الربيع العربي عامة وثورات “السبعطاش” خاصة، فهل سيحمل العام الجديد انفراجات لمشاكل تراكمت وتعقدت أم أنه سيضيف كما جديدا من الركام على انقاض ما سبق، بقدر ما نتمنى الخير لأقطارنا العربية المصابة بمرض الثورات نخشى أن تزداد أعراض المرض شدة وهو ما سيكون حملا ثقيلا على شعوب هذه الأقطار، فتونس وإن بدأت هادئة مستقرة في وضعها الأمني والسياسي، فهي بمثابة بركان يغلي تحت التراب قد ينفجر في اي لحظة، ولبنان كذلك تحفها المخاطر ويكتنفها تأثير الانقسام السياسي المقنن بمؤتمر الطائف والذي صار يتعارض مع مطالب الجماهير الآن، أما ليبيا فهل ستتجاوز محنتها أخيرا بعد عشرية دامية مظلمة؟! في انتظار مؤتمر برلين القادم الذي يبدو انه ستتخذ فيه قرارات دولية وستكون حاسمة وملزمة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا