عقيلة و نوري أبو سهمين، تقارب في الوقت الضائع! - عين ليبيا
من إعداد: د. عبيد الرقيق
لقد ظن البعض ان طرفي الصراع في ليبيا هما مجلس النواب والمؤتمر العام على وجه العموم، باعتبارهما الجسمان التشريعيان في ليبيا اليوم!، لكن الذي يعيش الواقع الليبي مباشرة يدرك جيدا ان اطراف الصراع الحقيقي في ليبيا ليسوا مجلس النواب والمؤتمر الوطني، بل هم اطراف تواجدت في كليهما وأصرت ان تفرض ارادتها في كل منهما برغم اقليتهم العددية! وتمكنت من الاستحواذ على الرئاستين، وتلك الاطراف تتمثل في بعض التيارات الدينية وأخرى جهويّة.
ان الخلافات الداخلية بين اعضاء المؤتمر الوطني انفسهم وبين اعضاء مجلس النواب انفسهم، كبيرة ومتشعبة بالدرجة التي لم تسمح بنشوء اي توافق عددي يحقق الحد الادنى من الاغلبية، التي يتطلبها اتخاذ القرارات في كل منهما، ولذلك كانت الغلبة دائما للكتلة التي تمتلك القوة على الارض، بغض النظر عن حجمها العددي ولهذا فانه من العبث الاعتقاد بأن اي من مجلس النواب او المؤتمر يعمل بالية طبيعية ويمثل رأي الاغلبية فكلاهما واقعيا لا تتوفر فيه الشروط الموضوعية ولا المهنية بالمقياس التنظيمي، هذا الى جانب وجودهما الغير طبيعي في وقت واحد معا!، لان المنطق السليم هو اختفاء المؤتمر الوطني الذي يفترض ان سلم المهمة لمجلس النواب، بعد ان قام هو ذاته بالإشراف على انتخاباته!
المتتبع لمجريات الحوار الليبي يدرك تماما ان الخلاف بين رئاسة مجلس النواب ورئاسة المؤتمر، هو الذي عرقل ويعرقل الحوار والتوافق الوطني في ليبيا، ولهذا واجه الحوار الذي ترعاه الامم المتحدة صعوبات كبيرة طيلة اكثر من سنة كاملة من الجولات الحوارية، وبرغم تمكن ليون من الوصول الى صيغة لاتفاق سياسي بين الليبيين، لكن بمجرد الاعلان عنها بادر المتحكمون في الرئاستين بالإعلان عن رفضهم لها، فتعمدوا المماطلة وكسب الوقت بتغيير الوفد المفاوض في المؤتمر اولا ثم تبعه محاولة التغيير في مجلس النواب، مما جعل التوافق صعب المنال .
وبعد ان يئست الامم المتحدة من الرئاستين الموجهتين!، وأدركت انهما لا يمثلان النواب او المؤتمر رأت ان تحسم امرها وان تعلن عن دعمها لمسودة الاتفاق، ومن باب الدفع للانجاز، قررت تغيير ممثلها نزولا عند رغبة الطرفين، وكلفت كوبلر بإكمال المهمة الذي بادر بالإعلان صراحة عن استمراره من النقطة التي انتهى عندها سلفه ليون، والمضي قدما في تحقيق الاتفاق السياسي على الارض بأسرع وقت ممكن، وبعد ان فقدت الامم المتحدة الامل في الرئاستين، اتجهت الى التعامل مع اعضاء المؤتمر والنواب مباشرة، من خارج نطاق مجموعة الرئاستين، فوجدت التجاوب المطلوب من الكثير منهم سواء من اعضاء المجلس او اعضاء المؤتمر وما يؤكد ذلك هو التقائهم وتوافقهم وتوقيعهم على الاتفاق السياسي في الصخيرات بدون الرئاستين!.
وعندما احست رئاستا مجلس النواب والمؤتمر بان الامم المتحدة قررت تجاوزهما، وعزمت على المضي قدما في سبيل ايجاد حكومة توافقية مؤقتة، حاولتا استباق الامور وسعيتا الى عقد لقاء محدود بين مجموعة من النواب وأعضاء المؤتمر وأعلنوا ما اسموه “حوار ليبي ليبي” بتونس في محاولة يائسة تستهدف عرقلة او تأجيل الاعلان عن حكومة التوافق، ثم تبعه لقاء اخر بمالطا بين الرئيسين عقيلة وبوسهمين!، وصولا الى اللقاء الاخير في سلطنة عمان، مباشرة قبيل اعلان مجلس الامن دعمه للاتفاق السياسي! لقد كان حريا بالرئيسين الذهاب معا والتوقيع على الاتفاق في الصخيرات لا الذهاب الى مالطا والالتقاء بنكهة مراسمية لدولتين وليست دولة واحدة!
ان هذا التقارب بين الرئاستين هو في الواقع نوع من العبث السياسي الذي تعودنا عليه في ليبيا اليوم، فهو يأتي في الوقت الضائع ولن يجدي نفعا، بل انه قد يزيد الامور تعقيدا والوطن انقساما، اليس منطقيا ان نسأل الآن: ما الذي كان يمنعهما من الالتقاء خلال سنة ونصف مضت؟!، فقدت فيها ليبيا الكثير من ابنائها وتكبدت خسائر مادية جسيمة!؟ اليسوا هم انفسهم الذين اختلفوا على مجرد اشكالية التسليم والاستلام المصطنعة!؟ لكنهم وان حاولوا استغفال البعض، فتقاربهم اليوم يأتي في الوقت الضائع، بعد ان سحب البساط من تحت اقدامهم ! فقد قضي الأمر وغادر القطار المحطة!
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا