حول الإصلاح الاقتصادي وتخفيض قيمة العملة الوطنية “4” - عين ليبيا

من إعداد: د. نوري عبد السلام بريون

سبق التحليل الاقتصادي لفرض الرسوم كضريبة على تحويلات النقد الأجنبي ووجد أنها تنتهي إلى عملية تخفيض قيمة العملة الوطنية، فينخفض سعر صرفها بالعملة الأجنبية وتنكمش قوتها الشرائية، سواء خارج البلاد أو داخله، وخاصة في ليبيا حيث لا يوجد إنتاج محلي يواجه الطلب الفعال أو جزءا كبيرا منه، ألأمر الذي أدى إلى بدء زيادة الأسعار، وانعكس أولا في رغيف الخبز بالسعر الأكبر والوزن ألأقل،حتى أصبح الدينار الليبي يشتري ثلاثة أرغفة قبل بضعة أشهر، ثم ازدادت إلى أربعة في مدينة طرابلس، بفضل الضغوط من حكومة الوفاق التي تحاول آلإصلاح، لكن إفتقارها للمستشارين الوطنيين ذوي المبادئ، جعل آداءها منخفضا، ومقاصدها مشوبة بقصر النظر،ألأمر الذي أظهر مجهود الحكومة ذا فشل ملموس، رغم زيادته من جهة، وآستمراره بطول نفس طويلة من جهة أخرى. والسبب الرئيسي في ذلك هو غياب آلأمن في آلبلاد، وعدم قدرة الحكومة على إستتبابه بالقوة . كما تعلمنا من التحليل السابق، أنه لا توجد علاقة مباشرة بين أسعار الصرف وفساد المهربين للسلع المدعومة. كذلك إن عدم القدرة على ردع المفسدين، ليس بمبررإلى نقل العقاب الموجع إلى آلأبرياءالذين أُبخست دخولهم الجارية وثروتهم النقدية من خلال تخفيض قوتها الشرائية بدون حق، ونسوا أنه من أوائل نتائج تخفيض قيمة العملة الوطنية هو تضخم ألأسعار، وبآرتفاع آلأسعارسيبقى هناك فرق يحفز المهرب على آلإستمرار في الفساد، ويبقى الفساد يدور في حلقة مفرغة داخل ألإقتصاد الليبي.

ألآثار المباشرة لتخفيض قيمة العملة ألوطنية:

من المتعارف عليه إقتصادياً أن ثروة ليبيا تتلخص في الأصول العينية والبشرية والنقدية التي يملكها المجتمع الذي يعيش في ليبيا، تتكون الأصول العينية من  العقارات بجميع أنواعها، سواء كانت صالحة للسكن، أو المنافع الأخرى من ضمنها الثروة الزراعية، والثروة الصناعية، والموارد الطبيعية التي تم إكتشافها. وآلأصول البشرية هي القوة العاملة التي يحظى بها المجتمع، وهي آلأساس في تحريك النشاط آلإقتصادي، وخاصة عند إكتسابها لمهارات فنية متنوعة تزيد من ألإنتاج،أما بالنسبة للأصول النقدية فهي تتركز في القطاع المصرفي من المصارف التجارية والمصرف المركزي ، ومن يتعامل معها. وبالتالي تكون جميع ألأرصدة المدبنة ( جانب آلأصول) مثل القروض والتسهيلات ألإئتمانية في المصارف التجارية،والرصيد المدين بآلمصرف المركزي للعملة المصدرة في التداول خارج المصرف المركزي، فإن أصحابها يستفيدون من إنكماشها بنفس نسبة تخفيض قيمة العملة، وهي نفس نسبة الضريبة المفروضة على تحويلات النقد ألأجنبي ( 183%)

فيكون مقدار ألإنكماش (183\283=0.6466)=64.66%،ويبقى المقدار 35..34% فقط قابلا للسداد.والمستفيد في هذه الحالة هو المصرف المركزي، والخسارة يتحملها المواطنون الذين يحتفظون بهذه العملة(وهم الدائنون).أما بالنسبة للأرصدة الدائنة (الخصوم ألإيداعية) كما تراها في الجدول ألأول المرفق( تحت رقم 5) بإسم عرض النقود الموسع ( المتعارف عليه ب ن2)، فإنها تتجاوز المقدار 123.9 مليار دينار في نهاية سبتمبر 2018 ،سوف تفقد من قيمتها نحو 80.2 مليار دينار ويبقى لأصحابها  43.7 مليار دينار فقط، كقيمة حقيقية.

الجدول ألأول-(عرض النقود وآلإئتمان التجاري في ليبيا)

( مليار دينار )

نهاية السنة 2014 2015 2016 2017 2018.9
  1-عملة خارج المصارف 17,175 23.007 27.103 30.865 34.827
  1.1-التغير السنوي% 28.0 34.0 17.8 13.9 12.8
2-    ودائع تحت الطلب 49.558 53.776 67.506 78.224 87.236
2.1 التغير السنوي% -2.0 8.5 25.5 15.9 11.5
  3-عرض النقود الضيق ن1 66.733 76.783 94.609 109.089 122.063
      3.1- التغير السنوي% 3.8 15.1 23.2 15.3 11.9
4-ودائع لأجل وادخار 2.672 1.823 1.712 2.250 1.849
    4.1- التغير السنوي% -43.2 -31.8 -6.1 31.4 -17.8
5-عرض النقود الموسع ن2 69.405 78.606 96.321 111.339 123.913
     5.1- التغير السنوي% 0.6 18.4 22.5 15.6 11.3
    6- الإئتمان التجاري 19.96 20.213 18.770 17.447 16.504
     6.1-التغير السنوي % 9.5 1.3 -7.1 -7.0 -5.4

.المصدر: مصرف ليبيا المركزي-إ ب ح-النشرة ألإقتصادية-الربع الثاني 2018.

هنا تجدر الملاحظة المركزة في الجدول ألأول، والتعمق في بنود السيولة العامة المكونة لعرض النقود بالتعريف الموسع المتعارف عليه بالرمز ( ن2 )، حيث (ن2=ن1+وج خ)، إذ ترمز ن1 لعرض النقود بالتعريف الضيق( ن1=ع خ م + و ت ط )،وترمز (وج خ) للودائع لأجل وآلإدخار،و(ع خ م) للعملة خارج المصارف، و(و ت ط ) للودائع تحت الطلب.إذًا بآلإطلاع على السيولة بآلجدول يحتار المطلع بآلأمر، أين مشكلة السيولة، والجدول بظهر تضخما في السيولة العامة بنسبة 175%، مقارنة بمستواها في نهاية عام 2010 ،وآلأخطر من ذلك هو أن العملة في التداول خارج القطاع المصرفي عند الجمهورقد تضاعفت إلى نحو(3.95) أربعة أضعاف مستواها في عام 2010 ، لتصل إلى نحو 41.827 مليار دينار في نهاية سبتمبر 2018 .ولكن للأمر وضوح وآلتباس (كما يقول إبن زيدون). يبدو الوضوح جليا في السيولة المتوفرة في القطاع المصرفي إحصائيا سواء كانت في شكل نقدية خارج المصارف، أو نقود مصرفية تصرف بصكوك، ولكنها غير فعالة لفقدان روحها. إذ النقدية خارج القطاع المصرفي وصلت إلى نحو34.827 مليار دينار في نهاية سبتمبر 2018 ، وبمتوسط زيادة سنوية بلغت نحو 22.4% خلال الفترة ( 4.75 سنة بالجدول ).أما النقود المصرفية داخل المصارف التجارية (كودائع تحت الطلب) ، قد وصلت إلى 87.236 مليار دينار في نهاية سبتمبر 2018 ، وبمتوسط زيادة سنوية نحو 12.6% خلال نفس الفترة .( مصرف ليبيا المركزي- إ ب ح- النشرة ألإقتصادية – الربع الثالث- 2018 ) .علما أن النقدية في التداول كبيرة جدا إذا قورنت بعدد السكان المقدر حاليا (2018) نحو  6.5 مليون نسمة،وأضيف للقارئ علما أيضا أن هذه ألإحصائية غير صحيحة ، لأنها لا تتضمن النقدية المصدرة من  المصرف المركزي بمدينة البيضاء، المقدرة بسبع مليارات دينار، ليكون المبلغ الصحيح في التداول بليبيا كلها هو 41.827 مليار دينار،وليس 34.827ملياردينار. وهنا الوضوح قد يزداد عتمة  عندما يلاحظ القارئ أن العملة المتداولة لدي الجمهورقد زادت بنحو أربعة أضعلف، بينما كانت زيادة عدد السكان بنحو 7.6% فقط ،خلال الفترة المذكورة ( 2010-2018).

من الممكن تقدير الحجم ألأمثل لكمية العملة للتداول لدى الجمهورالكافي لمواجهة التغيرات في عدد السكان والتضخم،ويمكن آلإستفادة من تجربة مصرف ليبيا المركزي، الذي لاحظ إستمرار التزايد في العملة المتداولة لدي الجمهور،بزيادة متصاعدة بلغ متوسطها السنوي نحو 32.6% خلال السنوات ألأربعة ( 1976 -1979)، ألأمر الذي يستدعي أن يقوم المصرف المركزي بإجراء حاسم  يبعد في المستقبل أي خلل يتوقع حدوثه ، مثل التضخم وآنخفاض قيمة العملة الوطنية, لذلك تم إصدار القرار القاضي بإبطال فئتي العشرة والخمسة دنانير من آلإصدارات المتداولة خارج المصارف بتاريخ 15 مايو 1980 ، ولمدة أسبوع فقط ، وإصدار العملة الجديدة في اليوم التالي من الفئتين المذكورتين  (م ل م- التقرير السنوي لسنة 1980 )  علما أن المصرف المركزي قد نظم عملية السحب بمبلغ ألف دينار شهريا لكل حساب لبضعة أشهر حتى إستقر مقدار العملة المتداولة عند الجمهورإلى نحو 685.7 مليون دينارفي نهاية عام 1980، أي بانخفاض بلغ نحو 35% عن مستواه قي نهاية عام 1979 ( 1055.7مليون دينار).وإذا كان عدد السكان ثلاثة ملايين نسمة في عام 1980 ،فإن نصيب الفرد من العملة المتداولة سيكون (685.7 ÷3=228.567 دل) ،وإذا علمنا أن عدد السكان في ليبيا أصبح 6.5 مليون نسمة،فيكون حجم العملة المتداولة وفق عامل السكان فقط يساوي 1485.7 مليون دينار(228.567 ×6.5).ولكن عند أخذنا قي الحسبان عامل التضخم الذي بلغ نحو تسعة أضعاف ( 8.93) بين عامي (1980 ،2017)، فإن حجم العملة المتداولة وفق عاملي السكان والتضخم سيكون نحو 13.267 مليار دينارفي عام 2017 (1485.7 ×8.93=13267 مليون د ل).أما بالنسبة لعاملي تحسن الوعي المصرفي،وتحسن آداء التقنية قي المصارف، للمساهمة في تقليل ألإعتماد على الورق النقدي،لغرض تعلية الكفاءة في آلإنتاج والتدنية في التكاليف، فإنه بعيد المنال،ولكن من يراهن على الزمن بالصبرفإنه سيصل ولو بعد حين.

من جهة أخرى إشتد ألإلتباس من شدة حيرتي متى تحين عودة الروح؟، وتعود البسمة إلى المصارف من جديد.وإذا بإبن زيدون يلهمني مرة أخرى ( الناس أخياف سراة وخساس ) أن آلأندلس قد ضاعت بسبب كثرة الخساس،فزادت حيرتي على ليبيا،وليس في إستطاعتي سوى الدعاء( أللهم إحفظ ليبيا ).ومع ذلك وجب إدخا ل مصطلح التربية لتحسين السلوك ألأخلاقي للشعب الليبي وفق السيرة النبوية كمنهج عملي في وزارة الداخلية ووزارة التعليم ووزارة ألأوقاف، كل حسب تخصصه، ألم يبعث الرسول ليتمم مكارم آلأخلاق!!.إذ ليس من آلأخلاق أن تأكل أموال الناس بالباطل،أو أن تبخس أموالهم،أو ألا تقسط في الميزان.وليس من آلأخلاق أيضا أن تأتي بشيء قولا أو عملا يلحق الضرر بآلآخرين (لا ضرر ولا ضرار).

وللإختصار الشديد،من آلأفضل وضع نقاط محددة للآثار المباشرة لتخفيض قيمة العملة الوطنية التي نشأت من فرض حكومة الوفاق ضريبة على تحويلات النقد آلأجنبي بنسية 183% كما يلي:

1)ألأثر التضخمي:لا شك أن التضخم الوطني يتأثر بالأسعار في السوق الوطنية، وكذلك بالأسعارفي السوق الدولية( أسعار الواردات بالنقد آلأجنبي)، وبتأثر التناسب بينهما بالتناسب الذي وضعته إرادة الدولتين (ليبيا وأمريكا كما كان في الماضي مثلا:دي\دو = 1\2.8 ،أي 1 دولار = 0.357143 دينار، بينما في الوقت الحاضر منذ عام 2003 رست إرادة ليبيا على مساواة دينارها بآلمقدار0.5175 و(ح س خ)، ورست أمريكا على تعويم دولارها في سلة صندوق النقد الدولي لتقويم و(ح س خ) التي كان تقديرها في نهاية عام 2017 نحو 1.3576 دولار،ومنه بالتناسب نقسم السعر المقدر للوحدة على الوحدة ونضربه في المساوي للدينار من الوحدة (0.5175) ، فنحصل على  سعر صرف الدينار الليبي بالدولار (0.70256 ) في نهاية عام 2017( 1\1.3576) ×(0.5175).علما أنه تم تقديرمعادلة إنحدارللتضخم كمتغير تابع،وسعر صرف الدولاربالدينار( دي\دو)، والتضخم المستورد، كمتغيرين مستقلين، بإبطاء لسنة واحدة ،فوُجد أن مرونتيهما أقل من عُشر الواحد الصحيح،ليكونا 0.035 و0.095 على التوالي خلال فترة التخفيض آلأول لقيمة الدينار(1987-2010)  ، مما يعني أنه لو زاد كلا متغيري سعر الصرف والتضخم المستورد بنسبة 10%،لزاد معدل التضخم المحلي بنسبة 1.3% (0.035+0.095).لكن هذا المستوى المتدني من المرونة يستدعي تفسيرا،عندما يكون الواقع ألإحصائي أن معدلي سعر الصرف والتضخم المستورد، ينموان بالمتوسط نحو(-5%) ،و7.5% على التوالي خلال نفس الفترة، ألأمر الذي يدعوني إلى آلإعتقاد بأن آلإفراط في دعم السلع التموينية والبنزين، هو الذي خفف من التضخم المتوقع إقتصاديا ( متوسط نحو 13% سنويا)، إلى المستوى المتدني( 4.2%)، وآلأخير هو أيضا أقل من متوسط التضخم المستورد البالغ نحو 7.5% خلال نفس الفترة( 1987-2010)، وهو لا يمكن أن يحصل في بلد ذي إقتصاد ريعي، يعتمد في إستهلاكه على نسبة أكبر من 90% على الواردات من ألإنتاج آلأجنبي لتغطية جانب العرض في السوق المحلية، وإن حصل هذا كما  عشناه في ظل ثورة سبتمبر، مما يؤكد  آلإعتقاد بوجود دعم قوي يكبح التضخم المستورد ،ألأمر الذي يستدعي وجوب وضع سياسة دعم حكيمة ،لا إفراط ، ولا تفريط، لا ضرر ولا ضرار ،وبأقل تكلفة ممكنة.

وإذا بلغ متوسط معدل التضخم المحلي نحو 4.2% سنويا خلال فترة التخفيض ألأول (1987-2010)،وأن نسبة التخفيض الكلية آلأولى قد بلغت نحو 324%

(1.2547- 0.296)\0.296)=3.23885 )، ونسبة التخفيض الحالية ( في شكل ضريبة على سعر الصرف) قد بلغت 183% ، إذن بعملية التناسب يكون متوسط معدل التضخم المحلي نحو 2.4%، إذا بقي الدعم سخيا، ولكن هذا مستبعد حاليا، إذن يمكن أخذ متوسط التضخم السنوي الفعلي الذي بلغ نحو 13.0% خلال الفترة (2011- 2017) فيكون متوسط التضخم المتوقع الجديد بعد ثورة فبرايرمع توفر سياسة حكيمة للدعم نحو 7% ،(13% ÷3.24)×

1.83=7.343%).وهنا تجدر الملاحظة بأن هذا التحليل المذكور يخص ألإقتصاد الكلي من جهة، وإن أي ضريبة تفرضها الحكومة سواء كانت على السلعة أو النقد الأجنبي تكون قابلة للنقل للمستهلك في المدة القصيرة أو المتوسطة . أما بالنسبة للإقتصاد الجزئي، فلكل منشأة إقتصادية خصوصيتها ، صغيرة أم كبيرة، السلعة ضرورية أم كمالية، الطلب على السلعة مرن أم غير مرن، أهمية النقد الأجنبي في مكون السلعة، إذ لتنوع تلك الخصوصيات صفة السهولة أو الصعوبة في نقل عبء الضريبة إلى المستهلك.

2= ألأثر على ألإنتاج المحلي: لا شك أن التضخم المحلي سيكون في صالح ألإنتاج المحلي خلال السنة ألأولى، عندما تبدأ التوقعات الفعالة به، واسعة ألإنتشار،وفي الغالب يصل التضخم إلى وضع إستقراري مقبول خلال السنة الثانية أو الثالثة، حسب قوة إستجابة المتغبرلدرجة ألإبطاء، كما هو في ليبيا.

ولكن آلإنتاج الوطني سواء  كان يعتمد على المواد الخام المحلية أو ألأجنبية، فإن تخفيض قيمة العملة الوطنية يزيد من القدرة التنافسية للإنتاج المحلي، وهذا هو الهدف آلأساسي الذي جعل إقتصاديي القرن العشرين( بعد الكساد الكبيرسنة 1929 ،وسقوط فكرة سك العملة بآلمعادن الثمينة،وآلإعتماد على النقود الورقية والنقود المصرفية فقط) يعالجون ركود السلع التصديرية بتخفيض أسعارها من خلال تخفيض قيمة العملة الوطنية ، فيزداد الطلب على السلع التصديرية حسب أهمية المرونة السعرية للطلب ( مرن ،غير مرن ) ، فيحصل نوع من الرواج المرغوب المرتكز على النصب والخداع، ولكن سرعان ما يسهل محوه بالتخفيض المقابل، ويصعب الرجوع فيه ،حتى وُصفت هذه السياسة بأنها غبية، تجلب العار للدولة، لانها تبخس وحدة قياس القيمة التي تعهدت الدولة بالمحافظة على إستقرارها، وتزيد من مستوى المشقة الإقتصادية لشعبها، بدلا من زيادة الرفاهية الإقتصادية له . كما تجلب هذه السياسة  الفقر للرعية، لأن أضرارها ( التضخم والبطالة وآنخفاض آلإنتاج ) أكثر من منافعها (تغطية العجز وزيادة آلإنفاق الحكومي )، مما وجب تركها أخلاقيا ودينيا.وليبيا حالة خاصةلا تملك سلعا تصديرية يستوجب تخفيض أسعارها لرواجها، وجلب الدولار، لكن ليبيا إقتصادها ريعي تملك النفط ، الذي يتحدد سعره بالدولار في السوق الدولية،

ليس في ليبيا ، وليس بالدينار الليبي،وبالتالي وجب القول إن سياسة تخفيض قيمة العملة الوطنية، ليست ملائمة للإقتصاد الليبي، ولكنها تزيد من المشقة ألإقتصادية للشعب الليبي، ألأمر الذي يتطلب الرجوع في قرار فرض ضريبة على تحويلات النقد ألأجنبي، والرجوع إلى الحق يعتبر فضيلة.

3-ألأثر على القوة الشرائية:سبق أن ذكرنا أن ألأثر آلأول لتخفيض قيمة العملة هو زيادة التضخم، بنفس النسبة أو أقل ، أي زيادة أسعار السلع والخدمات في السوق،

مما يجعل القوة الشرائية ( ق ش )في شكل السلع والخدمات تنكمش بنفس النسبة، وتكون كمية أقل ، لأن القوة الشرائية للدينار تساوي قيمة الدينار مقسومة على الرقم الفياسي للأسعار( ع )، أي ( ق ش = 1\ع).وإن كان سعر الصرف لا يؤثر مباشرة في القوة الشرائية للدينار، إلا أن التأثير غير مباشر من خلال أسعار الواردات، ومن خلال أسعار ألإنتاج المحلي،وإذا كان ألإنتاج المحلي غير ذي أهمية في السوق المحلي   ، فإن الرقم القياسي لأسعار الواردات يصبح ذا أهمية كبيرة في التأثير على  مستوى التضخم، ويصعب على السياسة النقدية أن تكون فعالة في هذا الشأن، بآستثناء مواجهة التضخم الخفيف الناشئ من التوسع في عرض النقود بسبب التوسع في آلإئتمان لصالح الواردات ، كما هو الغالب قي البلدان النامية، كثيرا ما تكون السياسة النقدية مدعمة للسياسة المالية، وغير قادرة على ضبط ألإفراط في آلإنفاق، وتفادي العجز في الموازنة، فيحصل الضرر بآلإقتصاد، ويتضخم الدين العام، حتى ينفجر من خلال سعر الصرف ،كما حصل في عامي 2002 و2003 ،حيث تم التخفيض الرسمي ألأول، وكسبت الدولة أكثر من 8.0 مليار دينار، فسدد الدين العام بآلكامل في شهر إبريل 2004، وهو في جدود مبلغ 8 مليار دينار. تعافت وزارة المالية من أعباء الدين العام، لكن الدولة قد طعنت في سيادتها، فأصبح الدينار يساوي 76.9 سنت أمريكي في نهاية 2003، بعد أن كان يساوي 3.378 دولار في نهاية 1973 ، و2.220 دولار في نهاية 1998 ، و1.538 دولار في نهاية 2001 ، ثم حصل إستقرار نسبي خلال الفترة ( 2003-2017) ليكون د ل = 73.55 سنت في نهاية 2017.لكن التخفيض الجديد قد زاد من تقليل أهميته كوحدة قياسية للدينار ليصبح الدينار يساوي 25 سنتا أو أقل،لذلك فإن آلية التنظيم ألإقتصادي لا تسمح بنجاح هذه ألإصلاحات، لأن معظم المؤسسات التابعة للدولة،يجب إستثناؤها لأن مكون الدولار مهم في إنتاجها مثل :شركات :الطيران الليبي، الكهرباء ، الإتصالات ، الحديد والصلب، بل حتى مشروع إستبدال الدعم العيني بالدعم النقدي، غير ممكن تنفيده، لأن التخفيض الحالي يستدعي زيادة الدعم النقدي، فيكون العبء أكبر وأثقل على الدولة.

4-ألأثرعلى الثروة القومية: لا شك أن ألأثر التضخمي سيلحق كل أصل من أصول الثروة القومية، بنسبة تكبر أو تصغر وفق شدة الطلب الفعال على هذه آلأصول.

ألأصول العينية بآختلاف أنواعها ، وآلأصل البشري لا يلحق بها الضرر ألإنكماشي

، ولكن يلحق به التضخم ، لا لزيادة الطلب على العمل ، ولكن بسبب زيادة تكلفة المعيشة التي خفضت القوة الشرائية للأجور، مما يحفز النقابات بالمطالبة برفع ألأجورلغرض رفع قوتها الشرائية إلى المستوى الذي كانت عليه. بينما آلأصول النقدية، هي وحدها تتضرر بآنكماش قيمتها الحقيقية، لأن الدولة هي التي تحدد القيمة آلإسمية للعملة الوطنية، بعد فشل الدول آلكبرى في المحافظة على تحديد قيمتها على أساس سعري الذهب والفضة. من آلأصول النقدية التي يلحقها ألإنكماش هي آلأصول التالية :-

  • السيولة العامة في النشاط آلإقتصادي، وتتكون من عرض النقود الموسع المتعارف عليه بالرمز ( ن2 )،إذ بلغ رصيد السيولة العامة نحو 14.052

مليار دينارفي نهاية 2003 ، مقابل نحو 123.913 مليار دينار في نهاية سبتمبر 2018. وإذا علمنا أن التخفيض الرسمي ألأول في عامي 2002 و2003 كانت نسبته 57.7%( غير آخذين في الحسبان تدرج التخفيضات قبل عام 2002)، وأن نسبة التخفيض الحالي نحو 64.7%، مما يعني أن مقدار ألإنكماش قد بلغ 8.108 مليار ديناربعد عام 2003 ،ونحو84.701 مليار ديناربعد عام 2018، (بعد إضافة 7 مليار دينار كعملة مصدرة في مدينة البيضاء)،وإذا علمنا أن ودائع القطاع الخاص كانت في حدود 11 مليار دينار، فإن مقدار ألإنكماش في السيولة العامة، قد بلغ نحو 50.5 مليار دينار في ثروة القطاع العام، ونحو 34.2 مليار دينارفي ثروة القطاع الخاص أي ما بقي كرصيد حقيقي هو 5.944 مليار دينار، 46.212 مليار دينار على التوالي للتخفيضين المذكورين. علما أن آلإنكماش الأخير في ثروة القطاع الخاص ، هو مكسب للدولة ، حتى أنه يحصل فائض لديها ، فتلجأ إلى تسديد الدين العام بالكامل للتخلص من أعبائه وأوجاعه ، كما حصل في عام 2004، وهي سياسة حكيمة ،يشكر عليها المحافظ آنذاك الدكتور أحمد منيسي الذي أقنع الدولة بأن فائض التخفيض يعتبرأرباحا وهمية ،وليست حقيقية  مما وجب محو الدين العام، لتخليص الدولة والجيل القادم من أعبائه،بدلا من إنفاقه توسعا في ألإستهلاك كما تعودنا .

لكن ربما عدم المساس بربط قيمة الدينار بقيمة وحدة حقوق السحب الخاصة، يشير إلى بريق من آلأمل يلمع من بين عتمة السحاب،إلا أن تجارب البلدان النامية التي في علمنا أصبحت لا تستطيع الرجوع ولو تحسن حالها.

  • ألإئتمان التجاري: وهي جميع القروض والتسهيلات ألإئنمانية التي تمنحها المصارف التجارية، حيث بلغ ألإئتمان التجاري نحو 6.773 مليار ديناربعد التخفيض ألأول ، ونحو16.504 مليار دينار بعد التخفيض الحالي.فينكمش رصيد القروض بالمقدارين 3.908 مليار دينار و10.678 مليار دينار بعد التخفيضين المذكورين على التوالي. يعتبر المقداران خسارة للمصرف مانح القروض، ومكسبا للمقترضين ( من رجال آلأعمال والتجار وغيرهم)، لأنه بمثابة سداد جزء من القروض، إلا أن المصرف لا يخسر، لأنه يتم تعويضه من خسارة المودعين لديه بسبب التخفيض ( وهي مكسب له لأنها في جانب الخصوم ). إذ المصرف لا يتأتر بالتخفيض، إذا كان رصيد حقوق الملكية

مغطى بأصول ثابته وآستثمارات عينية.لذلك نجد رجل آلأعمال الذي يعتمد على قدر كبيرمن آلإقتراض في تسييرأعماله، يرغب حدوث الموجة التضخمية لغرض زيادة أرباحه، ويرغب تبني الدولة لسياسة تخفيض قيمة العملة، ليكسب مقدارإنكماشها بسبب التخفيض،ناسيا أن الزيادة البسيطة، في آلأسعارمع إستقرارسعر صرف العملة الوطنية، يكون آلأفضل له لتحقيق معدل ربح مقبول قابل للإستمرار.

ج- قروض المصارف المتخصصة:وهي القروض التي منحتها المصارف

( الزراعي ،التنمية ، العقاري ،والريفي ) التي بلغت نحو 1.839 مليار دينارقي نهاية 2003 ، ونحو 10.5 مليار دينار في نهاية 2017 ،مما جعل أصحاب هذه القروض (المواطنون) تكسب نحو 1.061 مليار دينار، ونحو 6.794 مليار دينار، بسبب التخفيضين ألأول والحالي على التوالي.وهي خسارة تتحملها الدولة التي تملك هذه المصارف من خلال إنكماش رأسمالها بنفس المقدار،مما تضطر الدزلة من إعادة بناء رأسمالها من جديد، فيحصل  تقطع في معدل التنمية المستدامة، لأن التنمية المستدامة تتطلب معدلا مستقرا في أسعار السلع والخدمات من جهة، ومعدلا أكثر إستقرارا في سعر صرف العملة الوطنية من جهة أخرى.          ( يتبع إن شاء الله )

الدكتور نوري عبد السلام بريون المستشار ألإقتصادي ألأسبق، ومدير إدارة الرقابة على المصارف التجارية ألأسبق لمصرف ليبيا المركزي



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا