شاهد زور وهواة السياسة - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

يتساءل المرء؛ كم من الأرواح تزهق ومن العائلات تُشرد ومن المنازل تُدمَّر ومن المنافذ الجوية والبرية تُقفل حتى يستيقظ ضمير البعثة الأممية لتحدد من المعتدي ومن الممول له؟ للأسف بعد سبعة أشهر من العدوان على طرابلس وخمسة سنوات من العدوان على ليبيا والضمير الإنساني لم يتحرك له ساكنا، هذا ليس بغريب فالهيئة الدولية ليست جزاء من الحل في أكثر من 300 نقطة ساخنة على وجه البسيطة، وهي ليست جسم ملائكي صنع لإسعاد البشر بقدر أنها منظومة تحافظ على مصالح الدول الكبرى أو وسيلة لتنظيم تقاسم المصالح فيما بيتها.

الهيئة الأممية راقبت نصف مليون روندي يموتون في حرب أهلية بين التوتسي والهوتو ولم تحرك ساكنا، وهي التي كانت شاهداً على مجاز الصرب في البوسنة، وهي كذلك من أطلق يد إسرائيل أربعين يوم وليلة تصب حممها على غزة من أجل تركيع الفلسطينيين، واليوم في ليبيا يقف المبعوث الأممي شاهداً على القتل والتشريد والدمار وقفل المطارات وتضيق الحياة على العامة، حتى غرقت البلاد في القمامة ومياه المجاري، ويخرج علينا المبعوث بمعدل تصريحين في اليوم عن الانقسام الدولي في حين أنه لم يساهم حتى بذكر القوة المعتدية بالاسم ولا الدول الداعمة لها، ناهيك عن التنويه إلى قرارات الأمم المتحدة حول الشرعية ورفض الأجسام الموازية أو حول منع التدخل في الشؤون الداخلية من دول الاستبداد، وبذلك فإن البعثة تكون فاعلة إلا في توزيع مؤن الدقيق والأرز على محتجزي الهجرة غير الشرعية.

غسان سلامة ليس أدريان بلت الدبلوماسي الهولندي مبعوث الأمم المتحدة في بداية الخمسينات، الذي بمجهوداته الشخصية وفي موقف أصعب بكثير من الوقت الحالي استطاع تفكيك إمارة برقة وبناء المملكة الليبية بدستور جديد متحرر أشرف على كتابته والاستفتاء عليه وبناء مؤسسات سياسية واقتصادية فاعلة.

المبعوث الحالي وجد مجلس رئاسي مشتت (وممثل عشرة في شخص واحد) لا يملك رصيد فكري ولا تاريخ نضالي، ومجلس نواب منه المتخلف التابع ومنه المنقسم المنهار، ومجلس دولة لا مكان له من الإعراب، هولاء جميعا يمارسون هواية السياسة على شاشات التلفاز، أو بمبادرات فردية لا معنى لها، فأصبح رئيس المجلس الرئاسي ومستشاريه هم أصحاب القرار، فأملى عليهم المبعوث شروطه رغبة حينا ورهبة أحينا كثيرة، كان أولها تعيين رجالات حفتر في الحكومة ومنهم المالية والعدل، ثم التغاضي عن ضم الجنوب بالقوة للكرامة، ثم التغاضي عن طباعة العملة في روسيا على دفعات كثير حتى أصبح الدينار يساوي ثُمن قيمته، ثم التغاضي عن دفع الرواتب للمنشقين من الجيش، ثم التغاضي عن دخول حفتر لغريان، ثم رفض شراء منظومات مضادة للطيران من أجل ردع القوة الجوية المعتدية رغم المطالبة بها منذ زمن، ثم كان خطاب الرئاسي تحت قبة الجمعية العامة ولكن بلا خطوات فاعلة، فوزير العدل يتحدث عن فتح السجل العقاري ولا يمكن له تقديم حفتر للعادلة المحلية أو الدولية عن الجرائم التي ارتكبها، ووزير المالية لا يتوانى عن عرقلة أي إجراء يساعد على دعم الجبهات، أخيرا حتى المصرف المركزي لم يصدر أي قرار بمنع الأوراق النقدية المطبوعة في روسيا، وبالتأكيد لا تستطيع الخارجية سحب سفرائها في روسيا أو مصر ولا قطع علاقاتها مع الإمارات.

رغم القصور السياسي المهين فإن القوى العسكرية تسطر الإنتصارات بأحرف من نور، ولها معنويات تعانق السماء، وهي تتصدى لقوى الشر من الصحوات والجنجويد والمرتزقة الروس والإماراتيين، وهي ماضية في صنع النصر، رغم إرتعاش السياسيين وتخادل أصحاب القرار في دعمها والوقوف معها.

واقع الحال يقول أن الرئاسي ومستشاريه ينتابهم الخوف من النصر لذا لا يعملون على تحقيقه، وتبقى القوات المرابطة على ثخوم طرابلس لأشهر تستنزف مئات بل ألاف الشباب من الطرفين، ويهدف المبعوث الدولي ومستشارو الرئاسي من ذلك إلى تركيع القوى الرافضة للاستبداد بالغرب الليبي لقبول حفتر كشريك في الحكم، وهو ما لا يتحقق إن هزمت قواته شر هزيمة ودخلت قوات بركان الغضب إلى ترهونة، ويخاف الرئاسي أن  يكون رهينا للقوى المنتصرة في غياب رؤيا واقعية لإدماجها، ولذا يفضل الهزيمة ومشاركة حفتر على النصر، مما جعله لا يوافق حتى على تكوين لواء للقوى المساندة، وبقي القرار حبراً على ورق.

بالنسبة لحفتر ومعسكر الاستبداد إطالة الحرب تهدف إلى تغيير ميزان القوة العسكري عن طريق إجهاد القوات المدافعة باستعمال الغارات الجوية المتلاحقة والدفع بمجموعات المرتزقة، وخلق زعزعة إعلامية بين صفوف المقاومين تؤدي إلى تراشقهم بالسلاح في المحاور وبذلك يتم إضعافهم، وإيجاد حصار وقلق بسب الضربات الجوية قد تؤدي إلى انتفاضة ضد الرئاسي تساعد على دخول حفتر إلى طرابلس بنصر مبين!! وعندها يتم التخلص من بركان الغضب المقاومين وهواة السياسة في آن واحد.

مؤتمر برلين واحد لا يعني شئ، حضره الرئاسي أم غاب عنه، فهو مؤتمر مصمم لإنقاذ حفتر والدول الداعمة لمشروع الكرامة من الهزيمة بعد فشل دخوله إلى طرابلس، وشقه الاقتصادي إرغام البنك المركزي بتحمل 30 مليار دينار ديون من المصارف لنفقات حفتر على السلاح، أي دفع ديون حفتر على مصر والإمارات وروسيا من البنك المركزي الليبي والعودة إلى ما قبل 4 أبريل من أجل بناء الثقة والترتيب لحكومة مشتركة، وإلا سيستمر بيع العملة المزورة للحصول على الأموال لتمويل الحرب.

خوف الرئاسي من النصر منعه من التواصل مع داعميه مثل تركيا وقطر وتونس، بل أن المجلس (عشرة في واحد) شارد عن التعامل معهم حتى لا يوصف بأنه أداة للإخوان والمقاتلة (كمعزوفة مكررة) في حين أن سبعة دول تم شراءها من الإماراتيين لتقف مع حفتر، أخرها إيطاليا بعد حصولها على عقود نفطية.

ليس هناك حلول خارجية خارقة ولا أممية عادلة، ولا مؤتمرات مهمة، فالحل الوحيد هو إزالة الإستبداد وردع المعتدين والوقوف مع الجبهات بتوفير متطلباتها من منظومات عسكرية متقدمة ودعم لوجستي كبير يتم من خلالها سيطرة الحكومة الشرعية على مقاليد أمورها، وهذا لا يتأتى بالمجلس الرئاسي الحالي بل بتعيين رئيس حكومة جسور له وزير دفاع فاعل ووزير خارجية نشط، هذه المنظومة تقود الدولة إلى توحيد أراضيها ومؤسساتها ثم المضي إلى انتخابات نيابية ورئاسية جديدة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا