حول التوافق الوطني - عين ليبيا

من إعداد: عطية الأوجلي

تمر بلادنا هذه الأيام بلحظات حرجة في تاريخها؛ حيث تحتدم الصراعات المسلحة على جوانب عدة من أراضيها، وسط شلل الحكومة وانعدام فاعلية المؤتمر وغياب أي طرف يستطيع، وحده، أن يقدم حلولاً أو رؤية تجتمع الناس حولها؛ فكل الحلول المطروحة على الساحة (من التمديد للمؤتمر إلى محاولة استبدال أجسام غير منتخبة وغير متجانسة وغير شرعية به، كالقبائل أو العسكر) هي، في نهاية المطاف، استمرار للنهج نفسه الذي خلق الأزمة، وهو اعتقاد كل طرف أنه يستطيع أن يفرض رأيه ورؤيته على الآخرين، وغياب الحوار وروح التوافق الوطني.

ولقد علَّمتنا تجارب الغير أنه لا مخرج للبلاد سوى التوافق الوطني، والتوافق هو تسوية سياسية يجد كل طرف فيها الحد الأدنى من مطالبه ولا يجد فيها أي طرف مطالبه كلها؛ فالهدف من التوافق هو الخروج بالجميع من أزمة خانقة تطالهم جميعًا ولا يملك أي طرف حلها لمصلحته بالكامل. والتوافق يأتي عادة عند:

– اقتناع الأطراف كافة بأن استمرار الصراع فيما بينها لن يمكِّنها من تحقيق مصالحها، بل ينهك قواها، وقد يؤدي إلى تهديد وجودها.
– وجود ضغط قوي من الشارع باتجاه التصالح والتوافق.

– وجود تدخل دولي وإقليمي يدفع باتجاه التصالح ويباركه. وفي الكثير من الأحيان، تقوم هذه الأطراف بضمان الاتفاق، مثلما حدث في اتفاق الطائف بين الأطراف اللبنانية، واتفاق دايتون بين الأطراف البوسنية، واتفاق الدوحة بين الأطراف الفلسطينية.

غير أن هذه التفاهمات والتوافقات لا تخلو من عيوب ومخاطر إذا ما:

– اتسمت بكونها مجرد صفقة سياسية تمنح الأطراف المتصارعة نوعًا من الهدنة وفرصة لتجميع قواها والتملص من التزاماتها عند أول فرصة.

– فشلت في كسب تأييد الشارع لها، وبالتالي منحها الشرعية والتأييد اللذين تحتاجهما لكي تتحول إلى واقع مُعاش.

– كانت الوثيقة السياسية فضفاضة بحيث تحاول تحقيق كل شيء وتحاول إرضاء جميع الأطراف بوضع مطالب متناقضة أو غير واقعية، أو كون الوثيقة بالغة الغموض وقابلة للتأويلات المتعارضة.

– عجزت الفئات المتصارعة عن إيجاد الآليات التي تمكِّنها من تحقيق بنود الاتفاق وعجزها عن الإتيان بشخصيات مستقلة ومنح هذه الشخصيات ما تحتاج من الدعم والعون والاستقلالية، لكي تتمكن من أداء الدور المنوط بها.

وعلى الرغم من هذه المخاطر، فالتوافق الوطني يظل هو الخيار المفضل والوحيد، ويظل خطوة شجاعة وحكيمة في الاتجاه الصحيح ويؤدي إلى تراكم الخبرات السياسية ويحقق نوعًا من الاستقرار، وقد يبني جسورًا من الثقة تؤدي فيما بعدُ إلى تفاهمات أكبر وأقوى وأعمق تأثيرًا، في المجتمع والدولة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا