حتمية التغيير في الجزائر - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

إرتدادات ثوارات 2011 م تمتد هذا العام إلى الجزائر والسودان، ولا شك أنها ستعيد زخم الثورة المفقود في الدول التي إستسلمت للثورة المضادة، فالتاريخ الإجتماعي للشعوب يسجل إنتكاسات كثيرة لحركة الشعوب نحو الإنعثاق لكنه لا يؤدي إلى زوال مطالبها العادلة.  

الحراك الشعبي الجزائري والسوداني لا يخرج عن السياق العام لرفض الدكتاتوريات العسكرية، فالجزائريون ضاقوا درعا من البطانة السيئة لجبهة التحرير، بداية من إستئثار الجنرالات بالدولة إلى شيوع الفساد مقابل إنتشار الفقر والأزمة السكنية الخانقة، أما القشة التي قسمت ظهر البعير فهي الإستهتار وإحتقار الشعب من خلال إصرار بطانة العسكر على ترشيح رجل منتهي جسديا وعقليا. بوتفليقة لم يتحدث إلى شعبه منذ سنوات، ولم يمثل بلده لأعوام، ولم يقدم حتى ملفه للإنتخاب شخصيا كما ينص الدستور الجزائري.

الحراك الجزائري الأول بداء في أكتوبر 1988م عقب إفشال الإنتخابات التي فازت فيها الحبهة الإسلامية ورفض الجنرالات لنتائج الإنتخابات، وبذلك تم إعداد إنتخابات 1991 من إجل إعادة الشرعية لحكم العسكر، إضافة إلى إحتجاجات كثيرة منها إنتفاضة المزابيين، وشباب تيزي وزو وغيرهم خلال العشرين سنة الماضية.

منذ الوهلة الأولى للإستقلال لم تكن هناك جمهورية بالمعني المدني للدولة، فبومدين إنقلب على بن بلة وتوالت الإنقلابات حتى مجئ أبوتفليقة قبل عشرين عاما، وفي كل المراحل كانت رجالات جبهة التحرير في صدارة الحكم، وكان الجيش هو المشرعن والضامن لجميع الحكومات، أما الدستور فلقد تم تعديله العديد من المرات من أجل تمرير سياسات تعمل على إستمرار الوضع القائم.

رغم أن الحراك الحالي للشباب الجزائري سلميا، ولم يكون هناك الجزيرة الفضائية ولا برنارد ليقي، إلا أن سقف المطالب يتسع كل يوم، بداية من رفض العهدة الخامسة للرئيس إلى رفض الرئيس والحكومة إلى المطالبة بالتغيير والقطيعة مع النظام الحالي، مما يجعل تنازلات بطانة النظام وأجهزته الأمنية قاصرة عن تلبية مطالب الشعب، وهذا طبيعي لجميع الأنظمة الدكتاتورية التي ترى أن مزاياها حق مكتسب لا مجال للتنازل عليه.

الجيش والشعب (خاوة خاوة) إخوة إخوة ، الجميع يتمنى ذلك ولكن الواقع التاريخي للدكتاتوريات العسكرية لا يؤيد ذلك، فالجيش الجزائري هو الذي حبك المؤمرات والتصفية الجسدية في العشرية الدموية، وكانت معظم العمليات العسكرية من تدبير المخابرات والجيش الجزائري، راجع كتاب الحرب القذرة لضابط القوات الخاصة الجزائرية حبيب سويدية. في مصر وسوريا وحتى اليمن وليبيا كان الجيش جزء من نظام الحكم ويد القمع للسلطة العسكرية، فهل يغير الجيش الجزائري جلدته بين ليلة وضحاها؟

سيناريوهات الخروج من هذا المأزق الذي أوصل أبوتفليقة شعبه ودولته إليه ليست كثيرة، فالإنتخابات لن تتم في الوضع الحالي  رغم تنازل الرئيس عن العهدة الخامسة، وحتى لو إتفق النظام على منتخب توافقي جديد وهو مستبعد. المشكلة أن الحراك لا نخبة له ولا قيادة ولا معارضة قوية منظمة ومع إطالة فترة المظاهرات وتعطل مؤسسات الدولة بسبب الإضراب عن العمل والتحشيد المستمر في الميادين تتحول المظاهرات إلى عنف ضد المؤسسات التابعة للجبهة ثم للمؤسسات الأمنية، مما يجعل عسكرة الثورة حتمية كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن.

سيقوم النظام بشق صفوف المتظاهرين عن طريق شراء الدمم والوعود بتحسين الظروف، بل أن النظام الحالي يعد بالإشراف على التغيير السلمي للدولة، وهو ما لم يستطيع القيام به منذ إنشائه، ولكن كل ذلك لن يثبط عزائم الناشدين للتغير وطي صفحة الماضي.

النظام الجزائري يحتاج إلى وقت لترتيب أوراقه، والضغط الشعبي الحالي لا يساعد على ذلك وإن حاول تأجيل الإنتخابات فلن يكون لذلك قبول، قد يقوم النظام بإعلان عن وفاة الرئيس من أجل الدخول في مراسم الدفن وتعيين رئيس مؤقت مع محاولة كسب قلوب الجزائريين وتأجيل مطالبهم. الشعب يرفض مناورات العسكر للبقاء في المشهد من خلال إقتراح حلول تلفيقية وهي إضافة سنة إلى عمر النظام لا من أجل ترتيب الإنتقال السلمي بل من أجل إعادة ترتيب أوراقه للبقاء على صدور الجزائرين رغم الفساد والإفساد.

إنعكاس الإنتفاضة الجزائرية على المستوى الإقليمي كبير، فإنهاء حكم العسكر في الجزائر يقضي على الأماني النكوسية للعسكر في ليبيا، ويدغدغ مشاعر أهل أرض الكنانة للثأر من جلاديها، ويفتح سؤال عند شعوب أصحاب السمؤ. الجانب الإجابي هو شد عضد تونس ولعب دور إيجابي في ليبيا، وربما بناء المغرب الكبير على أسس جديدة مغايرة لدكتاتوريات العسكر والفساد.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا