حرب التحرير أم التحريك - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

حرق المراحل بإعادة إعلان مبادرات تسوية محشورة الزمان، قد تكون جيدة من حيت ان الرئاسي يبدى عدم تشبته بالسلطة وان الإنتخابات هي السبيل السليم  لتجميع شتات الدولة والعبور إلى الإستقرار، إلا أن نجاح هكذا مبادرات في هذه الظروف يُعتبر ترف سياسي لا مكان له في الواقع المعاش، عندما تكون العاصمة على شفى إنهيار إجتماعي بسبب الدمار الممنهج والخراب المستمر والشر المستطير من القوات الغازية.

منذ الوهلة الأولى كانت الكرامة وداعميها العرب على كلمة رجل واحد، وهو إسقاط العاصمة وإسقاط الرئاسي والقضاء على (المليشيات) وتثبيث حكم عسكري عميل، وقد حال دون ذلك سؤ التقدير والتدبير عندما تبخر الداعمون المحليون من المشهد، وبقيت الكرامة وفلول الكانيات يتجرعون مرارةً أحلاهما مرٌ، إما الإنسحاب والهزيمة أو خوض حرب إستنزاف طويلة تقضي على الشباب من الجانبين، فإذا كان قادة الكرامة لا يكترثون لقتل وبتر أتباعهم كما حدث في بنغازي ودرنة فإن القوى الحية الليبية تثمن عاليا دور جيش الوفاق والقوة المساندة لها ولا تفرط فيهم أن يكونوا وقوداً لحرب إستنزاف يقودها شردمة تريد إعادة بناء الجماهيرية الثانية وتنصيب صنم آخر.

حرب الإستنزاف الذي تمارسه الكرامة ليس مصيراً محتوماً لقوات الوفاق، ولكن سؤ إدارة المشهد السياسي الليبي أوصل الجميع إلى ذلك، إذا علمنا أن قوات الوفاق أكثر عدداً وعدة وأفضل تسليحا ولها إمكانيات إستراتيجية وخطوط إمداد قريبة من المحاور وأن القوة الضاربة المستخدمة لا تزيد عن 35% من القوة العسكرية التي يمكن تحشيدها، والأكثر والأهم من ذلك المعناويات العالية التي تعانق السماء. أما عن إستخدام الكرامة للطائرت، فقوانين الحرب تؤكد دائما أن السلاح الجوي لا يربح أرض ولا يهزم عدو ولكنه يساعد القوات البرية على النصر، أويقوم بالقتل والهدم كما هو الآن وهي صفات المجرمين والقتلة وليس المحاربين الشرفاء.

في الايام التي أطلق فيها يد الاشاوس في الجبهات وصلوا إلى بوغيلان ودمروا غرفتي عمليات الكرامة في ابوغيلان وجندوبة وفر الفرنسيون منها إلى تونس، ووصلوا إلى فم ألغاء وقطعوا الطريق بين غريان وترهونة، وفي الجبهة الشرقية وصلوا إلى الزطارنه على مشارف ترهونة، فالهجوم أفضل طريقة للدفاع، ثم ساء القرار فعادوا إلى التبات على بعد كيلومترات من وسط العاصمة!  وهو أمر يفسر بالتحريك وليس التحرير.

لا شك أن أهالي طرابلس ومعظم القوى الحية بالمنطقة الغربية والكثير ممن ألجموا على الصمت بالمنطقة الشرقية ناهيك عن مراكز صنع القرار بالدول الغربية على يقين من إستحالة تحقيق الكرامة لأي نصر عسكري في طرابلس، فما الذي جعل تأخر نصر قوات الوفاق؟ من الثابت أن خوض المعارك يقوم بها العسكريون إلا أن قرارات الحرب والهجوم أو حتى الإنسحاب فهي قرارات سياسية في معظمها، ونحن نبارك إجتماع قادة المحاور مع رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الاركان ووزير الداخلية في اليومين الماضيين، والذي سوف يكون له الاثر الطيب على التحرير الكامل للارض من الشرادم.

الكثير من المراقبين يرون قصورا صارخا عند مستشاري المجلس الرئاسي ولا ثقة فيهم، فهم من غض الطرف عن ضم الكرامة للجنوب وعدم تعييبن قائد عسكري للمنطقة الجنوبية والتي يوجد بها 12 ألف جندي وضابط غير مفعل، وهم من همش البنيان المرصوص ولم يستخدمها لتكوين جيش منظم، وهم من أوعز إلى مفاوضة الكرامة لتقاسم السلطة، وهم من يتحمل السبات العميق للسفارات الليبية بالخارج، ناهيك عن قطع العلاقات مع دويلة معتدية مثل الإمارات وعدم طرد شركات النفط والمصارف التابعة لها.

خلاصة القول أن تورط الكرامة في حرب خاسرة أوصلتها إلى البحث عن أي نصر ولو بالتهجير وتدمير مرافق الدولة والبيوت ونشر الرعب من أجل الحصول على موقع تفاوضي افضل بعد الحرب لتقاسم السلطة، وموطاء قدم للدول الداعمة للعدوان، مع تعنت فضيع لمواصلة الحرب من قاداتها وأبواقها، في حين أن مستشاري الرئاسي يقومون بتثبيط الحسم العسكري من أجل تطويع القوى المعارضة للكرامة وتلين مواقفها، أو حرق المراحل بإقتراح مبادرات لا روح لها، والأجدى من ذلك تكثيف الجهود وتوفير الإمكانيات لسحق العدوان الغاشم وإسترجاع الجنوب وتفعيل القوة العسكرية به لضبط الأمن، وتسريح المتمردين العسكريين، وبناء هيبة الدولة بداية من المنطقة الغربية والجنوبية ثم المنطقة الشرقية التي يوجد بها من القوى الحية ما يمنع أي محاولة للتقسيم المزعوم.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا