عدوان العرب المشارقة على ليبيا وهاجس أمنهم القومي - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

تتحدث دول المشرق العربي عن غزو ليبيا وتشريد أهلها وتدمير بنيتها التحتية بمبرر الدفاع عن الأمن القومي لتلك الدول فماذا يعني ذلك؟، وهو ما لم نشاهده من دول المغرب الكبير الداعية للمصالحة والاستقرار والتعاون بل والتنديد بعنجهية القوة.

بالتأكيد لا يعني الأمن القومي تهريب السلاح وتسرب المجرمين عبر الحدود، فمصر منذ أربعة سنوات يضمن لها حفتر حدود بـ1200 كم تحت سيطرته وعلى مرمى منه، ولا وجود لحكومة الوفاق على هذا الشريط الحدودي، وأن الحقيقة الثابتة هي أن الجماعات المناهضة للدولة المصرية تتركز في سيناء وليس في الحدود الليبية المصرية، الحدود الليبية تستعمل لتمويل مصر بالوقود والمواشىء رخيصة الثمن والسيارات بلا دفع للجمارك.

ما لا يمكن البوح به من دول المشارقة العربية له جذور تاريخية وواقع معاش؛ فالجذور التاريخية أن حكم العسكر الذي بدأ بعبد الحكيم عامر في مصر وانتشر خلال عقود الستينات والسبعينات من القرن الماضي وحكم العائلات هُزم عسكريا في حروب 56 و67 و73 وهُزم أيديولوجيا بتنامي الحركات الدينية الإصلاحية وهُزم حضاريا برفض الشعب له بسبب عجزه عن بناء دولة لها مقومات الحياة، كما ساهم في تأخر الأمة بترسيخ الهيمنة وحكم الفرد أو العائلة وشرعنة الفساد، وهي ظواهر عفا عنها الزمن بحكم التطور الحضاري للشعوب.

عجز العسكر عن الإيفاء بمتطلبات الشعوب جعلها تنتفض لتُزيح ذلك الكابوس، فكان سقوط مدوي للكثير من رموز العسكر في الموجة الأولى 2011؛ القدافي، بن على، على عبدالل صالح، ومبارك، هذا السقوط يندر بتمدده إلى عروش الملوك والأمراء، فكان رد الفعل هو تحالف العسكر مع العروش لمقاومة التغيير، وكان من نتيجتها إرجاع مصر إلى حكم العسكر بإنتخابات مضحكة، وتسميم الوضع في كل من ليبيا وسوريا واليمن بصناعة دُمى، وترويض ثوار السودان بعسكر لائيم ودعم العسكر في الجزائر لإفشال التغيير، وإنتخابات صورية في موريتانيا. وبذلك فإن الإستثناء هي تونس والمغرب التي أصبحت مثالا للنجاح النسبي لثورات التغيير، رغم ذلك فالنهر الجارف سيشق مساره ولو بعد حين.

ما يزيد الأمر خطورة على حكام العسكر أن الموجة الثانية وهي إنتفاضات 2019 تسارعت في اكثر من إثنى عشرة دولة منها  الجزائر، و كاتالونيا، و الشيلي، والإكوادور، وفرنسا، وهايتي، وهندوراس، وهونغ كونغ، والعراق، ولبنان، ونيكاراغوا، وبورتو ريكو، والسودان حيث اتسمت هذه الانتفاضات، بطابع شعبي، يساري ونضالي، يعبر عن الكثير من الغضب والتحدي وتتمثل الخاصية المشتركة للحراك أنها تمردات للطبقة الوسطى الدنيا، وللطبقة العاملة والفقيرة.

وبذلك فإن ما يعنيه النظام المصري من المحافظة على الأمن القومي هو في الحقيقة المحافظة على حكم العسكر ومنع إنتشار ونجاح ظاهرة التغيير في ليبيا واليمن والسودان والجزائر، ويعتبر ذلك صراع وجود وليس صراع مواقف، وأن تحطيم فكرة التغيير في مصر كلفت الدولة مئة ألف سجين سياسي وإنهيار الإقتصاد المصري بسبب الفساد وتحكم السياسة في الإقتصاد، وأن وجود حكم عسكري في ليبيا هو الضامن الوحيد لعدم إنتشار هكذا مبادي إلى مصر، وهو البلسم لتحريك عجلة إقتصاد مصر الذي يعاني من ديون خارجية تقدر ب 93.13 بليون دولار وديون داخلية ننجاوز 307 بليون جنيه مصري. وعليه فإن محاولة إسترضاء سيسي مصر والإمارات والسعودية لتغيير موقفها من حفتر محاولات فاشلة، ولن تفضي إلى شئ وهو الذي يهدد بالغزو ووزير خارجيته يقول من آنتم يا رئاسي كما قالها القذافي من قبل، بل ذهب إلى التهديد بالغزو المسلح.

التوجه للمشرق كان خطاء جسيما منذ الأربعينات من القرن الماضي، فجيش السنوسي المحارب مع الإنجليز تم بناءه في مصر وهو الذي أنشاء إمارة برقة وسعى لإنفصالها، وكانت مصر دائما تطالب بضم برقة قبل وبعد الإستقلال، وفي يوليو سنة 1977 شنت مصر حرب طاحنة على الحدود الشرقية لليبيا قتل وأُسر الكثير من الليبيين رغم أن القذافي فتح ابواب خزائن ليبيا للحكومة المصرية ودفع ثمن السلاح الروسي وتسلم مئات الدبابات والمدرعات الليبية لمصر في حرب 73 ، زد على ذلك أن مليون ونصف مصري كانوا يعملون في ليبيا لاربعة عقود بلا دفع ضرائب ولا حتى تسجيل في المخافر أو جوزات سفر.

التدخل المصري في ليبيا كان مباشرة عقب تولي السيسي للحكم بتعيين عمر نظمي ضابط الإستخبارات المصرية في القنصلية المصرية ببنغازي لأجل تنسيق العمل مع حفتر وتقديم المشورة له، فكان من نتائج ذلك رفض حفتر للحوار مع ثوار بنغازي ودرنه وهدم المدينة على أهلها، ثم الإستمرار في ضم الجنوب بصناديق الذخيرة المصرية، ناهيك عن شن الطيران المصري عدة غارات جوية على غريان وسرت في فبراير 2015م.

من حقائق القرن الواحد والعشرين أنه لا يمكن إستئصال أو إغفال التيار الإسلامي المعتدل؛ الديموقراطي في العالم الإسلامي، وهو البديل عن التيارات المتطرفة مثل داعش والقاعدة والسلفية الجهادية، ولذا الكثير من الدول الغربية ومنها بريطانيا وأمريكا وإيطاليا تعترف بل تشجع على وصول هكذا تيارات للحكم مثل ما هو في تركيا والمغرب وماليزيا، خاصة وأن محاولات العلمنة وحكم العسكر المتماهي مع الغرب اثبت إخفاقة ولو تم تدويره إلى حين. إن إنتقال تركيا من حكم العسكر إلى النظام الديموقراطي جعل منها نمودج للعالم الإسلامي فقد تضاعف الناتج القومي من 400 إلى أكثر من 800 مليار دولار سنة 2017م، وهي قفزة لن تحلم بها دول الإستبداد بملوكها وممالك جمهورياتها.

المشكلة التي نعاني منها في ليبيا وفي الكثير من دول الشرق الأوسط هو تأخر العقل الجمعي الثقافي الذي لا يزال يراهن على أن حكم العسكر هو النمط الوحيد للمحافظة على الأمن، والأسلوب الوحيد لتوفير رغيف الخبز والطريقة الوحيدة لحكم الشعوب، وهي لآت بعيدة عن الدين وعن السياسة وعن الحضارة وعن تطلعات الشعوب.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا