حق الإضراب أم حق العدالة - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

لا أحد يجادل أن مهنة التدريس لها أهمية قصوى في تكوين مجتمع واع وعلى أسس سليمة، ولا أحد يعارض أن حق المدرسين كغيرهم مهمش ومهضوم تبعا لمستوى الغلاء الحالي، ولكن التعليم في ليبيا له قصة أخرى، جيش جرار من المعلمين ومستوى أداء متدنئ بسبب يواكب إجراءات إدارية مأزومة لعقود طويلة.

القصة أن الليبين لهم تقاليد لا تتمشى مع مقتضيات العصر، فنسائهم وبناتهم مهما درسوا من علوم ومعارف لا علاقة لها بالتدريس تجد أن جلهن مدرسات، ومع فتح معاهد متوسطة وعليا للمعلمين في كل المناطق أصبح عدد المدرسين يفوق عدد الطلبة في بعض المدارس ومنها بنسبة 4 طلبة لكل مدرس، رغم أن معظم الأرقام الدولية تحد بين 12 و20 طالب لكل مدرس.

إضافة إلى ذلك أن القذافي قام بتحويل الكثير من الموظفين ومنهم مدرسين كعمالة زائدة وعدد الموظفين يقارب النصف مليون تم إرجاعهم للعمل بقرار من المجلس الإنتقالي.

عدد المعلمين تجاوز النصف مليون، نصفهم لا بزاول المهنة، أي أن معظمهم إما احتياط أو لا يتواجد بالمدرسة ومرتباتهم منتظمة، إضافة إلى عدد كبير ممن هم بعقود لأجل سد النقص، استخدمها مدراء المكاتب للتعينات الجديدة.

أعرف خريجوا جامعات في التعليم غفراء، وآخرون لا يلتحقون بعملهم لآشهر، ومهندسين وصيادلة وقانونيين مدرسين، ومما زاد الأمر سؤا إدماج التعليم العالي مع التعليم الأساسي في وزارة واحدة، هذا الكم الهائل من المدرسين التابعين للدولة جلهم لهم نشاطات اقتصادية أخرى تساعدهم على أعباء الحياة.

المشكلة على مستوى الدولة  تتمثل في عدم العدالة إلى حد كبير بسبب القرارات العشوائية لزيادة المرتبات لقطاعات معينة دون غيرها، فمجلس النواب والرئاسي ومجلس الدولة ولجنة الدستور ورجال القضاء وموضفوا ديوان المحاسبة شرعوا لأنفسهم مرتبات (سويدية) ومهايا ومزايا أميرية خليجية، في حين أن قطاعات كبيرة مرتباتها عند خط الفقر. هذا داخليا، يقابل ذلك 123 سفارة يوجد في البعض منها مئات الموظفين من ملحق ثقافي إلى ملحق عمالي يتفاضون مرتبات بالعملة الصعبة، ولا حاجة للدولة لهم حاليا ويجب إغلاق جلها وتسريح موظفيها.

في السنوات 2013 م،  تم دراسة موضوع عدالة المرتبات ووضعت جداول موزعة على الدراجات، ولكن لم يتم إصدار قانون لتنفيذه، وإستمر تشويه قوانين المرتبات بزيادة ساعات العمل والمنح والهبات وعلاوات غير مقننة، إضافة إلى العمل بورديات تصل إلى عمل يوم واحد في الأسبوع بل أن في بعض مديريات الأمن يومين في الشهر.

أما التامين فهو رواية محزنة للكثير من الشركات التي حاولت تغطية التامين بالخارج، فتزوير الفواتير جعل معظم الشركات تنسحب من السوق الليبي ومنها شركة بوبا الإنجليزية، وبقي العلاج الداخلي لمعظم المؤمنين.

من الناحية المالية ميزانية الدولة تدفع جلها في المرتبات، وتم تقليص بند التنمية في ميزانيات السنوات الماضية كثيرا، وهي سياسة الحكومات الضعيفة في الإقتصاد الريعي، فتقدم الدول يعتمد على برامج التنمية وتنفيد مشاريع الخدمات وليس على الرواتب التي تعتبر إهدار للمال العام. ليس من مهمة الحكومة توفير مرتبات لموظفين نائمين في بيوتهم، ولكن من مهماتها توفير خدمات، مثل المدارس والجامعات للتعليم و الطرق والمواني والمطارات ومستشفيات للعلاج وأجهزة شرطية لضبط الأمن وغيرها من مؤسسات الدولة.  كما أن الدولة يجب ان تخرج من الإقتصاد الريعي بتبني سياسة الخوصصة لقطاع الكهرباء والمياه ووسائل الإتصال وتوفير الوقود والمحروقات مع جني ضرائب تلك القطاعات للإهتمام بالتنمية.

للدول المتقدمة حلول لمشكلة تضخم الجهاز الإداري للدولة، فنحن لا نحتاج أن نخترع العجلة من جديد، منها مراجعة وخفض المرتبات الشادة بالدولة،  وتحديد الملاك الوظيفي للمؤسسات تبعا لحجم العمل، ويتم التعامل مع العاملين في الملاك بمرتبات مناسبة تزداد تبعا لنسبة التضخم السنوية. أما الفائض في الملاك الوظيفي فيتم التعامل معه بتوجيهه إلى صندوق التضامن بمرتب يوفر ضرورات العيش، ويصبح الشخص باحثا عن العمل، وهذا يعمل على تحفيز العاطل للقيام بأعمال أكثر أهمية من البطالة المقنعة، ويساعد المؤسسة على توجيه أموالها للتطوير والتجديد، ويساعد الدولة على تنفيذ مشاريع التنمية. بهذه الطريقة يتم خفص موظفوا الدولة إلى أقل من 600 ألف، ويتحول المليون موظف إلى القطاع الخاص الأكثر أهمية والأكثر إنتاجاً وأكثر دخلاً للمواطن من المرتبات التعيسة للدولة.

صندوق التضامن يمكن تمويله جزئيا أو كليا من الدولة، وهي جزء من المرتبات المسترجعة من فائض الملاك ومن ضرائب المؤسسات الخاصة،  وقد يساهم صندوق الضمان في ذلك ضمن مشاريع تنموية جيدة للدولة وللمجتمع.

أما الإستمرار في التراشق بالألفاظ بين مدراء مكاتب القطاعات والوزارات، والذين أصبحوا جمهوريات قزمية يستغلون تواجدهم لتعيين كل من هب ودب في سلك القطاع من أجل إسترضاء بني جلدتهم دون مراعات ظروف الدولة ومقتضيات الحال، فذلك لن يفيد إلا زيادة في عدد البطالة المقنعة وترسيخ الإقتصاد الريعي وإنهيار في البنية التحتية لشح المخصصات.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا