دار الإفتاء بين الصيام السياسي والسخرية بالليبيين - عين ليبيا

من إعداد: سعد النعاس

كعادتنا مع نظام الجماهيرية السعيدة يأبى من يمسك بأزمة الأمور في ليبيا هذه الأيام ألا أن يجعل الليبيين حيارى يوم 29 شعبان ، هل سيصومون غداً أم لا ؟ لا يوجد معيار ثابت. ودار الإفتاء لم تشذ عن هذه القاعدة، فعندما يُسييس الدين ويحل الرأي الشخصي والمذهبي الضيق محل الرأي الجماعي، وعندما لا نسير على هدى قواعد ثابتة واضحة بينة حتى في صيامنا فالفوضى هي النتيجة المنطقية لهذا التخبط وفرصة لإخفاء الأسباب الحقيقية والشخصية وراء ذلك.
نحن ليس لدينا أدنى شك في أن دار الإفتاء والمشايخ في عموم ليبيا مسيسون حتى النخاع. وهذا ما تجلى في الانتخابات وبان بوضوح أكثر في إعلان شهر رمضان.

تعليل دار الإفتاء في إعلانها شهر رمضان قرابة منتصف الليل كان كالتالي : ” … وحيث أن الهلال موجود بالأفق بعد الغروب لدقائق قليلة في ليبيا وفي بعض بلاد الوطن العربي، ولكن رؤيته بسبب قربه من الشمس وقلة مكثه. وأن بعض أهل العلم حديثاً وقديماً يرون ثبوت الشهر بوجود الهلال في الأفق ولو لم ير بالفعل – ومنهم علماء المالكية البغداديون استنباطاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم :” وقال قال صلى الله عليه وسلم: «إنّما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له ”

وهذا البيان تفوح منه رائحة السياسة وعدم الأمانة العلمية والسخرية بالليبيين وفق التالي:

1- استند البيان إلى آراء الفلكيين القائلة بأن الهلال سيظهر في الأفق في المنطقة العربية ولكن لن يُتمكن من مشاهدته لقربه من الشمس !!!!! وهذا البيان الفلكي موجود ومتداول منذ أيام لا بل أسابيع، وهذه المقدمة تقودنا إلى نتيجة منطقية مؤداها أن دار الإفتاء كانت ستعلن رمضان سواء أشاهد الليبيون الهلال أم لم يشاهدوه.

ولكن العجيب أن تطلب دار الإفتاء من الليبيين أن يتحروا هلال رمضان وهي – كما تقول في البيان – قررت الاستناد على المعلومات الفلكية المتوافرة منذ أسابيع !!!!!!! أي أننا بالليبي( كنا صايمين على كل حال )) . أفليس من السخرية والاستهزاء بالليبيين الطلب منهم تحري رؤية شهر رمضان وأنت ستعلن الصيام حتى ولو لم يشاهدوا الهلال؟ لا بل أضعت عليهم صلاة التراويح في هذه الليلة.

2- يقول بيان دار الإفتاء : ” …. وأن بعض أهل العلم حديثاً وقديماً يرون ثبوت الشهر بوجود الهلال في الأفق ولو لم ير بالفعل – ومنهم علماء المالكة البغداديون استنباطاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” وقال قال صلى الله عليه وسلم: «إنّما الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غُمَّ عليكم فاقدروا له ….. ”

وللأسف نقول أن هذا البيان تعوزه الدقة العلمية. كما أن عدم الموضوعية فاقعة في صياغته وذلك من ناحيتين:

( أ ) –هذا الرأي هو المشهور عن الحنابلة وعن الإمام احمد بن حنبل – وان شكك البعض في ثبوت ذلك عن الإمام – حيث يقول النووي في المجموع : (قالَ أحمد بن حنبل وطائفةٌ قليلة : معناه : ضيِّقوا له، وقدروه تحت السحاب، من ” قدر ” بمعنى ضيق كقوله : (قُدِرَ عليه رِزْقهُ) وأوجب هؤلاء صيام ليلة الغيم “.

فدار الإفتاء يبدوا أنها خلاف ما تدعي حنبلية المذهب لا مالكية . ونحن نرى أنها لا حنبلية ولا مالكية في هذا الرأي ولكن ..

( ب ) – سياسية . نعم فالفتوى كانت سياسية بامتياز ، فالقصد هو الصوم مع السعودية ، وما الاستدلال بهذه الآراء إلا لتبرير ذلك ، فجيء بعبارة المالكية للقول بأننا لم نخرج عن المذهب المالكي ، فها هو رأي يتيم في المذهب المالكي ولا يمثل حتى 0.1 % من المالكية ، وإنا قيل ذلك ( عشان ما يزعلوش الليبيين ) . فالقصد – برأينا – كان تقليد السعودية والسير في ركاب من افطروا العام الماضي على رؤية كوكب زحل . وألا..

( ج ) – لماذا لم تبين لنا دار الإفتاء لماذا لم تأخذ برأي 99% من فقهاء المسلمين في هذا الشأن وأخذت برأي 1 % حيث يقول بقول النووي: ” ذهب مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وجمهور السلف والخلف إلى أن معناه: قدّروا له تمام العدد ثلاثين يوماً، ” .. وقالوا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاقدروا له) يفسره رواية أخرى وهي قوله: (أتموا العدة ثلاثين) فمعنى (اقدروا له) أي: أكملوا عدد شعبان ثلاثين يوماً ” . فهناك ثلاث روايات تصرح بإتمام عدة شعبان في هذا الشأن . ومنها بينها قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً “. وقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين”.

كما استند الجمهور بما روي بسند صحيح عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم)، و ما جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم من شعبان) “.
فدار الإفتاء لم تبين لنا السبب الجوهري في أنها لم تأخذ برأي السواد الأعظم من الفقهاء ، حوالي 99 % ، المستندة إلى أحاديث صريحة وقطعية الدلالة واستندت إلى رأي أقلية 1% تعتمد في رأيها على التأويل.

( د) لقد غابت الدقة العليمة والموضوعية عن هذا البيان . فحتى ولو أخذنا بالرأي القائل بصيام يوم الشك ، فالمقصود به كما قال النووي : ” …. (فإن غم عليكم) أي: جاء الغيم ولم تروا شيئاً ” … أي أن يأتي يوم 29 شعبان ويكثر الغيم أو الأتربة فلا نستطيع أن نجزم هل كنا سنشاهد الهلال أم لا في حال لم يكن هناك غيم أو أتربة ؟ ولكن الحال في ليبيا أننا لم نستطع ولم نكن نستطع مشاهدة الهلال ليس بسبب الغيوم أو الأتربة ، بل لأن الرؤية متعذرة أساساً رغم أن السماء صافية، فالهلال لم يكن سيظهر بسبب قربه من الشمس . أي أن الحنابلة الذين استند عليهم البيان السياسي لدار الإفتاء ومنهم الأمام احمد بن حنبل لو كانوا موجودين في ليبيا ليلة 29 شعبان ولم يروا الهلال لأتموا شعبان 30 يوماً ، فالسماء كانت صافية وخالية من الغيوم . وهل كانت دار الافتاء ستفتي بذات الفتوى لو لم تعلن السعودية الصيام؟

مع أن بيانات الفلكيين العلمية الدقيقة أكدت استحالة رؤية الهلال في جميع البلدان العربية بما فيها السعودية . فلا ندري ما الذي شاهده السعوديون ؟ هل هو كوكب زحل كما حصل في عيد فطر العام الماضي؟ أم هؤ المشتري أم بلوتو؟
فبيان دار الإفتاء ابتعد عن الدقة العليمة والموضوعية. وهو رأي نشاهده في ساحات المحاكم عندما يكون الحكم موجود مسبقاً في ذهن القاضي (وفي حالتنا هنا هو تقليد السعودية) فيذهب القاضي إلى الكتب القانونية وآراء فقهاء القانون ليفتش عن رأي يسند قراره المتخذ سلفاً ولو لم يكن ينطبق على الواقعة محل الحكم. وليس كما تقول الأصول العلمية والمهنية بان العكس هو الصحيح.

3- برأينا يجب إلغاء دار الإفتاء، فهي تحاول أن تجعل من نفسها سلطة ودولة داخل الدولة، لا بل وتحدث من الإشكاليات السياسية والدينية أكثر مما تنجح في حله. ولذلك نرى من الواجب إعادة الأمر إلى أصحابه ، بأن تكون المحاكم وعلى رأسها المحكمة العليا هي المرجع في إعلان هذا الشهر وشهر شوال من عدمه وفق قانون واضح صادر من البرلمان الليبي يبين فيه بنصوص ثابتة وواضحة قواعد الطريقة المتبعة في الإعلان عن شهر رمضان وشهر شوال على أن يكون المخول بذلك السلطة القضائية وعلى رأسها المحكمة العليا. لكي لا يكون مصير الليبيين معلق في آراء شخصية تتغير بحسب الأحوال بدون وجود قاعدة ثابتة واضحة تعتمد عليها في ذلك.

وفي الأمور الأخرى فكل مسلم لديه شيخ أو مذهب يطمئن إليه عند الحاجة إلى فتوى ما ، ولسنا بحاجة إلى فرض دار إفتاء مسيسة تحدث من الإشكاليات ما نحن في غنى عنها وليست محل إجماع ، لا بل جاء فرضها واختيارها بطريقة دكتاتورية وعن طريق التعيين وبدون استشارة الشعب في ذلك.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا