جضران والكرامة: إرفعوا أيديكم عن النفط - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

النقط الليبي لم يكن يوماً تحث إمرة القبائل ولا القوات الخارجة عن القانون، ولم يكون ورقة سياسية للتفاض كما هو الآن في الزمن الرديء، وخلال ستون سنة الماضية لم يكن الجيش حارساً له، فهو بحراسة الشرطة في الستينات وتحت رقابة حرس المنشأة منذ السبعينات من القرن الماضي.
بعد إعلان أفريكوم أن قوات الكرامة وتوابعها هم من فجر الخزانين في راس الأنوف، كان البيان الأمريكي حول الحرب في منطقة الهلال النفطي واضح وصريح، مفاده إدانة كافة العمليات العسكرية والتأكيد بأن النفط لليبيين جميعا وينبغي أن يضل تحت سيطرة حصرية للمؤسسة الوطنية للنفط وفقا لقراري مجلس الأمن رقم 2259 و 2278 ، وبذلك يتساوى جرم المحتكر والمهاجم.
هجوم جضران على المواني يوم الرابع عشر من يونيو لا غرابة فيه، فهو الصعلوك الذي لعبت به القوى الإقليمية ومن ورائها وكلائها الليبيين لينفذ مبتغاهم في قفل تصدير النفط بين يونيو 2013 و ديسمبر 2016 بدعوى عدم وجود عدادات، وقد تجاوزت الخسائر قفل التصدير مئة مليار دولار. وفي الوقت الذي ملئت المواقع الإليكترونية تشنيعا به من الوطنيين، عين جضران رئيسا للمكتب التنفيذي لإقليم برقة ورفعه القبليين والفيدراليين ومشائخ الوافدين على أكتافهم وهللوا له وبنيت له المنصات في بنغازي لإلقاء خطاباته السمجة، ووعوده بإقليم السمن والعسل ووعيده بقهر الإسلاميين. دان له شيوخ القبائل في الشرق الليبي وتقبلوا هداياه من السيارات الفارهة والعطايا والمهايا وأرسلوا ابنائهم للحرب معه، وحاول تصدير النفط لتمويل برامجه ورده الأمريكان على أعقابه. زور قوائم من معه وقبض أكثر من مئة وثلاثين مليون من رئيس الورزاء الحالي بالحكومة المؤقتة، لم يحدث ذلك في طرابلس ولاجبل نفوسة ولا في الجنوب الحبيب، بل كان الجميع يعتبر جضران مارقا ولعبة في يد قوى إقليمة.
قبل هجوم القوى الإقليمية على الهلال النفطي بأيام توصل المجلس الرئاسي إلى تفاهمات لفتح المواني بوجود المنذوب الأممي كوبلر وحضوره إلى رأس الأنوف لتوقيع الإتفاق، ولكن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط رفض الإتفاق ورفض رفع القوى القاهرة لعلمه أن إكتساح الهلال بقوى إقليمية آت، ولذا إنتظر ذلك وأعلن بعدها بداية التصدير، ولم يمانع من إستمرار غلق مطار البريقة لآكثر من سنة أمام الطيران ولا إستعمال مطار السدرة لعمليات الكرامة الحربية لقصف الليبيين غربا وجنوبا!!!!
عودة جضران إلى المشهد الليبي لها عدة أسباب أهمها تعنث قوى الكرامة وبقايا البرلمان ورفضها للحلول المطروحة والإستمرار في إطالة الأزمة مثل رفض مقررات الصخيرات ورفض دمج المؤسسات وجرجرة القوى الإقليمية للتدخل في المشهد الليبي بصفاقة ودون خجل، وأخيرا مؤتمر باريس الذي ولد ميتا، مما أثار القوى الدولية لإيجاد حل من عين المشكلة. يقول الجاحظ “ما أن ناقشت عالم إلا غلبته وما إن ناقشت جاهل إلا غلبني ” فالمشهد في الشرق الليبي يحتاج إلى عملية جراحية توحد الصفوف نحو الوطن وليس نحو الجيوب، أما في الغرب والجنوب فلا توجد قبلية ولا عبدة الأصنام والحلول كثيرة.
أخيرا ما يتداوله العامة بخصوص إختفاء وظهور جضران من جديد، أن القصة المتداولة مفادها بعد هزيمة جضران ويأسه من إستعادة المواني وتشتتث فلوله إستعان بقوات قبلية للهروب عبر بوابة وازن الحدودية إلى تونس في أبريل 2017 وفي طريقه جنوب نالوت ثم إستيقافة من كثيبة حرس الحدود، جنوب نالوت والتحفظ عليه، لم يتولى النائب العام القيام بعمله بتكليف من يقوم بعملية الإستلام، ولم تهتم الحكومة لذلك لآنها عقدت إتفاق معه. في ذلك الحين دخلت عصابات ورشفانه على الخط وإحتجزت أربعة مواطنين من نالوت ورفقائهم من مدن أخرى وزجت بهم في سجونها وطالبت بالمقايضة بجضران، وفي زيارة لوزير الدفاع تمت المقايضة وتسليمه للطرف الأخر وإخلاء سبيل المحتجزين دون جرم ولا جريرة لهم.
اليوم ليس كامس، قد نسمع بيان من دار الإفتاء بالحكومة المؤقته أن جضران قد تمكن من السيطرة على المواني ولا سبيل لمقارعته وما على الحكومة والقبائل البرقاوية إلا تجديد البيعة له ويصبح بديلا للكرامة، أو يكون مثل أبومحجن الثقفي ذلك الذي أدمن معاقرة الخمر في الجاهلية حتى أوصى إبنه بأبيات مطلعها:
إذا مت فأدفني إلى جنب كرمة تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفني في فلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها
بعد دخوله الإسلام كانت نفسه تشتاق إلي الخمر، وقبل معركة القادسية مباشرة إحتسى أبومحجن خمرا، فغضب سعد بن أبي وقاص عليه وسجنه، ولكنه أبى إلا أن يفك قيده ويضع اللثام على وجهه ويأخد فرس أبووقاص “البلقاء” ثم يدخل المعركة ويبلي بلاً حسناً، حتى تعجب الجميع من قوته وجراءته في شق صفوف الفُرس والإنتصار عليهم، ثم عاد إلى قيوده طائعا بعد إنجلاء المعركة، فلم علم سعد قال له والله لن أجلدك بعد اليوم، فقال ابومحجن والله لن أشرب الخمر بعد اليوم.
نعم إستمرار غلق المواني طامة كبرى؛ فهناك خسائر مباشرة مثل توقف التصدير، وهناك خسائر غير مباشرة كثيرة منها تعطل وتلف وحدات المعالجة والتخزين والنقل، وبروز صعوبة في إعادة الإنتاج، وخسائر لتعويض الشريك الجنبي، ونزع الثقة من الزبائن، وتراكم الديون، وعدم القدرة على تمويل الميزانية العامة وغيرها، مما يحتم على رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بنزع القوة القاهرة على المواني والمطالبة بإخراج قوات الكرامة وقوات جضران من هذه المنطقة الحساسة والمهمة لكل الليبيين، وتولي قوات حرس المنشآة النفطية التابعة للحكومة المعترف بها دوليا الأمر، علما بأن العدوان دائما داخليا وليس خارجيا ولا يحتاج إلى قوة مدججة بالسلاح تبتز تواجدها في مرافي التصدير.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا