عندما يتدخل القضاء في السياسية - عين ليبيا
من إعداد: د. مجدي الشبعاني
هناك فارق كبير بين أن يتدخل القضاء في السياسة بشكل صريح، أو أن يمارس القاضي عملا سياسيا بامتناعه عن إصدار حكم أو تأخير إصداره وفقا لمقتضيات السياسة الحالية، أو أن يكون للقاضي دور سياسي يستشف من أحكامه ، فهذه الأخيرة لا تقدح في استقلالية القضاء، وقد بينا هذا في بحث مفصل بعنوان “الدور السياسي للقاضي الدستوري” (مجلة معالم للدراسات القانونية والسياسية /الجزائر، العدد الأول، ص 1، 2017م)، أما الحالة والأولى والثانية فهي تقدح في استقلالية القضاء ومصداقية أحكامه، وانحسار لما يعرف بأعمال السيادة، والحالة التي أمامنا خير مثال على ذلك.
وقد أصدرت المحكمة العليا في دولة زيمبابوي حكما يقضي بأن الاستيلاء العسكري الذي أدى إلى الاطاحة بالزعيم روبرت موجابى كان دستوريا، فقد وضع زعماء الجيش سيارات عسكرية في شوارع المدينة ووضعوا الزعيم المخضرم موجابى / 93 عاما / قيد الاقامة الجبرية قبل أن يقدم استقالته.
حيث جاء في حكمها أن ” “الاجراءات التي اتخذتها قوات الدفاع الزيمبابوية لوقف اغتصاب أقرباء من الرئيس السابق روبرت موجابى دستورية” (وكالة انباء // زى بى سى // الحكومية الرسمية) في إشارة إلى زوجة الرئيس.
وجاء في أسباب حكمها بان الاستيلاء الذي قام به العسكر هو “ضمان عدم ممارسة الافراد غير المنتخبين لسلطات لا يمكن ان يمارسها سوى هؤلاء الذين انتخبوا”.
وفي الواقع نرى أن هذا الحكم سابقة قضائية خطيرة، حيث أن المحكمة ايدت بتفسيرها هذا بأن ما قام به الجيش مسموح به قانونا وأنه يجوز قانونيا ان يتدخل العسكر في شؤون السلطة التنفيذية “، وبالتالي أصبح القضاء حليفا لنائب الرئيس الذي تولى مقاليد الحكم في البلاد، حيث حكمت المحكمة ذاتها قبل مدة قصيرة “بأن إقالة موغابي في وقت سابق منانغاغوا كنائب للرئيس غير قانونية “.
وإن كنا نتفق من أن تشبث موقابي بالسلطة و ومحاربته لأي مظهر من مظاهر التداول السلمي في بلاده ، لكن هذا لا يجعلنا نوافق بأن يكون هذا العمل مبررا ، فجميع المؤشرات تقول أن دولة زيمبابوي انتقلت من حكم استبدادي إلى آخر ، وأن ما تم هو لعبة سياسية تم تنفيذها بنجاح ، وأن ما تم لم يكن تداولا ، بل كان توريثا للحكم بين خيارين احلاهما مر ولازال الحكم استبداديا ، فإما أن يورث موقابي الحكم لزوجته أو أن يسيطر الجيش بتحالف مع نائبه ؟، فأين التداول السلمي للسلطة إذا ، بل أين نصوص دستور زيمبابوي التي عدلت وفصلت لتلائم الرئيس المستقيل فهي الآن أكثر ملائمة لنائبه.
وفي هذا تساءلت هيومن رايتس ووتش عن مدى استقلال المحاكم في زيمبابوي؟
وهذا ما يجعلنا نفكر في اتخاذ خطوات تشريعية أكبر نحو تحصين السلطة القضائية عن تأثيرات السياسية وألاعيبها وألا يكون حكم القاضي إلا بناء على ما يتوجبه عليه سلطان القناعة والضمير، دون الميل والهوى، وإن كان ذلك غير ذلك فالعدالة في خطر حقيقي ولا مجال للحديث عن استقلالية القضاء ونزاهة العدالة.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 عين ليبيا