حفتر: ما الذي سيحدث بعد رحيلك؟ - عين ليبيا

من إعداد: عبدالرزاق العرادي

تصدّر خبر مرض خليفة بلقاسم حفتر ثم وفاتة، وسائل الإعلام لمدة خمسة أيام. في البداية نقلت وسائل الإعلام أن خليفة حفتر أصيب بجلطة قلبية، ثم دماغية، ثم نزيف، أدى إلى دخوله في غيبوبة ونقل على أثرها إلى الأردن ثم إلى فرنسا.

انتشر خبر الوفاة يومي الخميس والجمعة، وأكدته عدة مصادر. جاءت تصريحات مصطفى بكري، الإعلامي المصري، المقرب من المخابرات المصرية، والدكتور محمود رفعت، المقرب من دوائر القرار الفرنسي، وغيرها من وسائل الأعلام العالمية، لتأكد الخبر نقلا عن هذا المصدر أو ذاك.

ثم جاءت تغريدة بعثة الأمم المتحدة، التي أكد فيها السيد غسان سلامة، أنه تحدث مع خليفة حفتر. الغريب أن الحديث الذي أجراه غسان سلامة مع خليفة حفتر كان في سياق أخر غير سياق الاطمئنان عن صحته، وأنه تحدث معه عن التطورات السياسية المستجدة!!، في الوقت الذي أكد فيه المسماري؛ أن حفتر يتلقى العلاج بفرنسا.

بعد الرحيل المفترض لحفتر؟

في البداية ابتعدت عن الحديث في هذا الموضوع وقلت في مقالي “ليبيا ليست كعكة”: “أما الحديثُ عن حفتر وجلطته، فلم أتحدَّثْ عنه من قبل، ذلك أنَّ أمرَه إلى الله إن شاء أخذه وإن شاء مدَّ له. المرض والموت مكتوبان على البشر جميعاً، وهما عِظة وعبرة للأشرار والأخيار، ورحيلهم وعد من الله وفرض.”

وحين تحدثتُ يوم الجمعة عن خبر وفاة حفتر، بعد أن شاع وانتشر؛ دعوت إلى طي صفحة الماضي بالكامل وفتح صفحة جديدة، نلملم فيها الشمل ونداوي فيها الجراح ونصلح فيها ذات البين. قلت أن هناك من يرى هذا الرجل بطلا، وهناك من يراه مجرماً، وطالبت بترك هذا السجال لله ثم للتاريخ.

وحين سألني أحد الأصدقاء على صفحة التواصل الإجتماعي فيسبوك؛ وأنت ماذا تراه؟ هل تراه بطلاً أم مجرماً؟ لم أرد عليه كموقف مبدئي، أن الرجل قد رحل.

لكن الآن وبعد أن صرح سلامة بأن حفتر حي يرزق، فإن ردي هو: أن حفتر مجرم حرب وأنه قاتل وأنه مشروع حكم دكتاتوري وأن الشعب الليبي وقواه الحية يجب أن لا تسمح برجوع الدكتاتورية من جديد مهما كان الثمن.

لم أظهر الشماتة ولا التشفي في الرجل، رغم كرهي لمشروعه بسبب إفساده للمسار الدستوري والحياة السياسية، ومع ذلك فإني أرى أن زوال الطغاة رحمة.

حفتر بعد وفاته.. موقف النخب من أتباع حفتر

تحدث بعضهم عن مساوي حكم الفرد وأن الدول تبنى على المؤسسات وأن غياب حفتر وضع المنطقة الشرقية بأسرها في خطر، وأضاف أخر؛ أنه يجب أن ألا تتمحور القوات التي شكلها حفتر حول شخصه، حتى يتم البحث عن إجابة ماذا لو غاب عن المشهد العسكري والسياسي.

وأضاف أيضا أن حفتر تحول في الشرق الليبي إلى نظام بكامله، وانهياره سيؤدي إلى كارثة مروعة، وستحدث انشقاقات عسكرية واسعة بسبب من سيخلف حفتر.

بينما يرى البعض أن المنطقة الغربية والتي تدار من قبل سلطة مدنية، برهنت من خلال محطات عديدة، قدرتها على تجاوز حكم الفرد إلى حكم المؤسسات. مهرحانات انتخابية وتسليم للسلطة من مؤسسة إلى أخرى دون ذلك القلق الذي اجتاح مدن الشرق، بعد خبر مرض حفتر وخبر وفاته.

حفتر بعد وفاته.. السلطة المدنية (عقيلة والثني)

كان واضحاً مدى التخبط الذي عاشته السلطة المدنية القابعة تحت سلطان الحكم العسكري؛ عقيل صالح قال: أنه لا يعلم شيئا ولم يتحدث إلى حفتر من مدة.

لم يستطع عقيلة صالح ولا عبدالله الثني الخروج في مؤتمر صحفي يفندوا فيه الخبر، أو أن يطلعوا الشعب على الحقيقة. لم يستطيعوا اتخاذ اي اجراءات تحوطية، وتركوا الشعب الذي تحت سلطانهم كالأيتام ضحايا للإشاعات.

هكذا هو حكم الفرد

لقد كان نظام القذافي هلامي، لم يكن هناك دستور واضح لنظام الحكم، ولا هيكلية واضحة توضح من يخلفه، لم يكن نظام مؤسسات مستقرة على الإطلاق.

سقط القذافي وسقطت معه الدولة الليبية. هكذا كان حفتر أيضا، إذا غاب سيترك المنطقة الشرقية في الظلام.

لن يستطيع عقيلة ولا الثني الحكم ولا التحكم في المشهد ولا في انفلاته، وكما قال عزالدين عقيل المؤيد لحكم العسكر؛ “سترجع كل الأطراف التي قاتلها إلى قوتها، وستقع الاغتيالات لكل القيادات التي ساندت “حفتر”، بل ستحدث انشقاقات عسكرية واسعة بسبب من سيخلف حفتر”.

القضية ليست في القذافي ولا في حفتر فحسب، ولا ينتهي الطغيان بإنتهائهم ولكن القضية في عشاق الدكتاتورية الذين يرون أنها ملجأهم وأمانهم.

هؤلاء سيعرضون البلاد إلى انتكاسة ومخاطر لا حصر لها، كلما هوى طاغية هوت البلاد ومؤسساتها من بعده. الحل في بناء دولة دستور، ودولة قانون، ودولة مؤسسات، يحكم الحاكم بالقانون ويحاكم به.

حفتر بعد وفاته… في نظر مناوئيه

عمت الفرحة درنة التي يحاصرها، وفرح المهجّرون وزاد فرحهم بقرب عودتهم إلى ديارهم وأرزاقهم، فرحت الأسر والعائلات، الذين قضى أبناؤهم في بنغازي وهم يعتقدون أنهم يقامون مشروعا انقلابيا، هنا لا أتحدث عن الأرهابيين الذين فتح لهم حفتر ممرا آمناً.

فرح الأيتام والأرامل، فرح كل الثوار الذين شاركوا في القضاء على القذافي ويتطلعون إلى قيام دولة مدنية لا يحكمها العسكر، ويرون أن حفتر قد أعاق بناء هذه الدولة. فرح كل من يحلم بأن يرى ليبيا دولة مدنية مزدهرة.

أظهروا الفرحة على شبكات التواصل الاجتماعي ووزعوا الحلويات وذبحوا القرابين، ومنهم من خرج إلى الساحات يهتف؛ لمن املك اليوم؟، أظهروا الشماتة والتشفي وحمدوا الله على رحيلك.

ماذا بعد؟

إن لم يرحل حفتر اليوم فسيرحل غداً، ومن لم يمت بالسيف مات بدونه، سيمرض حفتر أو يمت فجأة، سيموت حفتر طبيعيا على فراشه أو يناله عدوه ، سيرحل حفتر آجلا أو عاجلا. أما أنه لم يمت بعد.. فهل يستدرك قبل الفوات؟.

هل يسارع حفتر، إذا ما أصبح قادرا على ممارسة عمله من جديد، إلى جبر الأضرار التي ارتكبتها يداه؟ هل يفك الحصار عن درنة؟ هل يدعو إلى لم الشمل ووحدة المؤسسات؟ هل يتنازل على مشروعه الانقلابي وينصاع إلى السلطة المدنية ويسعى إلى تفعيل وانجاح الاتفاق السياسي؟ هل يدعو إلى عودة المهجّرين ورد الحقوق؟

هل وهل.. أم يصدق فيه قول الله سبحانه وتعالى “حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ () لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ”.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا