عمائم وخوذات ومن هذا القبيل - عين ليبيا

من إعداد: عبدالرزاق الداهش

عندما تختلف مع بعض أصحاب العمائم، فالمشكلة ليست فقط أنهم يعتبرونك ضدهم، بل يرونك ضد الله.

وعندما تختلف مع بعض أصحاب الخوذات، فالمشكلة ليس فقط أنهم يعتبرونك ضدهم، بل يرونك ضد الوطن.

يعني المعسكر الأول سيتعامل معك ككافر لمجرد أنك تختلف معه، والثاني سيتهمك بالخيانة لمجرد أنك لست معه.

خطاب التكفير الذي يستقوي بالمقدس الديني، وخطاب التخوين الذي يستقوي بالمقدس الوطني، كانا الأكثر سطوة، في منطقتنا المحكومة ذهنيا، بثالوث القبيلة والعقيدة والغنيمة، على رأي المفكر المغربي “محمد عابد الجابري”.

وعليه فمن الصعب التأسيس لحالة ديمقراطية في ظل ثقافة (أن الآخر كافر، أو خائن)، أو على الأقل (على خطأ باستمرار).

والكافر، والخائن هنا، لا يعني من لا يحق له أن يكون شريكا، بل من لا يحق له أن يكون حيا.

مشكلتنا الأساسية هي أننا مجتمعات، ليست قادرة بعد على إدارة خلافاتها، وتتجه في كل مرة، لإدارة معاركها من أجل إزاحة الآخر المختلف.

حتى تونس التي مضت خطوات واسعة باتجاه التأسيس لنظام ديمقراطي، ما زالت أسيرة نفس الثقافة.

فالآخرين دائما على خطأ، وحتى خطيئة.

والبورتريه الديمقراطي، يتحول إلى حالة نستطيع تسميتها بالمزايدقراطية.

صحيح أن خطاب التكفير أكثر انحسارا في بلد يمكن أن يكون الأفضل عربيا، إلا أن خطاب التخوين قوي، ومخرب.

تونس بلد نامي ليست كبلجيكا التي يمكن أن تظل أكثر من عام ونصف بدون حكومة، فالحياة السياسية معطلة، والاقتصادية مرتبكة، مع تراجع الوئام المجتمعي.

في ليبيا الوضع أسوأ بكثير، ليس لغياب ثقافة عدم القبول بالآخر، والدغمائية العقائدية، ولكن لعدم وجود قوى مدنية حقيقية، ومؤثرة، تؤمن بكل قيم المواطنة، والتنوع الخلاق، والذهن المؤسساتي، والأسوأ غياب الدولة.

ولهذا يدفع الإنسان الليبي الثمن غاليا ليس من موارده فقط، بل من أوردته أيضا.

ويبقى أن نقول أن افضل علاج لعدم قبول أجسامنا لهذه الديمقراطية، هو الديمقراطية ذاتها.



جميع الحقوق محفوظة © 2024 عين ليبيا