رغم الإخفاق اتفاق الصخيرات لا بديل عنه حتى الآن - عين ليبيا

من إعداد: د. عبيد الرقيق

لا أريد البحث في ماهية تشكل أطراف الحوار وجوانب القصور الكثيرة التي رافقت تلك المحادثات الماراثونية، والتي استمرت أكثر من سنة، كما لا ينبغي أيضا تجاهل ان الحوار الذي تمخّض عنه اتفاق الصخيرات، لم يكن حوارا شاملا وبالتالي افتقد الى التمثيل الحقيقي لأطياف الشعب الليبي مناطقيا وسياسيا، لكن ظروف الواقع الليبي هي التي فرضت مرحليا ذلك الحوار، واقتضت الضرورة ان يكون التمثيل للفرقاء الليبيين الممثلين للسلطة التشريعية، الذين وللأسف صاروا اثنين وهما مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام الذي رفض التسليم!

ولقد رعى العالم ممثلا في منظمة الأمم المتحدة ذلك الحوار، وتعامل مع الطرفين باعتبارهما المؤثرين الأكثر فاعلية في مجريات الصراع الليبي، وهذا ما دفع الأمم المتحدة الى تبني مخرجات ذلك الحوار ولو في حدها الأدنى، بعدما فشلت عديد المحاولات لتوحيد رؤية الليبيين، الامر الذي تطلب البحث عن حلول كان مركزها هو احتواء الجسمين المتنازعين معا، بغض النظر على احقيّة احدهما قانونيا وشرعيا، وهذا ما عمل عليه السيّد ليون عندما ابقى في الاتفاق السياسي كل من المؤتمر ومجلس النواب واضافة جسم تنفيذي وهو المجلس الرئاسي، وبذلك جاءت الصياغة النهائية لذلك الاتفاق ليكون من مكوناتها الأساسية ثلاثة اجسام وهي: مجلس النواب ويضم كل أعضاء مجلس النواب المنتخبين ومجلس الدولة والذي هو عبارة عن المؤتمر الوطني العام والمجلس الرئاسي.

المجلس الرئاسي كان نقطة خلاف منذ البداية، واتفق اولا ان يكون من رئيس يترك اختياره لأعضاء الحوار ، ونائبين يرشحهما كل من مجلس النواب والمؤتمر الوطني،  ويراعى في ذلك التمثيل للأقاليم الثلاثة طرابلس برقة فزان، لكن تم توسيعه ليحتوي تسعة أعضاء تماهيا مع رغبات جهوية وقبلية لدى أعضاء الحوار المشاركين ، وهو ما تم إعلانه فيما بعد، وباشر المجلس عمله منقوصا من اثنين احتجاجا على بعض نقاط الاتفاق الذي تم بطريقة توافقية ولم تكن بالإجماع، وكانت المهمة الأكبر للمجلس هي اختيار الحكومة، والتي قيّدت  بموافقة مجلس النواب الذي رفضها لمرتين، مما أربك المشهد، واوجد العراقيل امام انطلاق المجلس الرئاسي، حيث رفضت حكومتا طبرق وطرابلس التسليم ما دفع الرئاسي الى انتهاج أسلوب تفويض لوزراء حكومته وصارت في ليبيا ثلاث حكومات متوازية!

ويستمر الاختلاف والخلاف حول الاتفاق السياسي، وينعكس ذلك مباشرة على حياة وعيش الليبيين، حيث تتعطل الإجراءات وتتدنى الخدمات وتشتد الازمات عصفا بالمواطنين، ويستمر الطريق مسدودا في ظل هذا الواقع المتردي الذي تقع المسئولية فيه على الاجسام الثلاثة، التي اقرّها الاتفاق، والتي لم تكن ثلاثتها في مستوى المسئولية والاحساس بمعاناة الليبيين، الغريب ان مجلس النواب والمؤتمر لا يزالا يظنان ان كل منهما هو الشرعي، ويتجاهلا انتهاء مدتهما معا وفق الإعلان الدستوري ولجنة 17 فبراير!

متى يدرك الجميع ان الاجسام الثلاثة المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، من مجلس نواب ومجلس دولة ومجلس رئاسي يتساوون في الوزن من حيث الشرعية؟ فشرعيتهم جميعا تنبع من اتفاق الصخيرات، الذي يرفضه البعض! متى يرتقون الى حجم المسئولية الملقاة على عواتقهم، في هذا الوضع المتأزم ويدركون ان لا خيار امامهم لإنقاذ ليبيا الا هذا الاتفاق؟ الذي يجمع الليبيين في جسم واحد ذو حكومة واحدة ومؤسسات سيادية موحدة، متى يحكّمون عقولهم ويتنازلون عن صغائر عواطفهم وتوجهاتهم الجهويّة او الحزبيّة او القبلية، ويضعون مصلحة الوطن الواحد فوق كل اعتبار؟!

لا أحد ينكر ان المجلس الرئاسي المنبثق عن اتفاق الصخيرات قد أخفق في كثير الجوانب، وان مصدر اخفاقه يكمن في عدم توافق أعضائه التسعة أولا، وقصوره في إدارة الازمة السياسية داخليا ثانيا، لكن بالمنظور الواقعي لابد من الاعتراف بأنه برغم كل ذلك الإخفاق داخليا، الا ان المجلس الرئاسي قد حقق نجاحا معتبرا خارجيا، ومؤشر ذلك تزايد اعتراف دول العالم ومنظماته به ودعمهم القوي لمخرجات ذلك الاتفاق، باعتباره المسار الوحيد المطروح على الساحة الليبية حتى الآن، وان جاء بالحد الأدنى من التوافق بين الفرقاء السياسيين.

انه أمام تأزم المشهد الليبي، ليس من خيار امام الليبيين، الا خيار اتفاق الصخيرات، اذ لا بديل ممكن حتى الآن، ولا إمكانية لتضييع مزيد الوقت امام وضع متردي منهار، على كل المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية، أرى انه لايزال هذا الاتفاق ملاذا وحيدا لكل الليبيين، ليتمسكوا به لاجتياز مرحلة انتقالية ضرورية لترسيخ ملامح الدولة الليبية المنشودة، ان ذلك سيساهم بلا شك في رتق نسيج الوطن المهترئ، ووقف نزيف الدم الليبي، وكذلك نزيف الثروة المستباحة، وكبح عجلة هذا الفساد المالي والإداري الذي يعصف بالبلد عصفا يكاد يقتلع جذوع ما تبقى من شجيرات الوطن المنكوب ! ان التمسك بالاتفاق لا يعني التمسك بالنص الحرفي، اذ يجب ان يكون متاحا اجراء التعديلات اللازمة التي من شأنها إنجاح الاتفاق والدفع به الى حيز التنفيذ التوافقي الفعلي، بل أنى أوكد على سرعة اجراء التعديلات اللازمة والعودة الى رئيس ونائبين في موضوع الرئاسي على وجه التحديد.

 



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا