تعالوا نبني وطن يا أحباب - عين ليبيا

من إعداد: ا.د. محمد بالروين

رسالة مفتوحة إلى السيد المحترم خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة:

لقد تفاجأت ولعلي لا أبالغ إن قلت لك انني أنصدمت عندما أستمعت إلى مقابلتك حول الوضع السياسي الراهن وخصوصاً “القضية الدستورية!” في “برنامج بلا حدود” على قناة الجزيرة يوم الأربعاء 06 يونيو 2018، ولعله من المناسب التعليق -وبإيجاز شديد- على أهم ثلاث قضايا تعرضت لها في هذا اللقاء:

أولا: المرجعية قلت بان “المرجعية هي الاتفاق السياسي، وهو الإطار الوحيد للحل السياسي.” وهذا في الحقيقة شيء جميل، ولكن يبدو انك لم تقرأ، يا سيادة الرئيس، من هذا الاتفاق الا ما تُريد قراءته! فعلي سبيل المثال، يبدو انك لم تقرأ، باب العملية الدستورية (أي المواد 47 – 52) من هذا الإتفاق! وخصوصا المادة (51) ، التي تنص علي ان “تقوم الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور بإستشارة كل من مجلس النواب ومجلس الدولة حول مسودة مشروع الدستور فور الانتهاء من صياغة المسودة النهائية وقبل ارسالها للإستفتاء عليها، علي ان يتم إرسال ملاحظات تلك الجهات مكتوبة للهيئة خلال شهر من تاريخ أستلامها لمسودة مشروع الدستور.” فهل قام مجلسكم يا سيادة الرئيس بواجبه في هذا الشأن؟!! وهل قام بأرسال ملاحظاتكم المكتوبة للهيئة كما نص هذا الاتفاق علي ذلك؟!! بالتأكيد لم تقوموا بذلك!!! ولكن معدورين، يا سيادة الرئيس، لان وقتكم لا يسمح بالقيام بمثل هذا الواجب الوطني المهم! وان وقتكم لا يسمح لكم حتي بقراءة الاتفاق السياسي كاملا!!

ثانيا: المحتوي أما بالنسبة لــ “محتوى” مشروع الدستور وتفاصيله الجوهرية فيبدو انها قضية غير مهمة بالنسبة لكم يا سيادة الرئيس!!! ولهذا فانت تطالب الشعب الليبي بالتصويت عليه بـ”نعم” دون قراءته ولا الاطلاع عليه. فقد قلت، عندما سألك مديع البرنامج: هل عندك أي تحفظات علي الدستور؟!!!، “أحنا الان مش بنبحت ماذا في الدستور!! أحنا الان نريد مرجعية أومظلة لنخرج بها!!!” تم أستمريت في الحديث قائلا: “أنا والله حقيقة لم أقرأ الدستور، وذاهب الي التصويت بــ “نعم.” وكل من أستطيع أن أُثر عليه من عائلتي أو أصدقائي أو غير ذلك سيصوت بــ “نعم” لغرض الخروج!” وبررت قرارك بعدم القراءه قائلا: “بعد ذلك لو في الدستور أي تشوهات، الدستور نفسه يسمح بعد خمس سنوات بأجراء أي تعديلات عليه.” ولكن هل تعرف يا سيادة الرئيس، ماذا سيحدت وماذا سنعمل لو واجهتنا أشكاليات دستورية صعبة وخطيرة ولم نستطيع حلها خلال هذه الخمس سنوات!!! فماذا سيكون الحل في رايك؟!!!

وبناءا على أجابتك، سألك مذيع الرنامج وبأستغراب شديد قائلا: “معقولة!! .. رئيس المجلس الأعلى للدولة لم يقرأ الدستور الجديد لليبيا؟!!” وكان أجابتك علي هذا السؤال أكثر غرابة، عندما قلت: “لماذا؟ .. لانني من كثر ما أحنا متلهفين لهذا الدستور، نحن على أستعداد ان نقبل بهذا الدستور كمخرج حالي، وآني، ووقتي” وأستمريت في تعليلك قائلا: “ان الخطوط العريضة كلها معروفة.. الخطوط العريضة للدستور أطلعنا عليها بشكل كبير!! ولكن التفاصيل لا! نحن علي أستعداد ان نذهب الي الاستفتاء علي الدستور كمظلة نخرج بها ليبيا!!!” كلام يا سيادة الرئيس غريب وعجيب حقا!! فهل يُعقل ان يكون هذا كلام أنسان مسئول وعلي قمت الهرم السياسي في الدولة!!!

ثالثا: الأستفتاء وفي ما يتعلق بالاستفتاء قلت: لازلنا نصر علي ضرورة الاستفتاء علي الدستور، مافيش حد يملك ان يمنع الليبيين من الاستفتاء علي الدستور الذي وضعته هيئة منتخبة” و ” هذه الهيئة صوتت علي كل مادة، وعلي كل كلمة في هذا المشروع!!!” تم أستدليت قائلا: “فيه دراسة وضعتها الامم المتحدة، فيها أستقراء لآراء الليبيين، وجدت ان 72% من الليبيين سيصوتون بـ “نعم” علي المشروع” وعندما سألك المديع: حتي دون ان يقرأوا مشروع الدستور؟ أجابت وبدون تردد: “نعم!!! الذين قرأوا مشروع الدستور وفقا هذه الدراسة هم 1.7% فقط. تم سألك المديع مرة آخري: “أنتم .. لديكم أي تحفظات علي الدستور؟! فكان ردك: أنا ما قراءت الدستور، لكن سنصوت بـ “نعم!”

الحقيقة ان المرء يحزن ويستغرب وهو يسمع لإجاباتك يا سيادة الرئيس، وأقل ما يمكن ان يُقال في هذا الصدد هو ان أغلب كلامك غير صحيح!! وغير دقيق!! وينبغي الا يُقال من شخصية مثلك، وذلك لانه كلام خطير جدا!! فهل يُعقل يا سيادة الرئيس ان يصوت شخص بـ “نعم” علي قضية من أهم قضايا الوطن دون ان يقراء مُكوناتها ويناقش ويفهم مُحتوياتها!! أليس من الامانة المهنية ان يكون المسؤول (أي مسؤول كان في الدولة) دقيق في الاستدلال بحججه! أن القول يا سيادة الرئيس بان “الهيئة صوتت علي كل مادة وعلي كل كلمة في هذا المشروع!!” هو قول غير دقيق وغير صحيح. والحقيقة ان الجلسة الختامية التي تم فيها التصويت علي هذا المشروع شابها الكثير من العيوب الإجرائية! ولم تستمر اكثر من 40 دقيقة، تم فيها التصويت علي المشروع كـ “حزمة واحدة”، دون نقاش ولا مداولات حول مواده، بالرغم من ان اللائحة الداخلية للهيئة أشترطت مناقشة مواد المشروع “مادة مادة” من قِبل الهيئة مجتمعة (ويمكنك مشاهدة تسجلات هذه الجلسة للتأكد من ذلك)، والاكثر غرابة في هذا الامر ان سيادتك (من أجل دعم موقفك فيما يتعلق بمشروع الدستور) استدليت بدراسة (غيريبة، وهي بالتأكيد غير موضوعية وتفتقد لإبسط معايير المنهجية العلمية)، فقد قلت بان الامم المتحدة قامت بدراسة لأستقراء آراء الليبيين، ووجدت ان 72% من الليبيين سيصوتون بـ نعم علي المشروع” وعندما سألك المديع: صوتوا دون ان يقرأوا مشروع الدستور؟ أجابت وبدون تردد: “نعم!!! أن الذين قرأوا مشروع الدستور وفقا لهذه الدراسة هم 1.7% فقط. بمعني ووفقا لهذه الدراسة ان هناك حوالي 98.2% من المواطنيين لم يقراءوا هذا المشروع بعد!!

يا سيادة الرئيس هذه الدراسة التي تستدل بها لا قيمة علمية لها، ومن المؤسف انها تصدر بأسم الامم المتحدة!! والحقيقة ان المجال لا يسمح هنا لتفنيد نتائجها! ولكن دعني أسألك: هل عرفت نوع وحجم هذه العينة التي أعتمدت عليها هذه الدراسة؟ وهل أطلعت علي نوع الاسئلة التي تم طرحها في هذا الشأن؟! وماهو “هامش الخطأ” الذي أعتمدت عليه هذه الدراسة؟! وهل يُعقل ان يُسئل المواطنون علي موقفهم من مشروع الدستور قبل قراءته (للقادرين علي القراءة) وتوعية الآخرين بمحتوياته وأهميته؟! واذا كان الذين قرأوا مشروع الدستور وفقا لهذه الدراسة هم 1.7% فقط، فهل أخبرتنا هذه الدراسة، عن نسبة الذين سيصوتون بـ “نعم”، من بين هذه الشريحة؟!!! وحتي لو سلمنا بنتائج هذه الدراسة الغريبة، هل أدركت ان هناك حوالي 30% (بالتحديد 28%) من الذين لم يقراءوا هذا المشروع رفضوه!!!! فما بالك لو قراءوه وعرفوا ما فيه من أشكاليات!!!!

يا سيادة الرئيس، لا أحد عاقل ويؤمن بالعملية الديمقراطية سيعارض، من حيت المبدأ، موضوع الاستفتاء كمرحلة مهمة وضرورية من مراحل الوصول الي دستور توافقي ودائم للدولة. ولكن لكي يتحقق هذا الهدف السامي لابد من التمييز بين “محتويات” مشروع الدستور و”الآليات” الضرورية لتحقيق أستفتاء ناجح عليه. وبالتالي يا سيادة الرئيس، عليك وعلي جميع أنصارك ان يعوا بأن الاستفتاء الحقيقي والناجح يتطلب قراءة واضحة، واستماع جيد، ونقاش بنّاء لمحتويات مشروع الدستور، وايضا العمل الجاد علي توعية المواطنون بمزاياه وعيوبه حتي يستطيعوا أتخاد قراراتهم علي بينه، والا سيحدت لنا ما حدث لأخوتنا اليمنيين الذين كتبوا مشروع دستور عام 2015 ، ولكنه مات في الطريق ما بين أبوظبي وصنعاء!!

ختاماً، يا سيادة الرئيس
على كل من تحملوا أعباء قيادة الدولة في هذه الظروف الصعبة والحرجة أن:

أولا: يجب عدم توظف معاناة شعبنا الاقتصادية والمالية والصحية التي يعيشها هذه الايام، من أجل تمرير هذا المشروع المعيب، والذي يحتوي علي إشكاليات دستورية جوهرية عديدة، وان يتعهدوا بقراءته ومناقشته قبل الاستفتاء عليه.

وعليك يا سيادة الرئيس ان تعي بأنك “ممثل لكل الشعب” وان “الممثل مُثمن” ويجب ألا يخون الأمانة.

وعليك ان تتذكر انك في موقع المسئولية والريادة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا