حرب تشاد.. جرح ينزف وحق ضائع - عين ليبيا

من إعداد: مبروك المغربي

في يوم الجمعة الرابع عشر من أغسطس عام 1987 كنت مع مجموعة من العسكريين في دورية استطلاعية في جبال أوزو القاحلة، وفجأة تعرضنا لهجوم من القوات التشادية التي نصبت لنا كمينا محكما في تلك الجبال فكانت القذائف تتساقط علينا كالمطر، ولا نسمع إلا أصوات الرصاص.

حاولنا جاهدين أن نأخذ ساترا، ولكن وقع المحظور، أصيبت سيارتنا بقاذفة توفي على إثرها عدد من الرفاق ووقعت أنا أسيرا.

تعرضت لبعض اللكمات والضرب والإهانة اللفظية وهي بسيطة جدا مقارنة برفاقي وهم جثث هامدة يسبحون في بركة من الدماء، ونُقِلت إلى قرية أوزو للتحقيق معي ووضعوني في غرفة مظلمة، فلا أملك إلا الدموع أذرفها على ذلك الحظ العاثر، كنت خائفا من المجهول، كنت لا أدري ماذا سيحل بي، هل سيقتلونني أم سيعذبونني؟ كان الخوف هو المسيطر على الموقف.

إن منظر الجندي التشادي مخيف جدا، فهم لا يحلقون شعر رؤوسهم، ومن الخوف لم أستطع أن أرفع رأسي لأتمعن تلك الوجوه، لقد أجبروني على العمل تحت أمرتهم بنقل الذخيرة وتنظيف الأماكن وكانت المعاملة سيئة، فالواقع مرير والمصير مجهول.

لا يمكن بأي حال أن يمحوَ التاريخ ذلك اليوم من ذاكرتي مهما طال الزمن، وبعد مرور أربعة وثلاثين عاما على ذلك اليوم لازال الجرح ينزف والحق ضائعا، ولازال حتى اليوم رفات رفاقنا مرميَّا في صحراء تشاد القاحلة.

ستبقى لعنة حرب تشاد تطارد كل القادة الذين زجّوا بنا وبأبنائنا في تلك الحرب الخاسرة، ستبقى مأساة تشاد تاريخا مؤلما لنا جميعا، فأبناء جيلي لم يتم إيفادهم إلى الخارج من أجل التعليم بل تم إيفادهم إلى حرب تشاد ولم يعودوا.

نحن لم نُهْزم في تشاد بل كنا مهزومين في الداخل، عندما تخلى عنا الجميع وعسكرت الخيمة المؤسسات التعليمية فهُزِمنا في داخلنا قبل الوصول الى أرض المعركة.

وللعلم.. في عام 1993م حكومة الخيمة وأركانها يقومون بتسليم قطاع أوزو إلى دولة تشاد ويضربون بعرض الحائط ومعاناة كل الأسرى وكل الأرواح التي قُدِّمت.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا