طوبى للجنود الفرنسيين ومن حارب معهم - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

article1-1_22-7-2016

تتكشف كل يوم فداحة الغفلة السياسية أو التواطؤ المهين للمجموعات الفاعلة على الساحة الليبية، ويدس هؤلاء رؤوسهم في الرمال مقابل حفنة من الدولارات حينا أو خروجهم بطنطنة إعلامية على الشاشات أحيانا كثيرة، وفي الحالتين ينم الموقف عن مدى تخلف وعجز الساسة عن قراءة الواقع الليبي وأطماع الدول الكبرى ضمن سياسة لعبة الأمم.

لقد استطاعت المخابرات المصرية والإماراتية تأليف قلوب المرتزقة والانقلابيين الليبيين بمباركة مشائخ الأمراء السلفية للجم إرادة التغيير في ليبيا، بدعوى أن مئات الألاف من الرافضين لمشروع الكرامة هم خوارج كلاب أهل النار وطوبى لمن حاربهم من الجنود الفرنسيين والطيارين المصريين ومرتزقة تشاد والعدل والمساواة إلى جانب المليشيات القبلية ورجالات العهد البائد.

ليس هناك ملام على دور الحكومات الفرنسية والعربية المنغمسة في الشأن الليبي، فلكل منها أهدافها تعبر عن “ما هاجرت إليه” ولكن العار والشنار على الأطراف الليبية التي ما فتئت تجعل نفسها جسراً حانياً للمخططات الأجنبية، والتي عملت على تدمير البلاد والعباد بدعوى محاربة الإرهاب، وتلك الأبواق الليبية المأجورة بالمال الخليجي لشق الصف والتي تجاوزت ميزانياتها 70 مليون دولار، والتي تعدد أدوارها بين التبشير بالمذهب الحنبلي الوهابي الذي تبث إذاعاته من طرابلس وإلى شتى مناطق ليبيا دون تراخيص من الدولة، وتشجيع المنتسبين لهم على الحرب ومساندة قوى الطغيان، وإغتيالات المشائخ الرافضين لهم وإلقائهم بالمكبات أعمال شنيعة يندى لها الجبين.

تاريخ فرنسا في حبك الدسائس قديم قدم هذه الدولة، فالحروب الصليبية كانت بزعامة فرنسا، وحروب نابليون لم تتوقف إلا بسجنه، أما بالنسبة لليبيا فإن اغتصابها للأراضي الليبية قد بداء مع صيف 1892م (عند تواجدها في تونس)، حيث اقتطعت شريط حدودي بعرض 60 كم ، من الحدود الليبية الحالية إلى بحيرة البيبان ثم قصر بن  قردان والمرة ووادي العشوش ثم جنوبا إلى ماطوس وأخيرا قريعات الحسي شمال غرب غدامس، هذا الشريط الحدودي شردت أهله واغتصبت أرضيهم  ( ومنهم قبائل الصيعان الذين تم طردهم من قروع الصيعان بالقرب من الحدود) وإستقدمت عائلات وقبائل موالية للفرنسيس لتوطينهم بهذا الشريط، ورغم محاولات الشيخ سليمان الباروني لاسترجاع الأرض إلا أن ضعف الأستانة حال دون ذلك.

ولقد سجل الشاعر ضو العساس في قصيدة يصف فيها احتلال القوات الفرنسية للأراضي الليبية المحاذية لتونس وأنهم أقاموا طرق وقوات من الخيول ترابط على الحدود فيقول:

ليوم بري داروا له احـــــداده **** من ألوطية البشُول
وقلبي يكدر جـــــــــــــار كساده **** ما واتاني قـــــــــــــــــــــول
اليوم بري داروا له احـــداده **** عســــــــــه ونواظــــــــــــــير
كرفي امنجر عل مــــــعتادة **** معاه الخيل تـسيـــــــــــر

كان هدف فرنسا من احتلال الشريط الحدودي هو تغيير مسار الطريق الصحراوي القادم من مالي والنيجر وتشاد ليمر عبر غدامس إلى ميناء قابس التونسية بدلا من طرابلس.

لم يتوقف الصراع الليبي الفرنسي على الحدود الغربية طيلة ربع قرن، حيث قام المجاهد خليفة بن عسكر بمحاربة القوات الفرنسية لمدة أربعة سنوات بداية من سنة 1914 م، ولقد شارك قطاع كبير من الليبيين في هذه المعارك، منها حصارهم لقرية ذهيبة ومغري ورمادة، وتعتبر معركة أم صويغ في 2 أكتوبر 1915م من أشهر المعارك التي سجل الشاعر خليفة بلقاسم الكردي أحداثها في قصيدة تقول:

صار ملطم شين *** فيك انخبر بحواله
بين قرانين *** مدفع ناره شعاله
صار ملطم شين *** في ام صويغ المخلية
بين قرانين *** يرغي زرار الحربية

في فترة الانتداب كان الفرنسيون في الجنوب الليبي ولقد استخدموا غدامس معبراً لهم إلى مينا قابس وهو ما لم يدم طويلاً، وزال الانتداب الفرنسي بتصويت الأمم المتحدة على استقلال ليبيا، إلا أن أطماعها لم تتوقف.

فرنسا بلد يعيش على الاستحواذ على خيرات الشعوب، فدول وسط وغرب أفريقيا جميعها غنية بالذهب والماس والأخشاب واليورانيوم، إلا أنها فقيرة بسبب احتكار الشركات الفرنسية لمواردها بالتواطؤ مع حكام تلك الدول عن طريق تشجيع الدكتاتورية والفساد. وفرنسا آخر الدول ممن يتكلم عن الحرية والديموقراطية فهي التي أبادت مليون جزائري، وعملت على إفساد الانتخابات التي أدخلت الجزائر في العشرية الدموية.

في بداية الثمانينات قامت فرنسا بإغراء القذافي للدخول في حرب طاحنة قضي فيها أكثر من 13 ألف عسكري ليبي وثم أسر الآلاف، ومنهم خليفة حفتر، وكانت خسارة الوطن ضياع الشريط الحدودي المعروف بشريط أوزو، والذي يشتهر بوجود كميات كبيرة من معدن اليورانيوم المستخدم في الطاقة النووية، والكثير من مناجم الذهب التي لم تستغل بعد.

لم يكن مساعدة فرنسا لثوار ليبيا حبا في الشعب الليبي بل من أجل مغانم خسرتها في حرب الخليج بعد استحواذ الأمريكيين على العراق، فكان للفرنسيين دمى من المليشيات القبلية، وكان ولازال لهم دمى إعلامية تنطلق من باريس لتسويق مخططاتهم.

مشاركة فرنسا لعساكر حفتر في القتال لها أهدافها الخاصة والتي ليس لها علاقة بداعش، ومما يؤكد ذلك أن قوات داعش المنسحبة من درنة إلى سرت ولمسافة تقارب 800 كم في أرض صحراوية لم تتعرض لأي منهم، وأنها لم تقصف يوما قوات داعش في سرت، ولكنها أغرقت قوارب ثوار بنغازي في البحر، وقصفت سريا الدفاع عن بنغازي في اجدابيا والمقرون، وبالتأكيد قدمت الدعم الاستخباراتي لكل من المليشيات القبلية في الغرب الليبي وقوت حفتر في الشرق.

من الأسباب الرئيسية للتدخل الفرنسي في ليبيا الرغبة الأكيدة في فصل الجنوب عن الشمال مع ضم ساحل سرت إلى الجنوب كمدخل بحري، وتقوم بذلك من خلال تأييد بعض الانفصاليين التبو بادعائهم أن أرضهم تنتهي عند اجدابيا، وبعض الشخصيات التي تشترى وتباع بالمال. هذا المخطط يهدف إلى أن تكون فزان بوابة لدول وسط وغرب أفريقيا الناطقة بالفرنسية، ويتم ربطها بسكك حديدية وطرق سريعة تدر على فرنسا الخير الكثير.

الجانب الآخر المهم في مشاركة فرنسا لحفتر، أن فرنسا هي الدولة الأكثر تضررا من العمليات الإرهابية وأن معظم هذه العمليات تنطلق من أراضيها وبأيدي مواطنيها، وهو ما جعل الحكومة في نيران المعارضة وأخص بالذكر حزب السيدة لوبا، ومن مخارج ذلك افتعال حروب خارجية لقوات فرنسية تجذب الأنظار إليها ضمن ما يسمى الحرب على الإرهاب، ووسائل الإعلام قادرة على إقناع الفرنسيين أن معظم مواطنو بنغازي من الإرهابيين.

الجدير بالذكر أن داعش صناعة غربية بامتياز، وهي خليط من المتشددين الإسلاميين ورجالات العهد السابق وشبكات الاستخبارات، والدول الغربية ومنها فرنسا لها اليد الطولى في شق الاستخبار، وهو ما يفسر وصول العربات الإماراتية والأسلحة إلى داعش في سرت وجيوش القبائل. ولقد أثبتت قوات البنيان المرصوص الليبية قلبا وقالبا، أنه لا حاجة للدعم الغربي كما في بنغازي والعراق.

لإيقاف التدخل الفرنسي في ليبيا يمكن القيام بالعديد من الإجراءات الاقتصادية المؤلمة، فالغرب لا يفهم سوى لغة الاقتصاد، منها إلغاء العقد المبرم مع شركة تكنيب الفرنسية بقيمة 500 مليون يورو لصيانة وتطوير منصة بحر السلام (صبراته)، وتعطيل إصلاح حقل المبروك التابع لشركة توتال، وهو لا يشكل تأثير يذكر على حجم التصدير للنفط الليبي، وتخصيص مشروعات إعادة التعمير للدول الصديقة الأخرى، بالإضافة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية من الدولة ومن المواطنين.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا