حوار الضرائر والشعب الحائر!! - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

ما يبعث على الدهشة والحيرة ونحن نراقب ونتابع الوضع الليبي الراهن المرتهن، هو ذلك الحد من الاسفاف والقصور في الادراك، لدى الكثير من حكام الصدفة الذين يتصدرون المشهد السياسي الليبي الغارق في وحل الفوضى، فهم ما فتئوا بين فينة واخرى يطلّون علينا بجديدهم القديم!، الذي يتمحور اساسا حول التمسك بتلابيب المناصب والمكاسب مهما كلف ذلك من ثمن! ولو ببيع وطن احتضنهم بأبخس الاثمان! غيران تكرار اساليبهم وخدعهم الهادفة الى بقائهم في السلطة لم تعد تنطلي على احد، الا اولئك البسطاء الذين قد يصدّقون كل ما يسمعون ومستعدون لتكذيب نصف ما يبصرون!

لقد رأى الخيرون من ابناء الوطن، ان ليبيا خلال وبعيد حرب 2011 دخلت منعطفا خطيرا، لا يمكن اجتيازه الا من خلال حوار وطني شامل، يضم اطراف الصراع الذي تولّد دون استثناء، وتقدمت مع غيري من الليبيين بعديد المبادرات التي تدفع في اتجاه التسريع بالحوار الوطني الشامل، وكان ذلك منذ الشهر العاشر في عام 2011 ليقيننا بأنه لا سبيل لخروج الوطن من ازمته الا من خلال التصالح والحوار، لكن وبكل اسف كان هناك من يعارض بشدة، فتارة يتحجّجون بأن الوقت لم يحن بعد وتارة اخرى بأن للحوار شروط يضعها المنتصرون!! حينها كنّا نتحسّر كمدا لأيماننا بأن الوطن لا يمكن اعادة بنائه الا من الجميع وبالجميع، وان المصنّفين بالمنتصرين لا يقوون على حمل الثقل لوحدهم، فالحمل كبير يتجاوز حدود طاقتهم ولا قدرة لهم على حمله منفردين! وان من كانوا يصنفونهم بالمهزومين، هم في الواقع الاغلبية من الشعب التي اختارت الحياد في معركة تقاتل فيها الليبيون وتقاسموا خسائرها جميعا دون استثناء.

لكن مبادرات الحوار تلك لم تر النور، بل بقت حبيسة ادراج الساسة من المجلس الانتقالي الى المؤتمر الوطني وكل حكوماتهم المتتابعة، ولم يعط اولئك الساسة للحوار اهمية، ويبدوا انهم ارتضوا ان يتحاور الليبيون عبر حميم الرصاص المنطلق بدوافع الانتقام والقصاص، في محاولة للتمكين وفق قانون القوة لا قوة القانون!، كل ذلك حصل ويحصل لأجل مكاسب ومناصب استحوذ عليها البعض في غفلة من التاريخ من خلال صدفة لا متوقعة وهبتها الاقدار في حين غرة لمن لا يستحقّها ويقدّرها! وحين اوغلت الحرب بين الليبيين وتبيّن للعالم – الذي كان يراقب المشهد عن كثب – ان الليبيين قد ظلّوا الطريق وانزلقوا في متاهات الفوضى، وهو يعي انه السبب الرئيس، رأى ان يتدخل من خلال حوار ترعاه الامم المتحدة، يجمع المتنازعين عن السلطة من الليبيين، وهنا كان لزاما ان يتم الحوار بين الضرّتين اللاتي فرضهن واقع ليبي فوضوي وهما المؤتمر الوطني ومجلس النواب!

المدهش بعد اكثر من سنة من الجولات الحوارية التي ترعاها الامم المتحدة يخرج علينا بعض ممن يمثلون الضرتين! بخدعة اشبه بسراب الصحراء، ليعلنون عن اتفاق بين البرلمان والمؤتمر تحت مظلة حوار اسموه (ليبي ليبي)!!! فيا للعجب متى كان الحوار السابق غير ليبي ليبي؟! اليسوا هما الطرفان الرئيسان في كل الحوارات السابقة؟! وهل يعني ذلك غير اعتراف صريح بأنهم كانوا مجرد بيادق في ايدي اخرين!، ام انهم كانوا في غيبوبة والآن فقط تحسّسوا جنسياتهم واعترفوا بليبيّتهم!! انها لسخرية القدر في زمن العبث المقرف، فما اشد سخفهم الذي يجعلهم يستغفلون الليبيين بخديعة اخرى! لكنها وان تنطلي على البسطاء الذين يصدّقون ما يسمعون مباشرة دون تريث وتفكير! لن تنطلي على العارفين بهموم الوطن المدركين لمآلات الوضع الليبي، الذين هم على يقين تام بأنها مجرد خدعة ساذجة، غايتها كسب المزيد من الوقت في محاولة لاستمرارهما  في الحكم اطول وقت ممكن! انه مجرد حوار بين ضرّتين لا تطيق احداهما الاخرى يقف الشعب حائرا بينهما!

امام كل متاهات العبث وفوضى المؤتمر والبرلمان لا يملك المرء إلا ان ينبه الى ان هاتين الضرتين لا يمكن لهما بحال من الاحوال الاتفاق على قيادة ليبيا لبرالامان، كونهما تتفقان في حب المناصب والمكاسب وتلتقيان في عدم فهم اولويات الوطن الجريح ومتطلبات المرحلة. ان اية محاولة للقفز على نتائج الاتفاق السياسي الشامل الذي ترعاه الامم المتحدة هو نوع من العبث السياسي الغير مسئول هدفه افشال ما تم التوصل اليه بعد جولات مارثونية شاقة، وهو بذلك يعد استهتارا بالليبيين وطنا وشعبا ودفعا لاستمرار معاناة قاسية تشتد على الوطن والشعب مطلع كل يوم جديد! من باب الانصاف لابد من تقدير موقف كل الذين دعموا الحوار السياسي من اخوتنا اعضاء البرلمان والمؤتمر فهم بذلك قد انحازوا لشعبهم ووطنهم، عكس الذين يلهثون ويصرخون بقصد افشال الحوار واستمرار الفوضى التي يروق لهم العيش فيها ويتلذذون بمعاناة الليبيين!

اذا من منطلق الواقع لا شرعية الا لحوار ترعاه الامم المتحدة التي هي من صنعت ليبيا كدولة بمنحها الاستقلال في 1951 وهي من مزقتها في 2011 ولا يجوز منطقيا ان تناقض نفسها الآن فتتركها تنقسم وتتلاشى! ويبدو ان الالتزام الاخلاقي اتجاه ليبيا من قبل الامم المتحدة يدعمه الخوف الاوروبي من الارهاب المتمترس خلف الدين الاسلامي خصوصا بعد ان اضحت ليبيا نقطة من نقاط تمركزه! ومن منطلق الواقع ايضا ليس امام الشعب الليبي الا دعم نتائج هذا الحوار فهو اهون الاضرار وهو افضل الممكن في واقع متفجر خطير!



جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا