ضرورة إلغاء نظام الصوت الواحد غير المتحول لإنجاح الانتخابات التشريعية القادمة - عين ليبيا

من إعداد: ا.د. محمد بالروين

بتاريخ 02 يونيو 2012، أرسلت مقترحات إلى الأخوات والإخوة رئيس وأعضاء المجلس الوطني الانتقالي، ونشرتها في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان: “القوائم المغلقة ونظام الصوت الواحد غير المتحول”*، مُطالباً إلغاء هذه الآليات لإنجاح عملية انتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام، ولكن للأسف لم يستجيب لذلك.

وفي 2014 قام المؤتمر الوطني العام بإصدار القانون رقم (10) بشأن انتخاب مجلس النواب وفيه تم إلغاء “نظام القوائم المغلقة”، ونصت المادة (18) منه على أن: “يُعتمد النظام الانتخابي الفردي في انتخاب أعضاء مجلس النواب وفقا لنظام الصوت الواحد غير المتحول….”**.

واليوم وبمناسبة محاولة إعادة صياغة “قانون انتخابات جديد” أناشد السيدات والسادة المشاركين في هذه العملية بإلغاء نظام الصوت الواحد غير المتحول حتى نتلافى الأخطاء الكارثية السابقة، ويتم إجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة وتعكس إرادة الناخب الحقيقية.

معايير الانتخابات

إن الغرض الأساسي من أي نظام انتخابي حقيقي هو ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في دائرة انتخابية ما، إلى عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة، وقبل الإشارة إلى عيوب ومخاطر نظام الصوت الواحد غير المتحول، لعله من المناسب التذكير بأهم المعايير التي يجب استخدامها لإنجاح أي عملية انتخابية:

(1) الشرعية

يجب ان تكون قواعد العملية الانتخابية مقبولة لجميع المشاركين فيها.

(2) المنافسة

يجب أن تتيح العملية الانتخابية الفرصة للجميع بالمشاركة على قدم المساواة.

(3) الاختيار

يجب ألا تُحرم العملية الانتخابية الناخبين من اختيار من يعتقدون أنه الأنسب.

(4) المحاسبة

يجب أن تُمكن العملية الانتخابية الناخبين من محاسبة ومراقبة ممثليهم.

انطلاقا من هذه المعايير، يمكن القول إن كل متأمل في العمليات الانتخابية لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب، يرى بكل وضوح غياب المعايير التي ذكرتها سابقا.

لماذا المطالبة بإلالغاء؟

لعل من أهم الأسباب التي تدفع للمطالبة بإلغاء نظام الصوت الواحد غير المتحول هي:

أولا: إقصاء الأحزاب الصغيرة من أي تمثيل حقيقي لها في المجلس التشريعي.

ثانيا: إضعاف العلاقة المباشرة بين الناخب وممثله في المجلس.

ثالثا: سهولة الفوز أي أن زيادة عدد المرشحين في دائرة ما، يجعل من السهل الفوز بالمقعد، حتى لو تحصل المرشح الفائزعلى نسبة ضئيلة جداً من الأصوات.

رابعا: اختيار مرشح واحدة فقط، في هذا النظام يقوم الناخب باختيار مرشح واحد فقط من مجموع المرشحين الذين سيقومون بتمثيله في المجلس التشريعي، بمعنى آخر، يقوم هذا النظام على أساس الاقتراع لصالح مرشح واحد فقط في دائرة متعددة التمثيل، فعلى سبيل المثال، لقد خُصص لدائرة مصراتة الفرعية في انتخابات عام 2014، ثمان (8) مقاعد في مجلس النواب (سبع مقاعد للرجال ومقعد للمرأة)، ولكن لم يسمح للناخب في هذه الدائرة إلا اختيار مرشح واحد فقط من بين المرشحين لمقاعد الرجال السبع، بالرغم من أن هؤلاء النواب السبع سينوبون عنه ويتحدثون باسمه في المجلس، وهذا يعني أن صوت هذا الناخب في الحقيقة يساوي واحد على سبعة (1/7) من صوت ناخب آخر في دائرة بها ممثل واحد (كما هو الحال، على سبيل المثال، في الدوائر الفرعية الانتخابية: الأصابعة وكاباو ومزدة وغدامس في الغرب، وأم الأرانب وتراقن ووادي عتبة في الجنوب، وأوجلة وقمينس وسلوق في الشرق)، أما في الدائرة الفرعية بنغازي فالوضع أسوأ، إذ خُصص لها عشرين (20) مقعداً في مجلس النواب (ستة عشر مقاعد للرجال وأربع مقاعد للمرأة)، ولكن لم يسمح للناخب في هذه الدائرة إلا اختيار مرشح واحد فقط من مجموع المرشحين لهذه المقاعد، بالرغم من أن هؤلاء النواب الـ16 سينوبون عنه ويتحدثون باسمه في المجلس، وهذا يعني أيضا أن صوت الناخب الحقيقي في الدائرة الفرعية بنغازي يساوي واحد على ستة عشر (1/16) من صوت ناخب آخر في دائرة بها ممثل واحد كما ذكرت سابقا! والأغرب من هذا كله، أن القانون سمح باستخدام “أسلوب الأكثرية (أي الفوز للأكثر أصواتا)” بدلاً من “أسلوب الأغلبية (أي 50+1%)!” للفوز بالمقاعد في العملية الانتخابية! مما يعني أنه سيفوز في هذه العملية الانتخابية المرشح الذي يحصل على أكثر الأصوات من أي مرشح آخر (حتى ولو كان الفارق بينهم صوتاً واحد)! وكنتيجة لاستخدام هذا النظام، تم في عام 2014 انتخاب 137 نائب لمجلس النواب بأقل من 2000 صوت، وانتخاب 53 نائب بأقل من 500 صوت، وفاز أحد الأعضاء بـ232 صوت فقط! (أنظر الجدول رقم 1)، بمعنى آخر، لقد فاز 72.9% من أعضاء مجلس النواب عام 2014 بأقل من 2000 صوت لكل عضو!!!.

خامسا: ضياع الأصوات، يقود نظام الصوت الواحد غير المتحول إلى ضياع أعداد كثيرة من أصوات الناخبينً، ولن يكون لها من يمثلهم في المجلس التشريعي (أنظر الجدول رقم 2).

هذا الجدول يوضع أن 80% من الناخبين بالرغم من أنهم لم يختاروا المرشح (أ)، ومع ذلك فاز بالمقعد في هذه الانتخابات، وأصبح يمثل الجميع لأنه تحصل على أكثر أصوات من أي مترشح آخر! ونتيجة لذلك لن يكون لهذه الأغلبية الساحقة (أي الـ80%) من يعبر عن أرآئها وطموحاتها في داخل المجلس التشريعي، والحقيقة المؤسفة أن هذا هو ما حدث بالفعل في الانتخابات الليبية خلال العشر سنوات الماضية!.

الخلاصة

من المؤسف حقاً، أن يُطلق على هذا النوع من الدوائر التي يمارس فيها نظام الصوت الواحد غير المتحول اسم “دائرة فردية”، والحقيقة أنها دوائر مُشوهة! لأن المتعارف عليها في الدول الديمقراطية، أن الاقتراع فيما يُعرف بالدوائر الفردية، هو أن يُخصص مقعد واحد لكل دائرة انتخابية، وأن يسمح للجميع – أفراد وأحزاب وتكتلات – بالمشاركة والتنافس على هذا المقعد.

وبناء على ما ذكرته سابقا، يمكن أن أختم هذه المناشدة بدعوة السيدات والسادة المشاركين في وضع قانون الانتخابات الجديد للقيام بالآتي:

أولا: إلغاء نظام الصوت الواحد غير المتحول واستبداله بـ”نظام الأكثرية” فيما يُعرف بـ”الـدائرة الفردية”، بمعنى أن يتم استخدام أسلوب الأكثرية لدورة واحدة في كل دائرة انتخابية، والمرشحين الذين يتحصلون على أكثر الأصوات هم الفائزون، ويكونوا بذلك الممثلين للدائرة الانتخابية التي أتوا منها، إن القيام بهذا التغيير يمنح للناخبين الشعور بقيمة أصواتهم ويجنبهم الشعور بأن أصواتهم مجرد أرقام ضائعة غير مؤثرة، ويمنحهم فرص متساوية في اختيار من يمثلهم والسعي لتأسيس دولة ديمقراطية حقيقية.

ثانيا: تمديد مدة حملة الدعاية الانتخابية حتى يتاح للمرشحين الفرص الكافية (سواء إن كانوا يمثلون أنفسهم أو تكتلاتهم أو أحزابهم)، ويستطيعوا بذلك التعريف بأنفسهم وببرامجهم.

ثالثا: إلزام كل مرشح بالتوقيع على ميثاق شرف يتعهد فيه بـتعريف الناخب بانتمائه السياسي والفكري، ويتعهد بأن يكون مستقل في اتخاذ قراراته، ويعطي الحق للذين تنتخبوه بسحب الثقة منه إذا قام بعكس ما التزم به.

ختاماً، على كل من يحاول إعادة صياغة “قانون انتخابات جديد” أن يتذكر أن شعبنا ينتظر منك إنجاز هذا القانون في أسرع وقت، حتى يتمكن من ممارسة حقه في العملية الديمقراطية الحقيقية، واختيار أعضاء مجلسه التشريعي الجديد بالطرق العادلة والمناسبة والصحيحة.

أدعو الله أن يتحقق ذلك قريبا.

أخيرا لا تنسوا يا أحباب أن هذا مجرد اقتراح، اعتقد أنه الصواب وسيعود بالخير على مستقبل الوطن، فمن أتى بمقترح أحسن منه قبلناه، ومن أتى بمقترح يختلف عنه احترمناه.

والله المســتعـان.

==============

* للآطلاع علي المقال الاصلي, في 2012, راجع: “القوائم المغلقة ونظـام الصـوت الـواحـد غيـر المتحـول: اقتراح بتعديلهما لإنجاح المؤتمر الوطني وتحقيق دولتنا المنشودة.” موقع ليبيا المستقبل. 2/6/2012 https://archive2.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/23215

** قانون رقم (10) لسنة 2014 م , بشأن انتخاب مجلس النواب في المرحلة الإنتقالية المؤتمر الوطني العام، صدر يوم 13 مارس 2014م https://security-legislation.ly/ar/law/31987

 *** Final results for House of Representative elections announced , he Libya Herald Website , Callum Paton  . July 22, 2014

ELECTIONS 2014: Final results for House of Representative elections announced



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا