عدوان من يسمون بالأشقاء - عين ليبيا

من إعداد: د. عيسى بغني

لم يكن هناك شعبا مسالماً سخياً بسيطاً حتى السداجة مثل الشعب الليبي، فلقد آثر على نفسه في زمن الخصاصة وتطوع كثيرفي زمن الرخاء لدعم الإخوة العرب المشارقة، لم  نلقى منهم إلا حبك المكائد والدسائس والغدر وترفيع النوائب. في نهاية الأربعينات كانت ليبيا على موعد مع الإستقلال وكان مندوب مصر يالجامعة العربية وأمين الجامعة العربية في سباق مع الزمن لضم ليبيا إلى الوصاية المصرية، إختلفت الدول الكبرى فيما بينها فكان إستقلال ليبيا بقرار من الهيئة الأممية. في حرب ستة وخمسون هاجم عبدالناصر الملك إدريس وإتهمه بخروج طائرات بريطانية من قاعدة العدم ولم يستشار الملك في ذلك، ولم تكن مصر داعما للحكومة الليبية الفقيرة حتى لا تلجاء إلى تاجير بعض القواعد للاجنبي. في حرب ثلاثة وسبعون كانت الدبابات والمدرعات والمدافع الليبية المحمولة في مقدمة الاسلحة التي عبرت قناة السويس وخط بارليف، لقد كان القذافي سخياٌ بدفع ديون مصر عند الاتحاد السوفيتي وعند توفير المليارات من العتاد الحربي وهو الذي لم يُبلغ حتى بموعد بدء العمليات العسكرية. وكانت في النهاية دك القوات المصرية للحدود الليبية سنة سبعة وسبعون وأسر العديد من الليبيين. رغم ذلك ضحك حسنى بمبارك على القذافي عشرة سنوات وهو يقول أنه يقوم بفك الحصار مع الأمريكان وكانت الفضيحة عند تصريح مانديلا بأن مبارك لم يبادر بطرح الحصار على ليبيا ابداً خلال زياراته المتكررة لواشنطن.

على المستوى الإقتصادي كان القدافي أسيرا لرجال الأعمال المصريين والحكومة المصرية، بداية من شركة البحيرة ومشروع الكفرة إلى خط أنابيب حقل الوفاء من شركة بتروجيت، مرورا بمأت المشاريع السكنية معظمها من النوع الردئ. العمالة المصرية بعددها الذي تجاوز المليون ونصف لأكثر من أربعة عقود تعتبر ليبيا جنتها الموعودة، فلا ضرائب ولا عقود ولا كفيل ولا شرطة ولا تسجيل بالمخافر ولا تاشيرات إلى عهد قريب، كان رد فعل حكومة السيسي وضع الليبيين على قائمة أعدائها، بتنصيب ودعم حتالة العسكر، والدخول في عمليات عسكرية لهدم بيوت الامنين في بنغازي ودرنة وسرت والنواحي الأربعة بدعوى محاربة الإرهاب، وتقوية تعنت حفتر في محادثات إعادة بناء الجيش الليبي في القاهرة لما يزيد عن ستة جولات لم تسفر عن شئ، بل زاد الأمر شدة بإعادة المطالبة بواحة الجغبوب الليبية وضمها إلى مصر، وقد يحدث ذلك بتماهي وتواطؤ عملائها في المنطقة الشرقية من الوطن الحبيب.

حاليا يستمر تذفق الذخيرة المصرية والمعدات المصرية من سيدى البراني لدعم حفنر وتاجيج الحرب لتستمر، مع خسارة الحكومة المصرية لسوق العمالة وثقة الشعب الليبي فما بعد الحرب لن يكون كما قبله.

بالمثل لا أحد ينتظر تعقل من ابناء آل زايد؛ محمد وطحنون، فهم حُراس معبد الإستبداد ومقاولوا الإطاحة بقوى التغيير، خوفا أن تطال عروشهم وتصبح أطلال دبي أعشاشا للحمام بعد أن يستبدل العالم جبل على بمرافي دول اكثر أهمية جغرافية واكثر وفرة للطاقة وملتقي للعوالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا مثل المرافي الليبية على المتوسط، هؤلاء يستمرون في زلزلة الارض تحت اقدام الليبين بمدرعات النمر والدبابات والقنابل والطائرات بطيار وبدون طيار، وتجنيد المرتزقة ودفع المال الفاسد والرشاوي لمن له ضلع في الشان الليبي، ناهيك عن شراء دمم الليبيين وإنشاء إذاعات لهم وشراء ابواق ماجورة، في ماراتون لم يرى له العالم مثيل، وهم وكلاء لدول كبرى تريد إستمرار صفقات السلاح لتمويل العجز الداخلى لها ومنها أمريكا وروسيا.

بالمقابل، يستمر المغفلون في التغني بالاخت الكبرى وبأم الدنيا، وهي التي تصرف منتوجاتها الزراعية الملوثة بمياه المجاري والمشروبات المسرطنة والصناعات الرديئة والرديئة جداً في الأسواق الليبية، لا بل تريد إعادة إعمار بنغازي ودرنه المدمرتين بذخائرها وان تنال عقود النفط والغاز لشركاتها، كما تريد الإمارات إدارة مواني ومرافي طرابلس ومصراته وبنغازي وطبرق والتوسع في مجال النفط بعد توطين حفتر على سدة الحكم. من الفارق أن الدول الإسلامية المجاورة مثل مالي والنيجر والسودان والجزائر وحتى تشاد لم تكون يوما مزعزعة للأستقرار الليبي ولم يكن لها نصيب من الدعم الليبي كما للمشارقة.

الدولة الأكثر صمتاً هي السعودية، فبدلا من حشر انفها كما تفعل الإمارات وضعت لها وكلاء ومشايخ لا يرد لهم طلب معونة، ذلكم هم الوهابية، الذين رُصدت لهم الميزانيات لدعوة الناس لا إلى الخير والصلاح وإقامة العدل وتمكين عباد الله على الارض بل لتغيير مذاهبهم إلى المذهب (السلفي مذهب إبن تيمية) والزعم بإمتلاك الحقيقة والنكوص بالمجتمع إلى القرن الرابع الهجري في التعامل واللباس والعبادة، والجمود الفكري عند ذلك التاريخ، وذلك بإثارة قضايا هامشية مثل التبديع ونبش القبور والتفخيخ والتفجير والتكفير وحتى التداوي ببول البعير، وهكذا تم تفريغ الدين من محتواه وإرتبطت جالية كبيرة من الليبيين بهذه الظاهرة الثقافية الخليجية لتاخد فتاويها وعملها وغدوها ورواحها من شيوخ أرض الحرمين، ونحن نعلم أن مكة والمدينة قد تعاقب عليها الكثير من المذاهب والائمة منها المالكية والشيعة والأحناف وأخيراً الجامية.  وفي ليبيا تقوم السعودية بتمويل ثلاثين إذاعة سلفية موجهة بطريقة مباشرة او غير مباشرة، ويحسبها الكثير من الليبيون انها المنهل العذب للعلم الشرعي الأصيل، في حين أنها طابور خامس تابع للخارج، وإلا كيف يتحصل الألاف من مشائخ هذه الطائفة رواتبهم من حكومة الوفاق ويلعنونها في خطبهم ويسبحون بإسم حفتر، كما تنضم وحدات عسكرية سلفية إلى قوات حفتر وهي التي تتحصل على رواتبها من الوفاق وتقوم بتعليم ابنائها وعلاج اسرها من ميزانيات حكومة الوفاق، كما حدث لمديرية أمن صبراته وتيجي وترهونة وغريان. من الناحية العسكرية هؤلاء العسكريون متمردون على مؤسسات الدولة ورافضون للأوامر وعقابهم معروف وهو التصفية الجسدية بمحاكمات عسكرية، أما ما يسمى باسرى فهم ليسوا باسرى لآنهم ليسوا من دولة معادية بل هم متمردون كذلك، وعقابهم سنوات طويلة من السجن.

ليبيا اليوم تعيش حالة النفير العام، ويجوز للدولة توجيه كل إمكانياتها المادية والبشرية للمعركة الفاصلة، كما يحق لها ممارسة السياسة بوسائل عنفية، فمن العبث أن نتحدث عن التفاوض أو المصالحة والجبهات مشتعلة، أو أن يتم مغازلة الدول الغازية والتعويل على تغيير سياساتها بالمناجات والمنادات، بل يجب ان يكون هناك سياسات فاعلة، منها تحويل جرائم وإعتداء تلك الدول إلى الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، والإتحاد الأفريقي، وإستدعاء المراسلين وكالات الاخبار الأجنبية وإطلاعهم على الإنتهاكات الصارخة للدول المعتدية، ومنها قطع وتاميم مصالح وشركات تلك الدول مثل إرجاع مصفاة راس الانوف (ليركو) إلى مؤسسة النفط الليبية وفسخ العقد الإماراتي وإنهاء كل عقود الشركات الإماراتية والمصرية في ليبيا، ومنها وضع ضريبة عالية على الإستيراد من تلك الدول أو منع منتجاتها السيئة والرديئة.

على المستوى العسكري دعم القوات المسلحة بالجنوب والتي تتكون من إتنى عشرة ألف مقاتل للإخراج أعوان الكرامة منها وقد راينا قيام الأهالى بدحرهم  من مرزق ومن حقل الشرارة في ساعات دون دعم يذكر، والإستمرار في القبض على الخلايا النائمة والقوى المتامرة، فالأتجاه يكون لتكوين دولة وليس توافق من أجل توزيع المرتبات وتوفير رغيف الخبز وغض النظر عن الفساد.

إعادة ترتيب البيت الداخلي على درجة كبيرة من الأهمية، منها تغيير لجنة الأوقاف وإيقاف الأئمة الذين لا يحملون شهادات جامعية في الشريعة او أصول الدين، أما العسكريين الرافضين للواجب الوطني فيتم إقالتهم أو تحويلهم للتقاعد وإيجاد دماء جديدة للمؤسسة العسكرية من خلال إعادة هيكلتها بطرق عصرية،  وكذلك إستدعاء السفراء وإيقاف عملهم في تلك الدول الغازية وتوجيه الليبيين إلى التعامل مع دول اخرى أكثر حيادية واكثر تعاون مع الملف الليبي، ومنها تغيير وزير الخارجية بمسؤل فاعل، ، وممثل ليبيا في الامم المتحدة وسفيرة ليبيا في امريكا، هكذا يكون الرد، وعندها سيكون لأعداء ليبيا الف حساب قبل التفكير في التدخل في شئونها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا