دور الإعلام في مكافحة الفساد - عين ليبيا

من إعداد: مصطفى الحامدي

الفساد ليس بظاهرة جديدة بل أن جذوره تمتد إلى أبعد نقطه من تاريخ تكوين المجتمعات البشرية وهو ظاهرة دولية وإقليمية ومحلية ومجتمعية، فلا تكاد تخلو حقبة تاريخية أو مرحلة زمنية منه، فكل الحضارات التي ازدهرت أو اندثرت أو نظم سياسية سقطت، أو هبات، أو ثورات، إلا وكان لظاهرة الفساد العامل المحرك، أو الفاعل فيها.

يؤدي الفساد الإداري والمالي إذا ما انتشر في مجتمع ما إلى عرقلة النمو الاقتصادي، وتراجع مستويات التنمية الاقتصادية فضلا عن إضعاف الدولة خارجيا وعدم الاستقرار السياسي. هذه القراءة المبسطة ينطبق تماما على أوضاع الفساد الذي تعيشه ليبيا منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث يحتل البلد المرتبة 172 من بين 180 بلدا شملها المؤشر الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية للعام 2021م، لتكون بذلك ضمن قائمة الدول التسع الأكثر معاناة من الفساد.

أما عن أسباب الفساد وارتفاع مستوياته إلي درجة كبيرة، فهي كثيرة ومتعددة يمكن تلخيصها في الآتي:

  1. انقسام المؤسسات والصراع بين الشرعيات الموازية
  2. ضعف القوانين والتشريعات المختصة بمكافحة الفساد
  3. المحاصصة القبلية ومنطق التثليث الجغرافي للمناصب خصوصا السيادية والذي لن يبني دولة وطنية، ولن يحقق تنمية حقيقية، بل سيعزّز من الانتماءات القبلية والجهوية والتي ستشكل احد المسارات التي تساعد علي الفساد بل وتحميه ولعل الشواهد علي ذلك كثيرة
  4. عدة أسباب أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها منها، غياب الوعي الشعبي وضعف وسائل الإعلام، وغياب شبه كامل لأي دور للمجتمع المدني

إن محاربة الفساد ومكافحته لا يقتصر على سن التشريعات أو مجابهته بأدوات قانونية بحتة بل تتطلب العملية تكاثف الجهود كافة وتوظيف جميع الوسائل والتي يأتي على أبرزها دور الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والتي هي محور ورقه العمل هذه.

وسائل الإعلام أحد أهم وسائل الضبط الاجتماعي التي تعمل على غرس القيم الأخلاقية وتعزيز الممارسات الاجتماعية السليمة نظرا كونه يؤثر بشكل كبير في وعي الناس وتوجهاتهم، بل ربما يتجاوز ذلك كما يقول الدكتور علي أبو ليلة، أستاذ النظرية في علم الاجتماع، في أنه “يدعم دافعية الفاعل نحو الفعل، أي يؤسس الحماس نحو الفعل لإنجازه” ومن هنا تمكن أهمية دور الإعلام في محاربة الفساد من خلال نشر الوعي الوقائي والأخلاقي بين أفراد المجتمع وتنظيم حملات توعية للرأي العام لدعم مكافحة الفساد، كما يمكن أن يقوم الإعلام من خلال وسائله المتعددة ومنافذه المتنوعة من تبني سياسة إعلامية مناهضة للفساد تقوم على تضمين برامجه الإعلامية وأدبياته الصحفية وتقاريره المختلفة لحض أفراد المجتمع ككل علي انتهاج السلوكيات الإيجابية في التعامل مع أجهزة الدولة ومؤسساتها، مبرزة في ذات الوقت مساوئ الفساد وأثاره المدمرة على المجتمع والأفراد.

غير أنه وفي مجتمعاتنا العربية بشكل عام وفي ليبيا بشكل خاص يعيش الإعلام أسوأ أحواله نتيجة الانتهاكات المتكررة التي طالت العديد من الوسائل الإعلامية وتعرض عدد من الإعلاميين إلى القتل والخطف والابتزاز مما حد بالكثيرين إلى الركون أو التغاضي عن أداء رسالتهم الإعلامية والتي يأتي على رأسها إنارة الرأي العام بالحقائق وكشف الفساد إضافة إلى ما يعانيه قطاع الإعلام من هشاشة البنية التحتية، حيث تفتقر المؤسسات والصحافيين العاملين فيها إلى الموارد المعرفية والإمكانيات اللوجستية التي تؤهل العاملين في مجال صناعة المحتوى الإعلامي الذي يلبي حاجات المتلقي من المادة الإعلامية والصحفية بشكل مهني وفق طرح موضوعي ينسجم مع مسؤوليات المهنة.

إن مسيرة النضال ضد ظاهرة الفساد ومحاربته تتطلب توافر آليات كثيرة والتي يحتاجها الصحفيين والإعلاميين يأتي على رأسها ضرورة ضمان حرية الصحفيين وحياتهم وعدم تعرضهم للتهديدات مع توفير ضمانات للعاملين بالمهنة   بالوصول إلى مصادر المعلومات وفقاً لقاعدة الحق للنفاذ للمعلومات، كحجر أساس لمكافحة الفساد. والإحصاءات والأخبار المباح نشرها طبقاً بما ولا يتعارض مع القانون والتشريعات ويعطي ضمانات بعدم ملاحقة الصحفيين والتضييق عليهم، أيضا تتطلب مكافحة الفساد ضمان حرية واستقلالية وسائل الإعلام، أيضا يجب العمل على تهيئة الظروف الاجتماعية والمهنية التي تحقق  للصحفي استقرارا ماديا واجتماعيا يؤهله للعمل النزيه دون أي ضغوط بعيدا عن المساومات الرخيصة والابتزاز.

إن الإعلام إذا توجه على مسارات سليمة، والعاملين فيه يلتزمون بالمهنية الصحفية وأخلاق المهنة غير مؤدلجين ولا خانعين فأنه سيشكل أحد الوسائل المهمة لمكافحة الفساد نظرا لما يلعبه من دور مهم في تهيئة الرأي العام وتوجيهه والتأثير في مساراته.

إن الدولة الليبية لن تتمكن من مجابهة هذه الظاهرة إلا بوجود الوعي ﻭﺍﻟﺘﺜﻘﻴﻒ الجمعي الذي يعتمد على إبراز المخاطر والآثار السلبية التي تنتج  عن الفساد، إضافة إلى تعزيز وتفعيل المنظومة القانونية، وتحقيق الأنصاف والعدالة أمام القانون وإيقاع العقاب الرداع على الفاسدين.

في الختام أستشهد بكلام قد يلخص ما نحتاجه لمكافحة ظاهرة الفساد التي استشرت في كامل مفاصل الدولة يقول صاحب الظلال: “الطغيان لا يخشى شيئًا كما يخشى يقظة الشعوب، وصحوة القلوب، ولا يكره أحدًا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة، ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية”.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا