سيكولوجية إدارة أزمة الاقتصاد الليبي - عين ليبيا
من إعداد: م. أسامة الحراثي
إن وعي وإدراك متخذي القرار الإداري التنفيذي في ليبيا لم يتبلور بعد حول أهمية التخطيط المسبق لإدارة الأزمات وخصوصاً في ظل التسارع المخيف والتنوع المفاجئ والحاد في المواقف و تلاشي حدود البعد الزماني والمكاني بين مواقع الأحداث وبين متابعيها، وقد أصبح اليوم استخدام المنهج العلمي كأسلوب وأداء للتعامل مع الأزمات المختلفة أكثر ضرورة وحتمية ليس فقط لما يحققه من نتائج إيجابية على مستويات مختلفة، بل لأن استخدام المنهج الغير علمي له بالفعل نتائج كارثية مخيفة و مدمرة بشكل كبير، إضافة إلي أن الإدارة العلمية للأزمات ضرورة ومسؤولية وطنية لمواجهة الجمود و التحجر في اتخاذ القرارات التي تعالج أو تخفف من حدة تأثير الأزمات علي مختلف فئات المجتمع وشرائحه كون أن الأزمات ظاهرة ترافق سائر الأمم والشعوب في جميع مراحل النشوء والارتقاء والانحدار، ففي كل مرحلة جديدة ثمة أزمة تحرك الأذهان وتحفز الإبداع وتطرق فضاءات بٍكر تمهد السبيل إلي إعادة تقييم الآليات والنظم التنفيذية لتتلاءم وطبيعة المرحلة بما يتحقق معها مكاسب على كافة الأصعدة السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
وفي الحقيقة أنه لا تختبر إي إدارة عليا أو فرعية اختبارا جيداً إلا في مواقف الأزمات، فالتخطيط الجيد لمواجهة الأزمات الاقتصادية علي مستوي الإدارات العليا لمؤسسات وهيأت الدولة الاقتصادية يُعد من المسلمات الأساسية التي يجب أن يدركها أصحاب القرار القيادي التنفيذي في ليبيا، فهو يساهم في منع حدوث الأزمة أو التخفيف من آثارها و تلافي عنصر المفاجآت المصاحب لها، بالإضافة إلي القدرة علي إجراء رد فعل منظم وفعال بعيداً عن العشوائية و الارتجالية وانفعالات اللحظة الجزئية التي يتخذها قادة تلك المؤسسات و الهيئات لمواجهة مجموعة المشاكل التي تعصف بدورهم و تتراكم لتشكل لاحقا الأزمة تتابعاً لتصنيفاتها لأزمة شاملة، أزمة جزئية أو أزمة عنيفة، والأزمة الاقتصادية هي مصطلح يطلق علي اضطراب مفاجئ يطرأ علي التوازن الاقتصادي يختلف في تسارعه و شموليته ونسبة تأثيره في الاقتصاد الوطني، و هو يعد نقطة الانعطاف أو عملية التحول قد تكون إلي الأحسن أو إلي الأسوأ و يتمتع هذا الاضطراب بإمكانية الفرصة و الخطر و لها سمات منها: المفاجأة و نقص المعلومات و تصاعد الأحداث و فقدان السيطرة و حالة الذعر مع غياب الحل الجذري السريع من صاحب القرار، وتتصف الأزمة كذلك بأنه تتابع لأحداث سريعة تهدد أهداف المؤسسات والهيئات الاقتصادية السيادية و كياناتها و حتي بقاؤها أحياناً.
فـ”الإدارة الأزموية” أو “إدارة الأزمات” هي علم وفن إدارة لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث وفق منظومة نمطية علمية متكاملة تتسم بالإعداد والتقدير المنظم والتقييم المنتظم لجملة المشاكل الداخلية والخارجية التي تهدد بدرجة خطيرة دور المؤسسات والهيئات الاقتصادية في إدارة التوازنات المحلية والخارجية للتكيف مع المتغيرات المختلفة وبحث أثارها في كافة المجالات، ومن مساوي الإدارات العربية هو عدم تبني إدارة الأزمات وتفعيلها كأحد الحلول الجذرية والمهمة في المنظمات الاقتصادية بالعالم العربي.
ففي حالة الاقتصاد الليبي و الذي تعاني فيه جميع المؤسسات الاقتصادية الليبية من حالة شبة انهيار جزئي كنتيجة طبيعة لحالة الصراع السياسي الداخلي و عدم الوصول إلي حل توافقي شمولي يُنهي حالة الانقسام المؤسسي و الإداري داخل الدولة مما ألقي بنتائجه السيئة و المأساوية علي حياة المواطن اليومية في الداخل و الخارج ، فلهذا كان لِزاماً أن يتم اتخاذ خطوات جدية بسرعة معالجة الأزمات التي تمر بها مؤسسات الدولة الاقتصادية ذات الأهمية و الأولوية في تخفيف من معاناة المواطن الليبي بتشكيل فرق عمل أو لجان مختصة موحدة لإدارة الأزمات بهذه المؤسسات تعمل علي مواجهة الحالات الطارئة و التخطيط للتعامل مع الحالات التي لا يمكن تجنبها و إجراء التحضيرات اللازمة لها وفق منهج علمي منطقي في التعامل مع الأزمات الحقيقية بآلية تجعل المؤسسة تعمل بشكل منتظم تحت كل الظروف الغير اعتيادية ، و ينصب كامل اهتمام هذه اللجان أو الفرق علي قدرتها لتحقيق أهداف عليا من أهمها :
ومن البديهي أن التحليل والتشخيص السليم لأي أزمة هو بداية الاهتداء للأسلوب الأمثل للتعامل معها، وأساس التشخيص السليم هو المعرفة والممارسة والخبرة والإدراك، وفي حالة الأزمات التي يتعرض لها الاقتصاد الليبي يتطلب تشخيص وتحليل الأزمة اتباع آليات علمية تتمثل في:
كما يرتبط التعامل مع الأزمة تحديد الاختيارات والبدائل والمسارات التي يتعين على متخذ القرار أو فريق إدارة الأزمة أن يسلكها لتحدد سيناريوهات التعامل مع الحدث الأزموي.
وهناك جملة من التوصيات تمثل الدستور الإداري الذي يتعين على كل متخذ قرار أو فريق إدارة الأزمة أن يعيه جيداً عند التعامل مع أي أزمة تواجهه وهي:
ويتطلب التعامل مع الموقف الأزموي توفر جملة من الاحتياجات الإدارية تحقق المناخ المناسب لإدارة الأزمة يتضمن:
كما أن تحديد مراحل الأزمة هو مطلب ضروري لفهم مسار الأزمة و حصر أبعادها بشكل دقيق ، و تحدد مراحل الأزمة تبعاً للوصف التالي :
وكما هو لكل حادثاً سبب، فإن للأزمة أسباباً رئيسية لنشاءتها تختلف في مضمونها من أزمة لآخره، وتنحصر أسباب نشوء الأزمة الاقتصادية الليبية في ثلاثة مسببات رئيسية هي:
وهي مرتبطة بشخص معين أو مجموعة محددة من الأشخاص يؤثرون بقراراتهم أو سلوكياتهم الإدارية التنفيذية على آلية عمل المؤسسة مما يُعجل بظهور الأزمات وتفاقمها، و لهم أسبابهم في ذلك منها:
تعد من أهم الأسباب وراء نشوء الأزمة الاقتصادية الليبية وتطورها، وهي تشمل المسببات المرتبطة مباشرةً بالإدارة المسؤولة عن الأزمة، ويمكن حصر المسببات في جملة من الأسباب الفرعية تتمثل في:
وهي مسببات غير مرتبطة بالعنصر البشري أو الإداري للمؤسسات، و تنتج عن مصادر خارجية منها:
إن كفاءة إدارة الأزمة هي التي تحدد مدي علم ومعرفة وخبرة المسؤول التنفيذي داخل المؤسسة وذلك من خلال قدرته على مواجهة الأحداث الصعبة واتخاذ القرارات المناسبة وفق رؤية صحيحة وتحليل صائب مع عدم التنصل من المسؤولية الملقاة على عاتقه، ولهذا فإن لإدارة الأزمة متطلبات جوهرية هامة تساهم في إدارتها على الصورة المُثلي ومنها:
إن التعامل مع الأزمات وإدارتها وخصوصاً في حالة أزمة تدهور الاقتصاد الليبي يستوجب علينا إسناد إدارة التعامل معها لإدارة عملية رشيدة تكون متكاملة ومترابطة تتمتع بثقة محيطها لكي تتمكن من السير قدماً لحلحلة الأزمة من خلال خطوات أهمها:
وللتعامل مع الأزمة بمنهاج علمي ذو نتائج علاجية فعالة علي وجه العموم هناك نوعين من الطرق للتعامل هما:
لها طابع خاص يستمد من خصوصية الموقف الذي يواجهه متخذ القرار في إدارة الأزمة ومن أهم هذه الطرق:
هذا النوع من الطرق مستخدم لدي الكيانات الاقتصادية الكبرى والتي تعد مناسبة لروح العصر، وأهمها:
وختاماً فإننا المتتبع لتاريخ الأزمات الاقتصادية في النظام العالمي الرأسمالي يلمس بوضوح وقوع اقتصاديات دول هذا النظام في أزمات قصيرة الآجل (2 سنة إلى 3 سنوات) أو متوسطة الآجل (3 سنوات إلى 5 سنوات) ويذهب البعض إلى الجزم اعتقادا بإن هذه الأزمات قد تحدث أو حدثت مرة كل خمسون عاماً، أو أنها تأتي كنتيجة طبيعية للحروب والكوارث داخل تلك الدول.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا