سرت… مغامرة أم تفاهم؟ - عين ليبيا

من إعداد: عبدالرزاق العرادي

 

امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بأحاديث عن نية اللواء المتقاعد خليفة حفتر التوجه إلى سرت لمنازلة تنظيم الدولة، وانتشرت صور لسيارات ومدرعات وأسلحة جهزت لهذا الغرض، ووفود لشخصيات، كانت أركانا في النظام السابق، تترى على معسكر باب عزيزية المرج.

انقسم المحللون بهذا الشأن بين سيناريوهين يلتقيان في هجوم لقوات حفتر على مدينة سرت لمنازلة تنظيم الدولة هناك؛ يذهب أحد السيناريوهين إلى أن حفتر والقوات المتحالفة معه من قيادات النظام السابق ستتمكن سريعا من دخول سرت، عبر تفاهم مع بعض قيادات تنظيم الدولة.

فيما يرى الآخر أن المتحالفين مع حفتر سيمكنهم هزيمة التنظيم بفعل خبرتهم، وحاضنتهم الاجتماعية، إن وجدت، في مدينة سرت ومحيطها. لكن لا يخفي أصحاب السيناريوهين كبر المغامرة ونتائجهم التي لن تغدو أكثر من استمرار للحرب والقتل والدمار.

لست هنا في وارد الدخول في متاهات الرد على هذه السيناريوهات، لكني سأسجل بعض الملاحظات، دون أن أدعي عدم صحتها بالمطلق، ومع ذلك أرى أنه من المناسب التأمل في منطق ما ينشر على أنه معلومات.

  • لما ذا انتشر هذا الخبر في هذا التوقيت، وهل له علاقة ببداية استتباب الأمر لمشروع الاتفاق السياسي الذي حصل على دعم الغالبية الساحقة من أعضاء مجلس النواب، بعد أن حاز على الغالبية نفسها من أعضاء المؤتمر الوطني العام الذين التأموا في المجلس الأعلى للدولة؟ وقرب عقد جلسة يصوت فيها على المهدي البرغثي وزيرا للدفاع، ويكون حفتر، في أفضل الأحوال، أحد الضباط التابعين له، في وقت يتزايد فيه الحديث علنا، ومن طرف قيادات من الثوار عن تواصل مع البرغثي، وإمكانية التوصل إلى حل معه.
  • هذا إضافة إلى تقدم الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، بغض النظر عما يقال عن عملها، والجدل الدائر حوله.
  • الغريب في الأمر أن التمساح وصبيانه خرجوا من الوحل مرة أخرى بنفس العقلية، تشجيع الحرب والدمار والقتل بدلاً من تطوير موقفهم ودعم جهود المصالحة ووحدة الوطن ورتق النسيج الذي ساهموا في خرقه.
  • هل للأمر علاقة باندحار التنظيم في مدينة درنة التي سعى حفتر وإعلامه، #التمساح_وصبيانه إلى محاولة عبثية يائسة لسرقة نصرها الذي صنعته أيدي الثوار من أهالي درنة؟ وثبات فاعلية حرب التنظيم بأبناء المدن المخلصين الصادقين، كما تجدد في درنة، بعد أن ثبت في صبراتة.
  • إن البحث عن شرعية حرب جديدة لا شك سيكون الشغل الشاغل لأمير الحرب الذي دخل إلى ليبيا من باب الحرب بعد أن خرج منها من باب الحرب. إذا انتهت حرب بنغازي، بـ”نصر” لحفتر، أو بسلم من البرغثي، فليس أمام حفتر إلا أن يشعل حربا جديدة، تعطيه “شرعية جديدة”. تأملوا الأمر من هذه الزاوية.
  • ارتفاع وتيرة الحديث عن توجه حفتر إلى سرت لا يخلو من غرض آخر هو الإشارة إلى أن حفتر  أنهى معركة بنغازي، وسيطر عليها، وهو أمر لا يخلو من دعاية سابقة لأوانها؛ فرغم تقدم قواته في الأسابيع الأخيرة، إلا أن السيطرة على مدينة مثل بنغازي ليس بالأمر السهل.
  • اختراق تنظيم الدولة، رغم أنه واقع، وتقوم عليه الكثير من الشواهد، لا يصل عادة إلى درجة أن يسلم التنظيم المدن التي يسيطر عليها في أي مكان؛ فالتقاء المصالح بين التنظيم وحفتر، في بنغازي، ودرنة، وربما في اجدابيا، والهلال النفطي، لا يعني  أن التنظيم تابع لحفتر، فكما يعرف المتابعون لشأن التنظيم، فهو يعتمد على مقاتلين غير ليبيين بالدرجة الأولى، وهؤلاء ليسوا على تواصل مع حفتر، فأغلبهم شباب اقتنعوا بفكر التنظيم، ومنهم مرتزقة يقاتلون لقاء رواتب، أو طمعا في مكاسب.
  • إن حملة حفتر على تنظيم الدولة في سرت، إن صح مثل هذا التوظيف لن تكون نزهة فخطوط إمداده ستكون طويلة جدا، ولن تغني عنه وفود رجالات النظام السابق لأن هذه الوفود ذاتها كانت أوفر مع القذافي، ففرت وتركته لحتفه، كما أن أكداس الأسلحة والتجهيزات والمعدات (المبالغ في حجمها، عن قصد لغرض التهويل)، ستسرق وتباع، كما بيعت في السابق، طبقاً لما صرح به عدد من قادة عملية الكرامة. هذا أيضاً كان مصير أسلحة القذافي، التي أضحت بالفعل بيد الشعب.
  • لا أنشر هذا الكلام رغبة في تثبيط الهمم عن الاستعداد لأي قادم، ولا أدعي أن تنظيم الدولة محصن عن الاختراق من أي نوع، كما لا أظن أن قيادات النظام السابق نسيت ثأرها مع الشعب الليبي الذي انتزع منها ثرواته، وحريته، بعد أن ملكته ردحا من الزمن، لكنني أقول هذا إيمانا بأن معركة الليبيين الحقيقية ينبغي أن تتوجه نحو المصالحة وبناء مؤسسات موحدة للدولة، وهو ما ينبغي أن تنشغل به النخبة، وتتوجه إلى تفعيله وسائل الإعلام الوطنية الليبية.
  • إن المعركة الحقيقية مع تنظيم الدولة، ومع كل أعداء الدولة الليبية هي معركة ثوار  ليبيا، والمخلصين من قياداتها العسكرية والساسية، وهي مسؤولية أصيلة للدولة الليبية، ومؤسساتها، وإذا حاول حفتر أن يخوضها دون تفويض من الدولة الليبية، أو لإضعاف مركز السلطة الشرعية من أجل القفز على السلطة؛ فالرد عليه يكون بتوضيح عدم أحقية حفتر، أو غيره، في شن أي حرب بدون توكيل من السلطة الشرعية، ويجب أن تعد ضمن انقلابه المتواصل منذ أكثر من سنتين.

لا يمكن لليبيا أن تعيش سلاما حقيقيا دون مصالحة حقيقية، تلغي التمييز ضد كل أبناء الشعب الليبي، وتعطي ذوي الحقوق حقوقهم، وتحيل ملفات من يرغب في ذلك إلى القضاء الليبي، بعد أن تقوم الدولة. ما سوى هذا سيظل حروبا عبثية تطحن البلد، وتنهب بموجبها أعمار أبناء ليبيا، وتخرق سكينة الآمنين من أبناء ليبيا، وتدمر المدن والموارد، ومقومات الوحدة.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا