رعيانك عليك إكثروا .. علىّ من أتحوشى يا غلم - عين ليبيا

من إعداد: فتح الله سرقيوه

بداية أسميحكم عذراً لشرح معنى هذه (الغناوة) فأهلنا فى البادية وهم أهل الموروث الشعبى لديهم سرعة البديهة بإمتياز ولديهم كذلك القدرة على فهم الأمور فى حينها ولا يُحبون تفصيل الكلام كثيراً ولا ترديده أو إعادته أكثر من اللازم ، بل يُفضلون من يفهم الإشارة والمعنى الخفى ، فهذه الغناوة قالها لى أحد الحكماء والوجهاء بمدينة درنه حيث سألنى قائلاً … يا بوبناخى إزعما الوطن وين ماشى .. قلت له يا شيخ فى خير ويرجى فى خير ولكنه إبتسم وقال .. الوطن يريد راعى زين وكثرة الرعيان أتودر الضان ونوحلوا فى لمها ، وهنا عرفت أنه غير راضياً على تعدد الأحزاب والتجمعات والتكتلات وتعدد الإيدولوجيات والتكالب على الشوخّة وما يدور على الساحة فى هذه الأيام ومن هنا قال تلك الغناوة (رعيانك عليك إكثروا …. على من أتحوشى يا غلم ) قلت له يا شيخ إنشاء الله تعالى ما أتحوش إلا على تريسها حُماتها الذين يحمونها ويحموا درّها.

يُقال … هناك أناس لا يعرفون الصبح إلا بشروق الشمس !!! وكأنهم لم يقرأوا أو يسمعوا بأن الصبح له علامات ومقدمات كثيرة … المهم ثورة الشعب الليبى لم تكن فجأة أو صُدفه أو مُغامرة غير محسوبة بل كانت علاماتُها وبشائرها تلوح فى الأفق منذ زمن بعيد وكانت واضحة المعالم لمن كانوا مُتابعين لما يحدث فى الداخل من ظلم وقهر وتنكيل فى السجون وتكتيم للأفواه وعدم تكافأ الفرص وإنتشار الأمراض والفقر وتحريض القبائل على بعضها وإنتهاك الأعراض لبعض المسؤولين من قبل رأس النظام حتى لا يقف فى وجهه أحد والتطاول على الدين الإسلامى وعلى سيد الخلق ونهب المال العام المُمنهج وعزوف ومقاطعة لما يسمى السلطة الشعبيه وهى تتمثل فى عدم حضور المواطنيين لما يسمى المؤتمرات الشعبيه وهو ما شكّل عصياناً مدنياً غير متفق عليه مسبقاً حيث وصلت الأمور إلى حضور إدارة المؤتمر لوحدها فقط وخوفاً من المسؤولية كانت الإدارة تقوم بتقديم تقاريرها بأن الأعداد تصل إلى الآلاف كذباً وزوراً!!

تلك كانت نقطة البداية التى إستشعر من خلالها النظام أن الأمر أصبح خطيراً للغاية وأن المناخ العام جاهز للعصيان المدنى ولكنه يعلم جيداً أن الأمر يحتاج إلى القيادة التى يفتقدها المواطنون فى الداخل حيث كان الجميع يعوّلون على البعض من شرفاء ليبيا الذين عارضوا النظام وشكّلوا جبهات للنضال فى الخارج ولم يستكينوا ولم يُساوموا على حرية الوطن من أجل منحة من أمريكا أو أوروبا أو صفقة أو توسط لعمل فى قطر أو الإمارات أو فى إحدى جامعاتها أو شركاتها ، بينما هناك آخرون يميلون مع رياح المصلحة الشخصية حيث تميل ولهذا كان البعض من شرفاء الوطن فى الداخل يتخوفون فى التعامل معهم لأن البعض منهم قد فتح قنوات مع النظام وأتذكر أننى كتبت لأحدهم رسالة أسأله كيف تم إيفادك إلى الخارج على حساب إحدى الشركات الأجنبية التى تعمل فى ليبيا ؟ أليس النظام على علم بهذا ؟ وكيف ذلك ونحن نعلم أن أجهزة القذافى الإستخباراتيه لا مثيل لها فى العالم العربى وربما العالمى فكيف تُقنعنى بأن النظام لم يوافق على إيفادك والصرف عليك بأن يُغمض عينيه مؤقتاً !! واليوم تقول بأنك معارض !! وهو ما يذكرنى بإحدى الشخصيات الليبية التى تتجول اليوم فى مدن الوطن غرباً وشرقاً وتتطلع لقيادة ليبيا وقد نست هذه الشخصية أنها يوماً كانت فى مقدمة الهتافين والموالين لأعتى المجرمين الذين قادوا دولة الظلم والعدوان بعد 1976م وهم من وافقوا على إيفادهم ودعمهم وحمايتهم فى الخارج فى تلك الفترة والدليل أن النظام لم ينساهم وقد إستعان بهم فى أيامه الأخيرة لعلهم ينقذوه لأنه يعرف مدى ولائهم له من خلال ما أغدقه عليهم من منح وأموال ولا شك أنهم زادوا فى عمره بضع سنوات وأنا لا أتحدث من فراغ ولكنى أتحدث من خلال وثائق ومستندات..

أقول …. ،، لو كانت لدينا معارضة حقيقية منظمة فى الخارج فى تلك الفترة ومُصانة من بعض ضعاف النفوس الذين إخترقوا صفوفها وتحولوا إلى عملاء لنظام القذافى أمثال شاكير وغيره من العملاء حيث إستطاعوا نقل أهم المعلومات للنظام وكشف أسرار تلك المعارضة التى لم تكن تعتمد السرية فى إتصالاتها وإجتماعاتها ناهيك عن ما يحدث بين أعضائها من مشاكل ومشادات فى إجتماعاتهم الدوريه والطارئة ، كل ذلك جعل منها معارضة سهلة الإختراق ، ولا أود أن أشير إلى إستخدام نظام القذافى للإغراء المادى والضرب على أوتار العودة للوطن والمشاركة فى الإصلاح وهى كلمة حق أريد بها باطل لأن النظام لم يكن يسعى الى الإصلاح بقدر ما يريد الهيمنة والسيطرة على بعض المُعارضين الذين يتخوف منهم نتيجة لأصواتهم القوية والمؤثرة إعلامياً والذى إستشعر منه النظام ان بإستطاعتهم وضعه فى موقف حرج عربياً وعالمياً ، ولهذا إستطاع نظام القذافى تأخير ساعة إنطلاق الثورة بقدر المُستطاع فما خروج إبنه على الساحة الدولية إلا محاولة فى إطالة عمر النظام حيث إستطاع إستقطاب وإستمالة البعض من أعضاء المُعارضة بالخارج.

لقد لعب رأس النظام هو وجميع أبنائه فى جميع الملاعب السياسية والإجتماعية والإقتصادية وإستطاع من خلال من جنّدهم من هنا وهناك بأن يفتح حوار مع بعض من أودعوا السجون والمعتقلات حتى وصل إلى تحقيق أهدافه من خلال التعويضات المُغرية التى صُرفت لمن وافق عليها وقبل بها وهى فاقت أحياناً مئات الآلاف كما لعب المدعوا سيف الإسلام على دغدغة العواطف وإصدار بعض القرارات ومن بينها ذلك القرار الذى ضم المئات من الطلبة لإيفادهم للدراسات العليا وغيرها وهم من أبناء من كانوا فى السجون محاولة منه التقرب منهم ولإبعادهم من محاربة النظام ،وهناك بعض المناضلين الوطنيين الذين رفضوا هذه المكافآت والتعويضات لفترات سجنهم كتعويضاً أو ديّة فى دماء أبنائهم الذين زُهقت أرواحهم ظلماً وعدواناً لأنهم إعتبروا ذلك قضية وطن إلى جانب أنها قضية أخلاقية لرفضهم المطلق التصالح مع النظام الديكتاتورى وسلموا أمرهم لله تعالى وإنتظارالفرج من الله فما بين ومضة عين وإنتباهتها يُغير الله من حال إلى حال . .

هاجمنى ذات مرة أحد أبطال الفيس بوك من أصحاب الأسماء المستعارة والوهمية الجبانة بمحاولة دس السم فى العسل الأسود … بقوله لقد كتبت ذات مرة فى إحدى الصحف المحلية عن المعارضة فى الخارج وهاجمتها وتحاملت عليها ووصفتها بأوصاف لا تليق بها ، وحيث أننى إحتقر الأسماء المستعارة المُرتعشة فلم أقبل على نفسى الرد عليه ولكن لكل مقام مقال فها أنا أرد على ذلك الشخص وقد جاءت الفرصة من خلال هذه المقالة .. وأقول له ربما تكون غير مطلع على ما عاشته المُعارضة الليبية التى تكوّنت بمجهودات فرديه ومتفاوتة القدرة والقناعة بإزالة نظام القذافى ، فقد كنا نتابع من خلال الإعلام العالمى الحر عن مدى قوة وتكاتف تلك المٌعارضة غير أننا نُصدم فى بعض الأحيان عندما نقرأ عن الصدامات والمواجهات التى تحدث بين أعضاء الجهات المُعارضة المختلفة التى تُمثل المعارضة الليبية فكنا كلما نقرأ عن تشتتها وضعف صوتها نشعر من أن الأمل بدأ يضعف وأن الفجر لا زال بعيداً ولهذا كنت دائماً أكتب وأنتقد وسأظل كذلك حتى ننعم بالديمقراطية والحرية والعدالة فى وطننا ولا أقبل أن تكون ليبيا مسرحاً للصراع على الزعامة والإيدولوجيات المختلفة فنحن شعب بسيط لا نقبل التلاعب بأفكارنا فقد حكمنا ديكتاتور بالحديد والنار ولا نقبل أن يُحكمنا أصحاب الإيدولوجيات التى أكل عليها الدهر وشرب ، لكننى أتقدم بالشكر والتقدير لبعض أعضاء المُعارضة الليبية الوطنية التى لم نراها اليوم على الساحة ولم نشاهدها تسعى وراء الكراسى بل نفتقدها حقيقة وكنا نتمنى أن نشاهد أعضائها الأفاضل فى الصفوف الأمامية وأعتقد أن الكثير يفهم ما أعنيه وأنا لا أخجل من أى شئ كتبته عن قناعة شخصية .. ولست ممن يطعنون فى الظهر ومن الخلف مثل تلك الأسماء الوهمية المستعارة الجبانة التى لم ينجى منها أحد فى ليبيا ومن طعناتها من وراء حجاب.

اليوم أيها السادة القراء أقول كما قال ذلك المواطن التونسى حول الوضع فى ليبيا (إتحب تفهم إدوخ) اليوم لم نعد نفهم نتيجة لعدم وضوح سياسة الساسة الجدد وخلفياتهم السياسية والأيدولوجيه حتى أننا فقدنا ثقتنا فى بعض من ننجذب إليهم إعلامياً ولو للحظات وما هى إلا أيام حتى تتكشف الأمور مما يجعلنا نستخف بأنفسنا لأننا وقعنا فريسة أوهام وأحلام وكلام معسول ، وكأننا فى سباق ماراثونى للوصول على أكتاف المناضلين فى الداخل الذين أخذوا خطوة للخلف وتركوا الساحة لمن جاءت بهم الرياح الخليجية من هنا أو هناك والترحيب من فوق رؤوس المناضلين حقاً وذلك للفوز بكراسى الدولة القادمة والتخطيط لذلك ، فعندما تُتابع حلقة أو ندوة إعلامية من خلال القنوات الفضائية ولو أن البعض من تلك القنوات أصبحت مُتهمة بأن لها أجندات خفيه كما يقال … يخرج علينا ذلك السياسى المُخضرم أو المُعارض الهُمام والثائر الذى لا يُشق له غيار المدعوم من خارج الوطن مُتحدثاً بأنه هو من قام بالثورة ولولاه لما حدث كذا وكذا وأن إتصالاته بساسة العالم كانت سبباً فى تدخل الناتو وهو مصدر الأسلحة والمعونات اللوجستيه التى دخلت ليبيا … أيها الأبطال الذين لم نشاهدكم إلا على شاشات التلفزيون ، إرحمونا بالله عليكم فنحن لا يخفى علينا شيئاً ونعى جيداً أن منكم من كان بطل (الربع الساعة الأخيرة) وأعلموا أن التاريخ النضالى لا يُصنع من الخيال بل على الواقع وأعلموا أن هناك من حاربوا الفساد علناً بالداخل وتعرضوا للكثير من المضايقات والتحقيقات وأرجعوا إلى مواقعكم الإلكترونيه لتقرأوا وتطلعوا يوم كان البعض يخافون من التصفح على صفحات الشبكة العنكبوتيه ولا تنسوا أن (كلام الليل مدهون بزبده يظهر عليه النهار ويسيح) وخصوصاً إذا كنتم ممن لا يعرف الصبح إلا بشروق الشمس.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا