حول الإصلاح الإقتصادي وصرف عشرة آلاف دولار (5) - عين ليبيا

من إعداد: د. نوري عبد السلام بريون

هل الإعجاز في الإصلاح الإقتصادي هو ممارسة السياسة النقدية داخل السوق الموازية لتوسيعها، لنفس الغرض وهو تخفيض السعر الرسمي للدولار بالدينار من 1.3805 دينار في نهاية سبتمبر 2018، إلى 3.9 دينار بعد فرض الضريبة على تحويلات النقد الأجنبي، أي بنسبة إنخفاض نحو 182.51% ،أو رفع قيمة الدولار بالدينار من 72.438 سنت، إلى 25.64 سنت، أي بآرتفاع بلغ 182.51% وهو نفس الشيء، لو قلنا إرتفعت قيمة الدولار بالدينار من 1.3805 دينارفي نهاية سبتمبر 2018، إلى 3.9 ديناربعد فرض الضريبة ،أي بارتفاع بلغ 182.51%. وكأن سعر صرف الدولار الذي بني عليه حساب نسبة الضريبة علىتحويلات النقد ألأجنبي هو ( 1.378092 د ل) أي ( 3.9 ÷ 2.83 ). علما ان  المبلغ 2.83 دولار هو قيمة ألإعتماد  بدولار واحد مضاف إليه قيمة  الضريبة التي فرضتها الحكومة بنسبة 183% .وتكون قيمة ألإعتماد المستندي تساوي 2.83 دولار= 3.9 دينار أيضا (1.378092 + (1.83 ×1.378092 =2.5219 ))=3.900 .وإذا نُفذ صرف العشرة آلاف دولار بالسعر المعلن 3.9 ديناردون إدخال السعر الرسمي في الحسبان، فيعتبر ربطا مباشرا بالدولار، ويكون مخالفا لقانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 ،بسبب عدم إقراره من مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي من جهة، وعدم إعتماده من مجلس النواب من جهة أخرى. وبالتالي يكون التطبيق بتحديد قيمة ألإعتماد المستندي أوالحوالة بالدينار الليبي وفق السعر الرسمي، ثم ضربها في 2.83 مثل أخذ سعر صرف الدولار بالدينارفي نهاية سبتمبر2018 (1.3805 ×2.83 =3.9068 دينار، ثم تتم القيود بالتناسب 1.0 إلى 1.83 ، أي 1.3805 تقيد للإعتماد المستندي،والقيمة 2.5263 دينار تقيد للمالية.

لكن كما يعلم الكثير من المسئولين، أن القطاع الصناعي بمختلف أنواعه، يعتمد في آلغالب على المواد الخام ونصف المصنوعة ألأجنبية،والعمالة ألأجنبية، مما تتطلب الدعم والحماية أو ألإستتناء، أو تتعرض للدمار بسبب التضخم وعدم الحماية.

والمنافسة القتالة من الخارج.رغم أنها ذات أهمية ضعيفة في آلإقتصاد الليبي، ّإذ بلغت أهمية الصناعات التحويلية نحو 4.80% من الناتج المحلي ألإجمالي في عام 2010 ثم إنخفضت إلى 3.29% في عام 2012 .ومع ذلك تجب المحافظة على هذه ألأهمية، مهما كانت درجة أهميتها، لتكون قاعدة للإنطلاق نحو الصعود بمعدل نمو مستدام، وليست قاعدة مهملة تؤول إلى الضمور.

ومن جهة أخرى، تجدر الملاحظة بأن أحد المحللين المصرفيين، (في قناة إعلامية) تمنى أن يتبنى هذه الضريبة محافظ المصرف المركزي، وليس حكومة الوفاق، لكن المحافظ كان أكثر ذكاء لمعرفته أن هذا آلإجراء مخالف لقانون المصارف رقم 1 لسنة 2005 ،وغير موافق عليه من البرلمان، ومع ذلك يصعب الهروب من المسئولية، لأن السماح به جزء من الرضى والموافقة، مثل حكم الشريعة ألإسلامية  قي الخمر، إذ المذنب ليس شاربه فقط ،بل المذنب أيضا من باعه الخمر ومن جالسه.  يظهر أن المحلل المصرفي كان يركز على تحسين آلأداء، وليس السياسة النقدية ومقاصدها.

تطور أرصدة النقد ألأجنبي في مصرف ليبيا المركزي:-

قبل فجر ألإستقلال كان معظم الشباب الذين تجاوزت أعمارهم الخمسة عشر سنة لا يعرفون الدولار أو ألإسترليني، ولكنهم يعرفون الليرة العسكرية (المال) التي طبعها ألإستعمار البريطاني كعملة متداولة في طرابلس، ولا يعرفون أيضا أن الفرنك الجزائري الذي طبعه الإستعمار الفرنسي كعملة متداولة في فزان، كما لا يعرفون أن الجنيه المصري للبلد العربي الشقيق، يهيمن عليه ألإستعمار البريطاني وآتخذه كعملة متداولة في برقة حتى قبل ألإستقلال.ومع هذا التعايش مع عدم المعرفة، كنا سعداء وخاصة بعد فجر ألإستقلال، حيث إكتمل ألإصدار ألأول من العملة الليبية في آخر يونية 1952 ليصل إلى (3.368078) ثلاثة ملايين،وثلاثمئة

وتماني وستين ألف،وتماني وسبعين جنيها ،منها (3.330041) ثلاثة ملايين ،وثلاثمئة وثلاثون ألف،وواحد وأربعون جنيها كعملة ورقية،  تم طباعتها في سبع فئات ، و(38027) ثماني وثلاثون ألف،وسبعة وعشرون جنيها كعملة معدنية، تم سكها في سبع فئات هي آلأخرى ،(م ل م ، النشرة ألإقتصادية، إ ب ق، يناير-فبراير 1970) علما أنه كلا النوعين تمت طباعتها في لندن من قبل لجنة النقد التي يرأسها ليبي ونائبه إنجليزي مقيم بلندن مقر اللجنة،لكن الحكومة آنذاك لا تملك نقدا أجنبيا لغطاء العملة المصدرة ، فكانت بريطانيا هي المعين ألأول فوضعت تحت تصرف اللجنة الرصيد المطلوب، كقرض بآلإسترليني كسندات خزانة بريطانية، وأصبحت ليبيا عضوا في المنطقة ألإسترلينية، مما يجب عليها أن تحتفظ بجميع نقدها ألأجنبي في هذه المنطقة التي يراقبها آنذاك ويشرف عليها البنك المركزي البريطاني.أما بالنسبة لإدارة إصدار العملة الليبية ،فإن لجنة النقد قد أسندته إلى بنك باركليز الذي أُسس في عام 1943 بعد إحتلال بريطانيا لليبيا في نفس العام ،إلى حين إفتتاح المصرف المركزي. وفي صباح أول إبريل 1956 تم إفتتاح المصرف المركزي في طرابلس ، تحت إسم المصرف الوطني الليبي، لكي يتضمن قسما تجاريا يكون في المستقبل إنطلاقة دافعة لتنمية العمل المصرفي التجاري في ليبيا، وفي نفس يوم ألإفتتاح أعلن أول محافظ للمصرف المركزي ( الدكتور علي نور الدين العنيزي ، رحمه الله ) إستلام رصيد قسم ألإصدار البالغ 5.161 مليون جنيه في نهاية مارس 1956 ، منه  نحو 5.097 مليون جنيه كعملة ورقية، وفي نهاية عام 1956 بلغ رصيد  النقد ألأجنبي نحو11.873 مليون دينار، منه 5.637 مليون ديناركغطاء للعملة المصدرة، والباقي كان نتيجة نشاط ألإدارتين المركزية والتجارية للمصرف التجاري الوطني.أما بالنسبة لرصيد النقد ألأجنبي الذي سبق ثورة سبتمبر أي في نهاية أغسطس 1969 ونهاية العهد الملكي قد بلغ نحو 325.907 مليون دينار، منه نحو 86.590 مليون ديناركغطاء للعملة المصدرة، والباقي للنشاط المصرفي المركزي والتجاري.وبقي رصيد النقد ألأجنبي ثابتا حتى في نهاية 1969 ليكون 326.0 مليون دينار، مظهرا تطورا ملموسا بلغت زيادته أكثر من 26 ضعفا (326\11,9)=27.395 ضعفا خلال الفترة ( 1956-1969)، وذلك بسبب زيادة ألإنفاق المحلي لشركات النفط المالكة لعقود إمتياز في ليبيا من جهة، وبسبب بداية تصدير النفط الخام في شهري نوفمبر وديسمبر1961   ، بالمقدار 5.2 مليون برميل ، وفي عام 1962 بالمقدار 65.5 مليون برميل من جهة أخرى، حيث زادت كمية المصدر من النفط الخام بالتصاعد حتى وصلت نحو1121 مليون برميل في عام 1969 ،أي زادت بأكثر من 16 ضعفا خلال الفترة ( 1962-1969 ). أما بالنسبة لأسعار النفط الخام لم تنل حظها من الزيادة ، إذ رغم وضع أسعار أكثر من دولارين للبرميل الواحد، مثل سعر النفط المصدر من ميناء السدرة بالسعر الثابت 2.58 دولارللبرميل طيلة الفترة (1961-1970)، إلا أن السعر الفعلي يقل عن دولارين، إذ بلغ متوسطه  السنوي 1.934 دولارخلال الفترة ( 1961-1970) وفق آلإحصاءات الليبية.لكن شباب ثورة سبتمبر قد مارسوا ضغطا قويا على الشركات المنتجة للنفط في ليبيا بعدة وسائل مثل المطالبة بزيادة أسعار النفط إلى السعر العادل ،والتدخل في آلإدارة بزيادة نسبة عدد الليبيين العاملين في كل شركة ، وكذلك ممارسة التأميم أو المشاركة لكي تحصل ليبيا على نصيبها العادل من موارد النفط. إذ إرتفع سعر برميل النفط إلى 3.17 دولار قي عام 1971،و3.37 دولار في عام 1972،و4.80 دولار في عام 1973 ،وآنخفض مستوى تصدير النفط من قمته في عام 1970 (1.221 مليار برميل)،إلى متوسط نحو 714.3 مليون برميل في السبعينيات ، ونحو394.1 مليون برميل  في الثمانينيات ، ونحو 427.1 مليون برميل في التسعينيات، ونحو465.1 مليون برميل خلال العشر سنوات ألأولى من ألألفية الثالثة. أما بالنسبة لآسعار النفط الخام ، فإن متوسط أسعاره قد بلغت نحو 1.932 دولار للبرميل في الستينيات ،ونحو 14.31 دولار في السبعينيات ، ونحو25.49 دولار في الثمانينيات، ونحو 20.59 دولار في التسعينيات، ونحو66.65 دولار في السنوات العشرة ألأولى في آلألفية الثالثة. وبالتالي فإن هذا المشهد من تذبذب مستوى الكميات المصدرة من النفط الخام من جهة ، ومن تذبذب أسعلرالنفط، وخضوعها للإحتكار العالمي من جهة أخرى، جعلت الدولة غير قادرة على زيادة إيراداتها من النقد آلأجنبي، ألأمر الذي سيدعو إلى أخذ وتبني سياسات حكيمة تتسم ببعد النظر،ومهارة التدبير المالي ،وآلإبتعاد عن آلإسراف والمغالاة في المرتبات، وآلإستمرار في تمويل ودعم إنتاج السلع الضرورية (زراعية أو صناعية )، وفي حالة نقصان التمويل اللازم تلجأ الدولة إلى آلإدخار ألإجباري من مرتبات العاملين بالدولة،( كسياسة مالية ) للقيام بمشروع تنموي معين ، يتم توزيع أسهمه على هؤلاء المدخرين في الوقت الملائم .لكن آلأداء آلإقتصادي للحكومة الليبية لم يكن جيدا منذ العهد الملكي،وآقترب من حده آلأدنى بعد ثورة 17 فبراير، حتى توقفت عجلة التنمية بالكامل سوى نحو 8% من آلإنفاق العام تم تصنيفه على التنمية، وهو عبارة عن مصروفات ثابتة لدفع بعض المرتبات ومصروفات الصيانة حتى عند توقف المشروع آلتنموي.لذلك تعتبر عملية صرف ألعشرة آلاف دولارضياع لثروة الشعب ، تنخفض التنمية بفقدان النقد آلأجنبي، وينخفض مستوى آلإستهلاك بسبب تآكله بعامل التضخم.

لماذا تلجأ الدولة إلى بيع الدولارلكل مواطن وهي في أشد الحاجة إليه؟

ما يحير ألإقتصاديين هو إستمرار تناقص رصيد النقد ألأجنبي من إحتياطيات الدولة من جهة، وتوقف جزء كبير من تصدير النفط الخام، المصدر الوحيد للحصول على الدولار،من جهة ثانية،وآنخفاض المعروض من السلع الضرورية، حتى أن التضخم زاد من 9.84% في عام 2015 ،إلى 25.90% في عام 2016 ونحو 28.50% في عام 2017 ، ونحو 11.21% خلال آلأشهر يناير-سبتمبر2018 من جهة ثالثة.ومع هذه آلإختناقات الثلاثة، تلجأ الدولة إلى بيع الدولار إلى المواطنين للتصرف فيه في السوق السوداء ،أو في مجالات ألإستهلاك غير المفيدة للمجتمع ككل،تخفيفا للأزمة آلإقتصادية التي يعيشها الشعب الليبي.إذ في مثل هذه ألأزمة، يكون من آلأفضل للمصرف المركزي أن يبيع الدولار للشركات التجارية التي تنتج السلع الضرورية أو تستوردها لزيادة عرضها في السوق المحلية،فتنخفض أسعارها لصالح الشعب الليبي كله.وإذا كانت مشكلتنا الرئيسة هي تهريب السلعة المدعمة، فوجب إستصدار قانون بفرض رسوم جمركية تؤدي إلى رفع سعر السلعة المدعمة والمصدرة إلى مستوى سعرها الدولي، مما يزيد من هيبة الدولة في المحافظة على تداول هذه السلع داخل ليبيا فقط.علما أنه يسود ألإعتقاد بأن الدولة كانت قوة ناعمة مع المهربين منذ ثورة سبتمبر، وخاصة مع تونس ،لأنه عند زيارتك في التسعينيات أو ما بعدها لمدينة راس إجديرالقريبة من الحدود الليبية، تجد بضائع السلع التموينية والبنزين المدعومة في ليبيا مكدسة في المحلات للبيع.

ومن جهة أخرى، إن بيع الدولار إلى المواطنين، دون تحديد مقاصدها، ومتابعة آثارها ، وخاصة أن قيمة العملة الليبية المتداولة خارج المصارف تتجاوز أضعاف المستوى الكافي للتداول بين الجمهورفي ليبيا، ربما تؤدي إلى نتائج سلبية في ألإقتصاد دون تحقيق الهدف المنشود ، أضف إلى ذلك أن مصر أصبحت جذابة للإستثمار السهل في شكل ودائع لدي المصارف ، بسبب إرتفاع أسعار الفائدة على الودائع لمدة سنة إلى 12-15% خلال العامين آلأخيرين ، وآنخفاضها في ليبيا من 2.5% إلى الصفر خلال السنوات الخمسة الماضية وبالتالي تكون هذه السياسة مكافأة للمنحرفين الذين يحتفظون بآلأموال غير المشروعة ويتربصون توفر الفرصة لغسيلها من جهة، ومحفزة لإنتقال هذه ألأموال إلى ألإستثمار السهل المذكور، وآلإنفاق ألإستهلاكي من جهة أخرى.وهناك من يعتقد أنه بمجرد ما آنخفض معدل سعر صرف الدولار في السوق الموازية، يمكن إعتباره جزءا من نجاح خطة ألإصلاح ألإقتصادي، بينما ما حصل هو بديهية إقتصادية يعلمها جميع طلبة ألإقتصاد، وهي:إن عملية التدخل في السوق ببيع الدولار للمواطنين تعني إنتقال منحني العرض (ع1 في الرسم البياني) من أعلى إلى أسفل نحو اليمين، بسبب زيادة كمية العرض من النقد آلأجنبي في السوق الموازية ، ليكون منحني العرض الجديد هو ع2، بينما منحني الطلب المعطى فرضا (ط1)ينحدر من أعلى إلى أسفل نحو اليمين أيضا، فيكون التوازن بعد التدخل عند الملتقى الجديد للمنحنيين في نقطة (و2) تقع أسفل نقطة التوازن السابقة (و1) التي حددها منحني الطلب  مع منحني العرض (ع1) وبالتالي  سينخفض سعر صرف الدولار بمقدار المسافة العمودية بين نقطتي التوازن المذكورتين أعلاه. وبالفعل قد إنخفض سعر الدولار إلى 4.35 دينار في وسط ألأسبوع الثاني من يناير 2019، ولكن سرعان ما إرتفع من جديد في اليوم التالي إلى 4.44 دينارثم إلى 4.5 دينار. وبآفتراض تكلفة الخدمة المصرفية لإنجاز صفقة العشرة آلاف دولار هي 5% ، وبآفتراض أن الثمن الحدي للتضحية بتلك الصفقة عند المواطن الليبي هو 5% أيضا ،أي ربح  المواطن سيكون 500 دولار فيكون من المتوقع أن ينخفض  الحد آلأدنى لسعر الصرف في السوق الموازية إلى مستوى لا يقل عن سعر التكلفة، وهو  الحد آلأدنى البالغ (3.9×1.10=4.29 د ل).

بسبب وجود التكلفة بنسبة 10%،أي يتغير الحد آلأدنى لسعر صرف الدولار هبوطا أو صعودا ، كلما تغيرت نسبة التكلفة سلبا أو إيجابا.

إذن حتى لو طبق السعر الرسمي للدولار ( 1.360 دينار) في نهاية عام 2017، لأصبح السعرفي السوق الموازية  1.513 دينار للدولار. إذ آلإصلاح ألإقتصادي يكون فعالا عندما  تمحق الزيادة بين سعري  السوقين الموازية والرسمية، أو بفرق لا يتجاوز 2% فوق السعر الرسمي. لكن أن يكون الهدف هو رفع سعر صرف الدولار بنسبة 183% ليكون 3.9 دينار للدولار، فهذا لا يمت إلى ألإصلاح آلإقتصادي بصلة، ولا يمكن أن يكون علاجا فعالا لتهريب السلع المدعومة، بل  لو فرضت الحكومة ضريبة جمركية عالية ومانعة على إعادة تصدير السلع المدعومة ، وتطبيقها حتى على ألأفراد المسافرين للحج أو السياحة ، لكانت  سياسة مالية أجدى وأقوى فعالية على عملية التهريب ، لأنه حتى لو كانت الحكومة ضعيفة ، فإن آلأثر النفسي وآلأثر الشعبي كفيلان بدعم الحكومة في مواجهة المهربين ، علما أن هذه السياسة تعتبر  خالية من التأثيرات الجانبية في آلإقتصاد،لأن بقاء السلعة مفيد للبلاد، وفرض الضريبة عقوبة على المنحرف كتربية له ليكون سلوكه ألإقتصادي ناعما مع التنمية في ليبيا، وليس معرقلا لها.

 

(ارصدة النقد الاجنبي واسعار صرف الدولار والتضخم)

(مليار د ل)

 

البيان                  السنوات 2014 2015 2016 2017 9\2018
    1- أرصدة بالنقد الأجنبي لدي  عمليات ( م ل م) 78.326 57.923 60.382 63.467 68.851
     1.1- التغير السنوي % -27.1 -26.1 4.3 5.1 8.5
    2- أرصدة نقد أجنبي لغطاء العملة المصدرة 18.795 23.752 27.702 31.405 33.825
    2.1-النغير السنوي% 24.9 26.4 16.6 13.4 7.7
3- مجموع النقد ألأجنبي

 

97.121 81.675 88.084 94.872 102.676
   3.1- التغير السنوي % -18.1 -15.9 7.8 7.7 8.2
 4 -صافي الأصول الأجنبية ملم. 125.6 109.4 100.9 106.4 117.0
 4.1 نسبة التغير المئوي % -16.770 -12.900 -7.770  5.451 9.962
           
5-سعر صرف الدولار(دي\د و 1.3379 1.3963 1.4451 1.35960 1.38050
5.1-التغحير السنوي% 6.47 4.37 3.50 -5.92 1.54
6- سعر صرف الدينار(دو\دي) 0.7474 0.7162 0.6920 0.7355 0.7244
 6.1التغير السنوي % -6.08 -4.17 -3.38 6.29 -1.51
  7—مغدل التضخم % 2.4 9.8 25.9 28.4 9.8
8 – كمية صادرات النفط م\ب 124.5 109.0 111.3 183.0  
9-متوسط سعر صادرات النفط دولار\ب 94.87 56.31 45.45 51.63  

المصدر مصرف ليبيا المركزي، إ ب ح-النشرة آلإقتصادية-الربع الثالث 2018

من آللافت للنظر عند إستعراضنا لتطور أرصدتنا من النقد ألأجنبي، وجدنا أن المجموع الذي يحتفظ به المصرف المركزي قد أنخفض بمتوسط سنوي بلغ 17.0% خلال عامي 2014 و2015 ، ثم إلى إرتفاع في المتوسط السنوي بلغ 7.9% خلال السنوات الثلاثة ألأخيرة ( 2016،2017،2018) ،أي بعجز بلغ متوسطه السنوي نحو 15.3 مليار دينارخلال الفترة ألأولى، وبفائض بلغ متوسطه السنوي 7.0 مليار دينار خلال الفترة الثانية. لا شك أن هذا الخلل جاء نتيجة عدم قدرة المصرف المركزي برفع مستوى آدائه إلى المستوى الممكن ، والسبب الرئيس هو إنعدام ألأمن، فآنخفض  آلأداء المصرفي بالمصارف التجارية، ثم تبعه المصرف المركزي، وآنتزعت الثقة حتى فيما بين المسئولين في المصارف التجارية والمصرف المركزي،ولأن القانون يسمح بمسافة واسعة من الحرية في إدارة المصرف، لجأ كل مجلس إدارة يصدرالقرارات التي يرغبها حتى لو تكلفه كثيرا، مع عدم وجود المستشار المصرفي الكف ء وإن وجد فهو مغيب من المجال.

إذن بسبب قصور ألأداء المصرفي في تلبية الطلب الفعال على السلع والخدمات الضرورية التي يتطلب شراؤها بالنقد آلأجنبي، قد إرتفع سعر الدولار إلى سبعة دنانير في أواخر عام 2017، وأوائل عام 2018 ،ثم إنخفض إلى 6.8 دينار في شهر يونية، وإلى 5.79 ديناريوم 20\7\2018 ، ثم إرتفع من جديد إلى 6.55 دينار في شهر أغسطس، ومتوسط 6.392 دينارفي آلأسابيع الثلاثة ألأولى،ومتوسط 5.10 دينار في شهر نوفمبر ،ومتوسط 4.60 دينار في أواخر شهر ديسمبر من نفس السنة.علما أن أول تسجيل له تحت الخمسة دنانيرللدولار كان 4.36 ديناريوم 23\12\2018، وهو نفس السعر الذي سجل في 17\1\2018 ، أو بمتوسط منذ أول ينايربلغ 4.561 دينار حتى هذا التاريخ.ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل للمصرف المركزي طاقة إستعابية تغطي طلبات المواطنين على النقد ألأجنبي للأغراض الشخصية؟ إن كانت آلإجابة لي ، فإني أرد بالنفي، لأن الشعب الليبي لم يفلح كثيرا عندما كان ينتح 1.6 مليون برميل يوميا سواء كانت أسعار النفط منخفضة أو عالية، في عهد الملك أو عهد ثورة سبتمبر، كلاهما يجاريان الشعب في سلوكه ألإستهلاكي، رغم أن كليهما  يصران على تنفيذ 70% من دخل النفط الواجب توجيهه نحو التنمية،لكنهما فشلا في إحداث التنمية، وفشلا في خلق مصادر جديدة للدخل، بآعتبار أن  النفط هو المصدر الوحيد في ليبيا للنقد ألأجنبي والدخل على حد سواء. إذ لا توجد فرصة لليبيا أن تحقق نموا كافيا ، إذا كان شعبها طموحا نحو تحقيق مستوى عال من المعيشة، بينما طموحه ضعيف جدا للعمل على تحقيق مستوى عال من آلإنتاج . العكس هو الصحيح .إذا الشعب حقق مستوى عال من آلإنتاج فيحق له أن يتمتع بمستوى عال من آلإستهلاك ، وليس العكس . لكن الواقع جعل المفكر ألإقتصادي يعتقد بعدم إستطاعة المصرف المركزي تلبية شدة الطلب الفعال على النقد ألأجنبي ، ألأمر الذي يجعل منحني العرض المذكور أعلاه، يتراجع وينتقل إلى أعلى نحو اليسار، فيبدأ سعر صرف الدولار بالدينار الصعود من جديد ( مفترضين ثبات جميع المتغيرات ألأخرى في السوق ). لذلك تعتبر سياسة إنفاق عشرة آلااف دولار لكل مواطن بلغ 18 سنة ، دون تحديد المقاصد المبررة ، وحسب الحاجة الملحة للإنسان ، ضياعا للنقد آلأجنبي في مجال التنمية، فينخفض معدل النمو بسبب فقدان النقد آلأجنبي، آلعنصر آلأساسي لجلب المواد الخام وآلآلة والتقنية من جهة ،وضياعا لجزء من آلإستهلاك، وآنخفاض مستوى المعيشة ، بسبب زياد ة التضخم وآنخفاض القوة الشرائية للنقود من جهة أخرى.

كما يظهر الواقع أن الموازنة المعلنة للعام 2018 قد بلغ إنفاقها آلإستهلاكي نحو 91.6%، والباقي للتنمية (8.4%)، بينما الواقع  أن التنمية تكاد تكون متوقفة منذ إنفجار ثورة 17 فبرايرللعام 2011، ليكون إجمالي ألإنفاق للعام 2018 نحو 40.5 مليار دينار، إنتهت بعجز بلغ  4.6 مليار دينار.ومن آلأرقام المشينة في هذه الموازنة هو بند المرتبات الذي بلغ  23.6 مليار دينار،أي بنسبة 58.3%من مجموع الموازنة، وهو عبء ثقيل على آلإقتصاد الليبي ( إقتصاد ريعي، حجم سكانه أقل من سبعة ملايين نسمة، يعتمدون في غذائهم وباقي السلع الضرورية والكمالية على الخارج، ) مما يتطلب دراسة هذا الشأن وعدم تركه للأجيال القادمة، وتعويض المتقاعدين الذين تقاعدوا مع  التخفيض ،أو قبل زيادة المرتبات التي تمت برفع الحد آلأدنى للمرتبات إلى 450 دينار بعد شهرين من  ثورة 17 فبراير 2011 (بما فيهم المتقاعدون ذوو الدخل آلأدنى)، ولم يحصل المتقاعدون ذوو الدخول فوق 450 د ل على أي شيء، وللأسف تمت زيادة مرتبات الموظفين العاملين ، وموظفي القطاعات  المختلفة ( المصارف ، النفط ، الجامعات، وغيرها ولم يلتفت المسئولون إلى المتقاعدين ، أليس هذا ظلما  يتعارض مع العدل!.

ومن جهة أخرى، عندما كان الشعب الليبي يحتفل بآستقلاله خلال السنوات الثلاث آلأولى ويتنعم موظفو الدولة بمرتبات منخفضة جدا بقدر المساعدات التي تتدفق على الدولة،وإذا بإحدى شركات النفط التي لديها عقود إمتياز قد أعلنت إكتشافها لبئر غزير من النفط ، آلأمر الذي شجع باقي الشركات على إستمرار الحفر، وآستمرار آلإكتشافات ، مع إستمرار زيادة إنفاقها بالنقد آلأجنبي، حتى وصل آلإنتعاش آلإقتصادي أغلب المدن الليبية. لكن في أواخر نوفمبر عام 1961 قد غادرت أول سفينة تحمل النفط الخام إلى الخارج، فزاد الدخل من النقد آلأجنبي، وآرتفع مستوي المعيشة في البلاد ثم إستثمر المصرف المركزي هذه المناسبة السعيدة ، بآعتباره مستشارا للدولة، فأرسل المحافظ د. علي نور الدين العنيزي (رحمه الله)خطابا إلى ملك البلاد يهنئه فيها بهذه المناسبة، ثم يقدم نصيحة المصرف المركزي بأن النفط هبة من الله، ولكنه من الممكن أن يكون نعمة أو نقمة سيكون نعمة بدون شك، إذا تم إنفاق معظمه على تنمية آلإنسان ووسائل آلإنتاج لتعدد مصادر الدخل، وسوف يكون نقمة (لا قدر الله) إذا تم إنفاق معظمه على آلإستهلاك من السلع والخدمات، وإهمال آلإنسان من تعلم الحرف والتقنية الجديدة ، فيقود ذلك إلى حب الراحة وآلكسل حتى ينفذ النفط، ونرجع كما كنا، لأن النفط أصل ناضب للأسف لم يبدأ فترته الثانية (1\4\1961) رغم صدور المرسوم الملكي بها، وصدر مرسوم آخر قبل نهاية الفترة آلأولى بتعيينه سفيرا في لبنان.

وآلآن بعد 59 سنة وآكتسب بعض الليبيين خبرة في تصدير النفط، لكن البعض آلآخر فاقت خبرته في آلأنانية وآلإستهلاك حتى التخمة وتدمير التنمية حتى إنتهت بوقف تصدير النفط، وقفل الحنفية التي يتدفق منها النقد آلأجنبي، فآنكمش رصيد ليبيا الدولي حتى يصبح آلإنسان الليبي هزيلا (جلدا على عضم)، كما كنا في عام 1961،ومع هذا لا زلنا في أحسن حال مما سبق، بوجود بعض آلأصول الثابتة مثل الطرق والعقارات للسكن وبعض المؤسسات، والتقنية العلمية التي إستوعبها شبابنا، كل ذلك كفيل كمساعد للإنطلاق نحو التنمية، كل حسب جهده، الرجل المناسب في المكان المناسب،وتنمية مستدامة بدون دعم، لكن من الضروري أن تكون هذه العناصر مصحوبة بالتربية آلإقتصادية التي نجدها في ثراتنا آلإجتماعي، وفي ديننا الحنيف في آلقرآن والسنة. ولا ننسى أن نستشير ، إذ قال سبحانه وتعالى (فآسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) سورة النحل 43  وفي الختام أسمع  من يصيح بأنه سيكون من آلأفضل تخفيض سعر الصرف الموازي إلى 2.5 دينار للدولار ، بل قل وجب الرجوع إلى آلأفضلية آلأولى في آلإقتصاد، وهي سعر الصرف الرسمي.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا