شيزوفرينيا ليبية - عين ليبيا

من إعداد: عبدالرزاق الداهش

عندما تكون “لا سامح الله” محتاجا إلى جراحة دقيقة، فإنك ستفضل اختصاصيا بكفاءة عالية، بدلا من طبيب أقل كفاءة، حتى لو كان الأول ليس مواطنك، ولا ينتسب إلى دينك، وحتى لو كان الثاني صديقك الحميم، أو قريبك من الدرجة الأولى.

أنت تسلم قلبك لطبيب “كافر” أكثر مهارة، دون أي تفكير، بينما سوف تفكر عشرة مرات، قبل أن تمد أحد قدميك لطبيب ينطق بالشهادتين، لأنه أقل قدرة.

والحقيقة أنك، لم تختر الطبيب، بل أخترت حياتك، ولكن معيار الجدارة هذا، والذي نفذته في اختيار الجراح، لا تطبقه عندما يتعلق الأمر باختياره من يدير حياتك.

ولكن أنت نفسك ستفضل صديقك، أو قريبك من أي درجة، عن الأخر مهما كانت كفاءته، مهاما كانت قدرته على الأداء. القصة لا تتوقف عند الطبيب، فأنت مثل أي إنسان في العالم ستختار الميكانيكي الأفضل لسيارتك، والمهندس الأفضل لتصميم خارطة منزلك، وحين تود أن تقص شعرك، ستفضل من هو اقدر، عن من هو أقرب.

القصة تتجاوز طلب الخدمة، إلى طلب السلعة، فأنت مثل أي متسوق في الدنيا، تفضل السلعة ذات الجودة، حتى وأن كان مصدرها دولة غير مسلمة، عن سلعة أقل جودة ولو أن مصدرها بلد يصلي الأوقات، ويصوم رمضان. والسؤال: لماذا عندما يرتبط الموضوع بحياتك الخاصة تتصرف بمعيار، بينما تتعامل بمعيار مختلف عندما يتعلق الموضوع بمن يدير شؤون حياتك العامة؟ لعله كان عليك أن تفضل أبن عمك في إجراء جراحة قلب، طالما أنه تفضله في إدارة دولاب الحكومة.

أنت تتصور في كل مرة، أنك تحقق مصلحتك في كلتا الحالتين، متغافلا حقيقة مهما، وهي أن معيار ذوي القربة في إدارة الشأن العام، سوف يمنع وجود من هم ذوي القدرة في إدارة شأنك الخاص. أنت ترى أن صحتك تعنيك، ومعاشك يعنيك، وسيارتك، وبيتك، ومزرعتك، وكل ممتلكاته الخاصة. أما الشارع، والمدرسة، والمستشفى، وباقي مؤسسة المنفعة العامة فهي تعني الحكومة، حتى وأن كان بصورة أدق تعني الوطن.

ولعل السبب هو أننا نعيش عصر الدولة بثقافة ما قبل الدولة، وثقافة المصلحة العامة.

نحن محتاجين إلى تطوير مرئياتنا للعيش المشترك، وفقا لقيم المواطنة، ومحتاجين لاستدعاء خطاب الوطنية، ولكن ليس لتخوين الآخر.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا