ضرورة تغيير المشهد عسكرياً - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

سئم الليبيون من التغني بالشرعية، فمجلس النواب المتشظي، العاجز والمتآمر يدعي الشرعية، والمجلس الرئاسي الفاشل الذي فقد البوصلة والذي أوصل الليبيون إلى الحضيض ولم يعد يُعبر عن تطلعات الأمة يدعي الشرعية، في حين أن الشرعية عند الدول المحترمة تأتي من تلبية الحكومة لتطلعات الأمة ولا تأتي من الخارج، فالشرعية الممنوحة من الخارج مزيفة، وتستعمل السياسة الدولية إضفاء الشرعية أو سحبها لصناعة دمى أو معاقبة نظم وليست هبة في عالم المصالح.

لم تتوانى المجموعة الدولية من الاعتراف بكل القائمين بالانقلابات من ناصر إلى السيسي مرورا بالأسد والقذافي وصالح وصدام وبن علي، ولم يشك أحدا في شرعية هتلر وموسليني وفرانكو وغيرهم، ولن تتأخر معظم الدول عن التعامل مع حفتر وإضفاء الشرعية عليه إن دخل طرابلس.

اليوم صنع حفتر له شرعيته وهو عميل سابق للاستخبارات الأمريكية وأسير حرب، ومتمرد بثلاثة انقلابات آخرها في فبراير 2014م وأصبح له اثني عشرة دولة مؤيدة له بالسلاح والمرتزقة، ووضع له برنامج يتمثل في أنه سيصل إلى السلطة بعد ضم طرابلس ولن يردعه إلا الموت والفناء، ولا حل إلا الحل العسكري، وهو لا يؤمن بالسياسة أو التفاوض ولا بالمشاركة مع أحد سوى أقاربه من الفرجان كما رأينا أعضاء وفده إلى برلين، وأن ما يسمى برقة أصبحت ظاهرة صوتية يتحكم فيها شلة من القبليين ومجموعة من ضباط مخابرات العهد السابق ولا رجال فيها.

سلامة المتآمر لا قيمة لبياناته، فهو حتى بعد تسعة أشهر من القتل والتدمير والتهجير والسحل لا يزال يساوي بين المتمرد المُعتدي والمعتدى عليه، ولم يذكر حفتر والدول الداعمة له بالاسم في كل إحاطاته، ويستعمل أسلوب خلط الأوراق حتى لا يُدان المتمرد وداعموه، ولا يهمه خسارة الدولة الليبية أكثر من 60 مليار دينار بسبب حرب حفتر.

بالمثل الرئاسي يندد ويشعر بالقلق منذ سنوات ولا يقوم بعمله الدبلوماسي ولا السياسي ضد الدول المعتدية والمتمردين المحليين، ولا بدمج فاعل للقوات المقاتلة حتى تنتهي ذريعة المليشيات.

في هكذا أجواء؛ نعم لا يوجد حل سياسي، والحل العسكري هو السبيل لتغيير الوقائع على الأرض وتغيير القناعات للدول الداعمة للمتمرد، هذا يتطلب تغيير في بنية الحكم، فحكومة الرئاسي الحالي بطيئة مترددة مرتعشة  لن تصل بالشعب الليبي إلا إلى المزيد من التشريد والقتل والهزائم.

فلو كان اجتماع موسكو وبرلين بعد هجمة عسكرية على آليات حفتر كما حدث في غريان لكانت النتائج مغايرة، فالمتمرد لا يفهم سوى لغة الرصاص.

يتطلب تغيير المشهد اجتماع مجلس النواب ومجلس الدولة في طرابلس لتكليف رئيس وزراء جديد يقوم بتشكيل حكومة مصغرة لها مهام محددة مثل ردع المعتدي وعودة المهجرين والقضاء على المتمردين والخارجين عن مؤسسات الدولة واسترداد الحقول والموانئ النفطية وتوطيد الاستقرار من خلال استعادة هيبة الدولة.

عندها سيستقبل العالم الحكومة الليبية بالورود وسيعقد معها اتفاقيات وعقود، وسيجد أبطال المنطقة الجنوبية والشرقية طريقهم إلى حضن الوطن المفقود، لتنطلق مسيرة بناء مؤسسات الدولة المدنية دولة الحُلم الموعود.

أما المراهنة على الرئاسي المنتهي قريبا والأعرج حاليا، وانتظار نتائج مخالفة لما سبق فذلك ليس من سنن الكون.

رئيس المجلس الرئاسي زار مصر قرابة عشرة مرات بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا والإمارات، وهم موغلون في دماء الليبيين، بدعمهم للمتمرد، في حين أن دفع الرئاسي (بالسلاسل) لزيارة واحدة لتركيا أوجدت ما تتمناه القوة الحية من دعم الجبهات والسيطرة الجوية والدعم السياسي الكبير الذي جعل أوروبا تبحث عن حل للقضية الليبية التي تناستها لستة سنوات خلت.

من الواجب الوطني التعاون مع الدول الداعمة مثل تركيا وبريطانيا ولكن ليس بالاعتماد عليها، فالقضية الليبية يجب أن تتناولها حكومة ليبية رشيدة تناضل من أجلها وتستجمع كل إمكانياتها لكسب المعركة والذهاب إلى الاستقرار بانتخابات برلمانية ورئاسية كوضع نهائي للدولة.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا