شيزوفرينيا التعصب المذهبي في عيد الميلاد - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

في هذه الأيام من كل سنة يحتفل أتباع الديانة المسيحية بأعياد الميلاد، وهي أعياد إجتماعية في محتواها أكثر من أن تكون أعياد دينية، عدا بعض الصلوات التي يقوم بها كبار السن في الكنائس مع ورجال الدين، المناسبة إجتماعية من حيث تبادل الهدايا وخاصة للأمهات والأبناء، و تجمع العائلة على مأدب في أيام معلومة منها يوم 24 ويوم 25 ديسمبر من كل عام ولكل مجتمع منهم مأكولاته الخاصة. خلال هذه الفترة يتذكر المسيحيون أصدقائهم وأفراد عائلاتهم ويتبادلون التهاني والدعوة للسلام والفرح والسعادة ونبذ العنف ومساعدة الفقراء والمساكين.

هذه الصورة المغيبة منذ ثلاثة عقود، لها صورة شائعة على منابر المساجد يتزعمها (حدثاء الأسنان) بأن المسيحية كفر بالله (ولم يكفرهم الله في القرأن) وأنهم مجتمع الخمور وغياب العقل، والفراغ الروحي وأنهم مجتمع الرباء والرديلة، وأن الخيانة من طباعهم والكذب من خصالهم، فلا يجب التعامل معهم ولا السكن في ديارهم (فهي دار حرب) ولا الشراء منهم ولا حتى تحيتهم أو تهنأتهم بأعيادهم مثل عيدالميلاد أو عيد راس السنة الميلادية، وأن من يقوم بذلك من المسلمين فهو كافر وخارج من الملة، (بفعل الموالاة)، إلا أن يكونا مضطرا لذلك.

النهج القرآني في هذا السياق واضح وجلي في الأيات الأتية:  “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ” (سورة المائدة 82.،  “وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ، وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” (سورة العنكبوت 46.، “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” (سورة الأنبياء 7، “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” (سورة البقرة 121).  “وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ” (سورة النساء 131).  “الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ” (سورة القصص 52. ولا يحتاج إلى تفسير فالقرآن يقول في الكثير من أياته أنه البلاغ المبين، وأنه الكتاب المبين، وكتاب فصلت أياته، فلا حاجة لإيجاد تـاويلات أخرى غير التى أنزلها العلي الحكيم.

هم إذن من المؤمنين، يعبدون الله، ويسجدون لله وهم يتلون آيات الكتاب طوال الليل.  يؤمنون بالله وبالكتاب وباليوم الآخر، وهم من الصالحين. ومن الناحية العقائدية فإن الله لم ينعثهم بكفار بل باهل الكتاب ولو كانو كفارا ما أجاز الزواج منهم، و يقول في الكثير من أياته أن الله يقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، وأن للمسلمين دينهم ولغيرهم دينهم، وأن الله لو أراد لجعلهم جميعا مسلمين ولكن إقتضت الحكمة الإلهية أن يكونوا مختلفين عقديا.

ومن السنة العملية أن النبي محمد قد تزوج مسيحية قبطية، فكيف يتزوج منهم وهم كفار وكيف يصاهرهم ولا يسلم عليهم ولا يتعامل معهم ولا يهنئهم باعيادهم.

من الواضح ان تفسير القرأن على ضؤ الموروث في القرون اللأحقة لوفاة الرسول قد قلبت الموازين، علما بان القليل من المتشددين من الحنابلة قد نحو هذا المنحى وللأسف بسبب القوة الإعلامية والدعم المالي للمنابر في الكثير من الدول ومنها ليبيا أصبحت هذه الأفكار شائعة. أفكار التكفير واللعن والغلو وتفسير الضالين بأنهم النصاري (وما أكثر الضالين من المسلمين)، وتفسير (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) : أي ليوحدون (والعبادة هي كل ما يتقرب به المرء إلى الله من قول أو عمل)،  هذه التفسيرات قاصرة وموجهة إلى إبعاده العامة عن الخوض في علاقتهم بالحاكم وبالمجتمع، أي نوع من التعتيم المقصود من السلطة الدينية لخدمة الحاكم، وهو سبب أساسي في تأخر المسلمين وتشتتهم فشل حكوماتهم.

بسبب فشل دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتواجد الملايين من المسلمين في الغرب المسيحي الذي كفل لهم حرية الإعتقاد والعبادة ووفر للكثير منهم فرص العمل بل منح للعاطل منهم مرتبات ومهايا على حساب دافع الضرائب المسيحي وهو ما لا يوجد في أي دولة إسلامية تتدعي إمتلاك الحقيقة وأنها الفئة المختارة الناجية.

كيف تخرج الفتاوى بعدم التعامل ولانهنئة المسيحيين والدول المسيحية وهم من يحمون الدول الإسلامية بقواعدهم العسكرية وطائراتهم بطيار وبدون طيار ويحمون قادة وملوك هذه الدول بإستخبراتهم وأجهزة تنصتهم، وهم من قاد الحروب لتحريرهم وإلقضاء على أعداء حُكامهم، ، ولا يجد طلابهم سبيلا للمعرفة إلا في جامعات الدول المسيحية.

النظرة المالكية المتفتحة من أمثال إبن حزم ومن بعدة من العلماء المسلمين في المغرب الكبير، والمذهب الحنفي في الشرق الأدني والأقصى أكثر إنفتاحلا وأكثر تقدمية وأكثر وضوحاً من السلوك الإنفصامي في المذهب الحنبلي وخاصة من بناء عليه من السلفية بأنواعها المختلفة الموسومة بالغلو والتشدد، والتي تعتبر فقاعة إنتشرت عند العامة بسبب الدعم الامحدود لها، مع أنها مناقضة لحركة التاريخ والحضارة الإنسانية، ولقد قام علماء المغرب وتونس بالتصدي للمذاهب المتشددة مما حد من إنتشارها ومنع الاحتقان والتشظي الإجتماعي والإرتهان للخارج.    



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا