ساعات لكلوب هواسي في واقع كوكب الأرض (الجزء الأول) - عين ليبيا

من إعداد: عبد العزيز الغناي

يعيش بطل المقال (صاحبنا) حياة نمطية طبيعية لكنها معزولة نوعا ما عن الناس وواقع الشارع، فهو من يقضي اليوم والأسبوع والشهر على تطبيق كلوب هاوس ليقوم بالقتال – عن طريقه – لإثبات صحة معتقداته ونُبل أخلاقه وصدق تحليلاته حيال حبه لفريق كرة القدم الأسود، ذاك الفريق الذي يلعب في دوري الدرجة الممتازة لكرة القدم، والذي ينافسه الفريق الأصفر بشدة في الدوري وبطبيعة الحال في وسائل التواصل الاجتماعي وفي حديث المقاهي والأفراح المآتم وغيرها.

وإذا كان طفل الأغنياء يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، فصاحبنا يصعد على الستيج (منصة المتحدثين) وبجانب اسمه النجمة الخضراء، تلك النجمة التي يتحصل عليها بسرعة البرق – فور صعوده – مهما كان اسم الغرفة أو موضوعها، تلك النجمة التي لا تليق إلا بالعظماء وذات المفعول السحري التي تحيله أحيانا لطاغية يمنحك حق الكلام أو يمن عليك فقط بشرف الاستماع، يُرقيك لمستوى المتحدثين أو يخسف بك الأرض لتجد نفسك بين عوام المستمعين، يُشيد بك بين الحاضرين أو يرميك ‘لى ما وراء الشمس بـ(ريموف) يحرمك لذة الاستماع لجلسات الحوار الساخنة التي قد تحدد مسار ومصير الدوري وانتصار الفريق الأسود على الأصفر.

صاحبنا لا يخرج من البيت ومن غرفة عملياته التي يدير منها رابطة مشجعي الفريق الأسود إلا للمقهى، حيث يجتمع هو وكبار مشجعي فريقه يتحدثون عن حظوظهم ومستقبلهم وهفوات و(فلايط) الفريق الأصفر وكيف سيستقطبون المشجعين الجدد ويهزون تكتل الفريق الأصفر ويصنعون رأيا عاما يجعل من الحكام ومناصري الفرق الأخرى وإداريي الدوري يحقدون على الفريق الأصفر ويمقتونه.

عاد صاحبنا للمنزل من جلسة أُنسٍ رائعة في المقهى، فقد جلدوا فيها الفريق الأصفر ومسحوا بكرامته الأرض، لكن مزاجه تعكر حينما اكتشف انه سيذهب غدا مضطر للمصرف لسحب راتبه الشهري وأنه لم يعد يمتلك ما يسد رمق يومه، فالزحام أمام المصرف مؤكد والاستيقاظ باكرا أمر ضروري.

استيقظ صاحبنا باكراً للذهاب للمصرف لسحب المال وحالما استيقظ شغل تطبيق كلوب هاوس وأجرى جولة سريعة على محتوى الغرف فلم يشد انتباهه أحدها، لكنه وبحكم الفطرة وامتلاكه لصفات المتحدثين العظماء كان لابد أن يجود بقريحته على المستمعين، وان يتصدى لكل من تسول له نفسه تمرير مغالطة..! لم يجد صاحبنا غرفة تستحق الاهتمام إلا غرفة صديق قديم، صحيح انه من مشجعي الفريق الأصفر لكنه لا يبغض فريقه الأسود.

وبمجرد ما دخل صاحبنا الغرفة وظهر الإشعار الأخضر لصاحب الغرفة بأن – فولانا قد دخل- طُلب منه الصعود سريعا ورُسمت بجانب اسمه نجمة السلطة الخضراء وانقطع حديث العامي الذي كان يتحدث، ليتم الترحيب بصاحبنا ويفتح صاحبنا المايك ويقول صباح الخير ويشرح سبب دخوله للغرفة وهو انه مستيقظ في الصباح ويبدأ يومه بنشاط ومثابرة علما بأن ساعة نومه البيولوجية عادة ما تكون بعد الثالثة ليلا، تدارك مالك الغرفة وتذكر العامي الذي كان يتحدث فقال له: “سامحنا يا هذا تفضل وأكمل حديثك” وعاد العامي للحديث بينما تحركت فعليا سيارة صاحبنا عبر الطرقات قاصدةً المصرف.

شعر صاحبنا بالنُّعاس ففكر في شرب بعض من القهوة، كان صاحبنا لا يرتاد المقاهي غير المعروفة أو غير المنحازة للفريق الأسود، لكنه من شدة الاحتياج لشرب كوب من القهوة توقف على قهوة في طريقه للمصرف، كان نزوله الأول للشارع ونظرته العامة للناس الحقيقيين تشبه النظرة الأولى لسجين قبع سنوات في سجن لا شمس فيه ولا نور، ويعجز عن إبصار النور بعينيه، لكنه تغلب على نفسه ودخل المقهى.

في المقهى وجد صاحبنا جمعا من الرجال الجالسين واثنان أمام آلة القهوة كانا قد طلبا قهوتهما في انتظار أن يعدها لهما القهوجي، وبينما كان ينتظر فروغ القهوجي لطلب (نص نص) استمع صاحبنا للحوار بين الرجلين والذين يبدو أنهما يشجعان الفريق الأصفر ويتحدثان عن ظلم تحكيمي في مباراته الأخيرة ويتهمان الفريق الأسود بالكولسة ورشوة الحكام وأمور أخرى، استشاط صاحبنا غضبا، فهناك من يحاول تمريره أفكاره وهذا يعد انتهاكا خطيرا في عالم صاحبنا، حاول صاحبنا أن يبحث عن زر الميوت (الطمس) ليسكتهما لكنه لم يجده، فهو مستمع فقط في عالم المقهى ولا يمتلك نجمة خضراء تعطيه حق إسكات الآخرين أو رميهم خارج المقهى، لم ييأس صاحبنا فحجم العذاب الذي كان يشعر به من جرّاء ما يسمع دون أن يمتلك لا سلطة الإسكات ولا خيار الخروج، أكبر مما عاناه ونستون من قبل أوبراين من عذاب في رائعة جورج أرويل رواية 1984م.

أصبح صاحبنا مضطربا يرمي بنظراته كل ركن من أركان المقهى علّه يجد زر الميوت، ويستمع لحديث جانبي آخر على طاولة أخرى يصب في ذات السياق، يبدو أن صاحبنا داخل مقهى يمثل غرفة لمناصري الفريق الأصفر، ورغم أنه غير معروف للعوام الحقيقيين إلا أنه شعر بأنه مستهدف من قبل المتحدثين، حافظ صاحبنا على رباطة جأشه وابتلع ريقه وبدأ يتجهز لدخول الحديث القائم بين الرجلين، وما هو أشبه برفع اليد حتى يسمح له بالكلام وأن يوقف تسريب الأفكار الخاطئة الذي يقوم به الرجلان وما أن هَمَّ بالحديث حتى قال القهوجي: “تفضل يا أستاذ قهوتك جاهزة”.

تنفس صاحبنا الصعداء ودفع ثمن القهوة وغادر المقهى بهدوء والعرق يتصبب من جبينه، وهو يردد في نفسه: “لم أتخيل أن العالم الحقيقي بهذه الصعوبة وهذه القسوة” وركب سيارته وشغل التكييف بقوة كبيرة واغمض عينيه واستند على كرسي القيادة بعنف، وحمد الله أنه خرج من هذه المحنة سالما، ثم استمع إلى صوت خافت يصدر من هاتفه فتذكر أنه كان في غرفة صديقه تلك، فرفع مستوى الصوت وسمع شخصا يتحدث بلهجة غير لهجة مدينته ففتح المايك وقال له: “نقص صوتك لو سمحت”، كانت جملة ”نقص صوتك لو سمحت” تمثل انتصارا معنويا مهماً يُكمل من خلال صاحبنا رحلته التي يبدو أنها ستكون شاقة نحو المصرف، لكن الغريب رد باستغراب: أن صوته لم يكن مرتفعا من الأساس حتى يخفضه، هنا قال صاحبنا يبدو أنك لا تفهم بأسلوب وأسكته وأنزله مع عوام المستمعين مستخدما نجمة السلطة الخضراء التي لا تليق إلا بالزعماء الكبار.

يتبع.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا